بصراحة لم تعد تشغل بالي كثيرا مكبرات صوت سهرة عروس أو تلك الطوابير من السيارات التي تطلق العنان لأبواقها وكأن العروس لا تلصق ا(لخميرة) على عتبة بيتها الجديد بدون هذه “العراضة” وبدون دزينة من الالعاب النارية او لعلعة الرصاص الحي، او بياع متجول يقلق منام عامل أمضى وردية ليل. بل أصبح ما يشغل البال أكثر كون معظم الإعراس وأعياد الميلاد وأعياد الزواج والفوز بالانتخابات، وإطلاق سراح من محكمة، وحتى خروج عامل الى التقاعد، لا تمر في معظمها بدون الألعاب النارية، ولعلعة الرصاص بين الجموع، وشرطة “بدري ابو كلبشة” في سابع نومة. و”الذي زاد الطين بلّة” أن سكين المطبخ لم يعد يقتصر امتلاكه لإعداد الطعام، فتقتل به، بين الفينة والأخرى، نفس مُعِدّة الطعام.. كذلك من يسَلّم رقبته لحبل المشنقة هل فكر للحظة بمعاناة ذويه وهل فكر ذووه يوما عزيزهم قد يقدم على مثل هذا الاجراء بحق نفسه؟
بمثل هذا الكلام لا نعفي الشرطة والنظام من بعض المسؤوليات بهذا الخصوص وفي الوقت ذاته يطرح السؤال: لماذا يتشاجر هذا الأخ مع اخيه، او ذاك القريب مع من يخصه على شِبِر ارض، وننسى سلب الدولة لمعظم أرضنا. او يتحول نزاع على موقف سيارة الى جريمة قتل، أو تكون بين الصغار فتنتقل الى الكبار. وإذا كان “مجنونا قد رمى حجراً في بئرٍ، فلم يستطع مئة عاقل من إخراجه”، فكيف اذا كان من فعل ذلك ليس مجنونا وإنما عن سبق إصرار؟
أي نعم، ماذا نعمل كأفراد وهيئات رسمية للحد من انتشار هذه الامراض ومنها القاتلة، والقضاء ماذا مع سرطان العنف الآخذ بنهش جسدنا؟ “متى نعمل على تجبيرها قبل ان تنكسر”؟ وهل سيبقى جلّ اهتمام الكثير من مدارسنا مقتصرا على أعلى نسبة نجاح في امتحان البلوغ “البجروت”، دون ان يُخَرّج هذا البالغ، أيضا مع شهادة “بلوغ” في التسامح والتآخي ونبذ العنف؛ مزودا بثقافة الحوار ونزاهة الموقف وشفافية التعامل.. هل نلوم المدرسة ونترك البيت والتربية العامة، هل نستمر في إلقاء اللوم على المجتمع؟ و.. وبعد أن “هرمّنا” فهل نستيقظ ذات صباح، دون ان يكون قد أقلق منامنا هذا التخلّف السلوكي؟؟