هو دَيْن في عُنقي، حمّلني إيّاهُ الأخ: محمد توفيق الرّيناوي،اسم على مُسمّى، اسم يجلب له ولنا الفخر والاعتبار، وذلك بواسطة صهر عائلتهم، الأخ: شحادة أحمد عمر، سبلان/ ترشيحا، وقد مرّ على هذا الدّيْن ثلاث سنوات ونيّف، دون أن أُطالَبَ بالفائدة، طبقا للشريعة الإسلاميّة الحنيفة التي نَقتدي بها، لذلك أرجو المعذرة منهم جميعًا، أهل السّماح ملاح، والمُسامح كريم!
إنّه: ديوان، مُصنّف، مختارات، شذرات، إطلالات، نفحات ممّا تيسّر من شعر الشّاعر الشّعبي: أبو الأمين توفيق الريناوي،طيّب الله ثراه ومثواه ،وقد ضَمّخ الكاتب/الجامع/ المُدوّن والمُسجّل النّجل ما تيسّر له من تسجيلات والده الكريم، أضاف إليها قيمة مُضافة، حصافة وفصاحة مختارات من المساجلات، الصّولات والجولات والمبارزات مع زملاء الشّاعر ومُعاصريه، بكلّ أدب ولياقة ولباقة، لِتُزَيّن هذا المُصنّف بعيون الشّعْر الشعبي الفلسطيني، بلغتنا المحكيّة الدّارجة، لتكون أيقونة أدبيّة مُكتملة الجَمال والخِصال. الشعراء، الحدّاؤون الشعبيّون، الزّجّالون، القوّالون والقوّالات النّائحات النّادبات، كلّهم لم يُعطَوا حقّهم وتقديرهم،حتّى لو كان بعضهم متكسّباُ، مادحًا، أو مُحيِيًا لحفل زفاف، أو أيّة مناسبة سارّة أخرى، الأمر كان وما زال مألوفًا، منذ القِدم، وهذا ليس بعيب، معاذ الله، حتّى لو تضمّن المدح كثيرًا من المبالغة، المجاملة،الإطراء وكثيرًا من التّشبيهات الخياليّة بـ: عنترة بن شدّاد، حاتم الطّائي،كسرى أنو شروان،أبو زيد الهلالي،، الزّير سالم، القمر والشّمس، السّيف والقلم وغيرها،مع الاستعانة بضروب ودروب البلاغة الواضحة، وما بها من جناس،معانٍ وبديع…
ضمّ الكتاب 220 صفحة من القطع المتوسّط،قُسِم الى خمسة فصول لفترات زمنيّة محدّدة: 1900-1930،1931-1948،1949-1960، 1961-1975،1976- 1987، صدر الكتاب عن مطبعة بير المكسور، لصاحبها السّيّد إبراهيم نمر حجيرات، جاء في إهداء الكاتب: أهديه لكلّ مَن أحبّه مِن النّاس الذين بقَوا في ديارهم، في الجليل والمثلّث والنّقب وفلسطين عامّة، وأهل بلدهِ الرّينة بشكل خاصّ…
كما ورد في المقدّمة: أمّا من حيث السّياسة، فهناك إرث سياسي قاسٍ، تجرّع كأسه السّلف والخَلف، ولمّا ينتهِ مشواره بعد،هذه السياسة الظالمة التي كانت ضدّ البسطاء الآمنين، فسلبتهم أرضهم ومحقت تاريخهم وجعلتهم بين ليلة وضحاها يعيشون بلا مستقبل، ولا حاضر، ولا حتى ماضٍ،لقد سلبتْ منهم آلامهم وأحلامهم…
تعامَلَ الكاتب مع الجميع ممّن دوّن أشعارهم/ حداءهم/ قصائدهم بكثير من الأدب والاحترام، وهذا ليس بغريب على مَن نشأ تحت كَنَفَيْ شاعر معطاء على السّليقة والنّباهة والفِراسة معًا، من بين هؤلاء الفرسان المُمْتَطين صهوات خيولهم العربيّة الأصيلة نَذْكُر: فرحان سلام/ المجيدل، مصطفى سعيد الحطّيني، الشاعر اللبناني شحرور الوادي، محمد العابد/ البعنة، يوسف علي القاروط/شَعَب، أحمد العتيلي /طيرة حيفا، أبو سعود الأسدي وأخاه أبا غازي،موسى الحافظ /الجَدّ/ السنديانة، عوني سبيت/اقرث، أبو ليل و…
//موسوعة للوطن
كان أبو الأمين موسوعة جغرافيّة متنقّلة بين ثرى وربوع الوطن، من شماله الى جنوبه، ومن بحره الى نهره، عرّج على كافّة قرانا ومُدُنِنا، النّازحة والرّازحة، لم ينسَ العائلات والوجهاء،… أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، مع طَبْشِة كَفّة الميزان والمكيال، حتى لو اقتضى الأمر بعض المبالغة في المجاملة، وهذه هي قِيمنا وشيمنا العربيّة الأصيلة، وخاطب النّاس بالذي هو أحسن!…، وَكَي لا نُطيل الحديث،نقتطف باقة صغيرة من حدائقه الغنّاء وبساتينه الفيحاء في معالم وطننا المعطاء:
قال عن طوبا ص 80: وين طوبا العربيّة / بعيدة وْصارت منْسِيّة/ والهيب البداويّة / وْمِن شرقا تشوف الجولان.
وعن عكبرة قال: عكبرة وْحدّا صفد/ وادي عمود البلد/ لو فيها المرء اجتهد/ بِعَمّر جبل كنعان.
وتغنّى في بلدة الجشّ: عا الجش وْديرة شمال/فيكي مْنُضْرُب هالأمثال/ِ وحْدة حال وْأحسن حال/ بين الرّبع والخلاّن.
عرّج على قريتنا حرفيش فقال: مِثِل حُرّ النّفْس بالنّاس حُرفيش/وْليلة هالبراد الحفل حَرّ فيش/وْبَحَيّي من شمال الأهل حُرفيش/وْفيها من الأفاضل والطّياب.ص143
لا ينسى بقيّة قرى الشمال فيقول:
وْعا فسّوطة طُلّ وْروح/وْداوي قلبك من الجروح/وْنسماتِك بِتْرُدّ الرّوح/بْتشفي المُصاب العيّان.
أمّ الدنيا ترشيحا/ مْعطّرة بْأذكى ريحة/ كُلّ أيّامِك مليحة/ بْتْرُدّي كيد الطّغيان.
معليا من فوق التّلّ/جَوّكْ صافي وْزهر الفُلّ/وْكل مِن بْينزل هالمَحَل/ بِرْتاح انكنّو تعبان.
الشّاعر في مطوّلته هذه مئة وسبعون بيتًا،ص 76 وما بعدها،مارًّا على ذِكْر خمس وتسعين قرية ومدينة، يصف بقيّة القرى: بيت جن، البقيعة،كفر سميع، كسرى،يانوح، جثّ الجليل وأخواتهن،لكلّ منها مزاياها ومعالمها وفضائلها.
//عروبي انساني
توجّهُ الشاعر وزملائه: وطني، قومي، عروبي، أخلاقي، انساني،بعيد عن التّزمّت والتّشدّد، قلوبهم تتّسع للجميع،عن سلطان العرب قال ص 130:
قلبي ما غِفِلْ عنكُم ولا كَنّ/ وْناب الشّهد جمعهم وْلاكُنْ
وْمثِل سلطان الجبل ما تْصوّر ولا كان/ بطل كلّ العروبة والعرب.
يجيب نِدّهُ أبو عاطف مضيفًا:
رايات الحفل قدّ رفّوا وْلاحُن/ وْلولاكُم ما طْرِبِتْ فنّي ولا حنّ
وْلَغير سلطان ما اتْشَوّق ولا احِن/ لإنّو فارس وقائد عرب
وكانت لازمة وقفلة تتردّد وتتمدّد لِلَمّ الشّمل: غير سلطان العرب ما في زعيم.
عن الوحدة بين مصر وسورية 1958 قال أبو الأمين بفخر واعتزاز ص 94:
مِدّ جيوشك يا جمال/ من سوريّة للصومال.
وعن عيد الجلاء عن التّوأمَيْن: سورية ولبنان قال:
اليوم يوم العيد يا إخوان/عيد الجلاء عن سورية العربان
يوم به تتحقّق أمانيها/ وِتْزول هالآهات والأشجان
صولات وجولات رُباعيّة بين الرّيناويّة: أبي الأمين وأخيه والدّيراويّة، أبي سعود وأخيه،تنافس على إمارة الشّعر والقوافي،مودّة واحترام، عَتَب ووئام وسلام مع الأحلام،تمام التّمام، عن البلاغة والمبالغة نقرأ ردّة أبي غازي:
أنا علم الأفاضل بالريناوي/ عَجَوّكْ على بحرك برّ ناوي
إذا بَضْرُب أبو سعود بالريناوي/مِن المشهد بِطُبّوا في حلب
ألوان الشّعر التي طرقها أبو الأمين، تيمّنًا بالمصطفى عليه السلام،كانت: العتابا، الزّجل، الشروقي، القصيد، المعنّى، المثمّن، المربّع،الميجنا،زريف الطّول…ص 35
عن التّآخي بين الأديان قال ص151:
بَنْدَهْ عا كفركنّا /إسلام وْمسيحيّة /حتى الفرح يِتْسَنّى / حيث الجميع أهليّة /إحْنا مِنْكُم وإنتو منّا/ من عْصور الأوّليّة.
*اعتزاز الشاعر بنفسه تجلّى يوم زفاف ابنه د، احمد، قال ص 116:
اعتدنا عا الطّعن وْعا الضّرب/دماغ الخصم منْقصر قَصر/ان كانوا فْرنج وْتُرك وْعُرب /إمسوكَرْ لي قوس النّصر/شمال وْقِبلي وْشرق وْغَرب /مين يريد يصارعنا.
الغزل والعيون الخضر ص126:
عيون الخُضْر مولانا عملهُن/ وانا ميلي أيا قلبي ع َ مَيْلْهُن /وْالى الحُسَاد بيجيهن عَمَى إلهن/ عيون الخُضر عم تسلب لْباب .
يوم ترجّل الفارس ورحل الى الملأ الأعلى، ودّعه الألوف من بينهم فرسان الشّعر والنّثرص 192، كان من بينهم: أبو سعود الأسدي، يوسف سعدة، فاروق مواسي، حنّا ابراهيم، سليمان دغش، جهاد سبيت،جورج نجيب خليل وغيرهم.
ما وثّقه، دوّنه وحفظه الكاتب تجاه أبيه وأترابه وزملائه، يذكّرنا بالحديث النّبوي العَطِرالذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، رواه مسلم: اذا مات ابن آدم، انقطع عنه عمله إلاّ من ثلاثة: صدقة جارية، أو عِلم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له ! وقد أجاد وأفاد، دعا وسعى الولد النّجيب، طبّق وحقّق، نفع وشفع نحو أبيه،طبقًا لموروثنا الحضاري: وبالوالدين إحسانًا…، وخير ختام، ما اختتم به الكاتب من آيات الله البيّنات: فَأمّا الزّبد فيذهب جفاءً، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض/ صدق الله العلي العظيم.