بعد فوز ليوناردو دي كابريو بجائزة أوسكار “أفضل ممثل” لأول مرة من أصل ٦ ترشيحات، يحظى ليوناردو دي كابريو حاليا بأعلى اهتمام اعلامي وجماهيري.
لا عجب في هذا الاهتمام. دي كابريو أشهر ممثل في جيله تقريبا. رصيده السينمائي يتضمن عدد كبير من الأعمال التي لاقت اعجاب عالمي، وتم ترشيحها لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم. بالاضافة لحقيقة تعامله مع صفوة مخرجي هولييود حاليا: باز لورمان – جيمس كاميرون – داني بويل – ستيفن سبيلبرج – وودي آلان – ريدلي سكوت – كلينت استوود – كريستوفر نولان – كوينتن تارنتينو – سام منديز – ادوارد زويك – أليخاندرو إناريتو.. والأهم مارتن سكورسيزي الذي تعامل معه حتى الآن ٥ مرات.
اذا أضفنا لما سبق حقيقة ترشحه للجائزة سابقا ٤ مرات في التمثيل، بداية من ترشيحه كأفضل ممثل مساعد عن فيلم What’s Eating Gilbert Grape (١٩٩٣) الذي قدمه قبل أن يعرف الشهرة، وصولا لآخر اخفاقاته في الفوز كأفضل ممثل عن The Wolf of Wall Street (٢٠١٣) يصبح أمامنا فعلا سجل حافل يستحق التقدير.
الفوز بالجائزة له مميزاته. طبقا لتقديرات آخر ١٠ سنوات يحظى الممثل الفائز فورا في المتوسط، بزيادة في الأجر تتراوح بين (٣-٥ مليون دولار)، بالاضافة للمجد الأدبي والشهرة والعروض الأكثر في الأدوار. وبالطبع يكفل الفوز للفيلم نفسه مبيعات أعلى، سواء في شباك التذاكر أو مبيعات وسائط المشاهدة المنزلية.
بكل الحسابات العادية – ولأى نجم آخر – يبدو الفوز اذا مكسب. لكن دي كابريو ليس مثل الأخرين. وفي رأيي لن يفيده الفوز بقدر ما سيضره!
كنجم شباك ثقيل الوزن حاليا، لا يحتاج دي كابريو لدفعة أوسكار بخصوص أجره. هذا يسقط تماما الميزة الأولى. وبالتأكيد لدية من الرصيد الجماهيري والاشادة النقدية عالميا ما يكفيه. أما عن مكاسب فوزه تجاريا للفيلم نفسه، فهى بالتأكيد مصدر سعادة للمنتجين أكثر من غيرهم.
دي كابريو حاليا بدون أوسكار في وضع أفضل!.. خسارته المستمرة للجائزة، أفضل دعاية اعلامية منتظمة ومستديمة في سمعته كممثل، وأقوى وقود لمساندة وتعاطف ملايين معه.
على العكس من نجوم سابقين عاندهم الحظ لعقود في الأوسكار، وعلى رأسهم آل باتشينو الذي فاز بها في التسعينات بعد تألق وترشيحات على مدار ٢٠ عاما، شاء حظ دي كابريو أن يتواجد في زمن مختلف. زمن أفضل. زمن الانترنت والسوشيال ميديا. زمن اندماج الناس العادية بالاعلام ومساهمتهم فيه. زمن الكوميكس الساخر والصور الـ GIF. زمن يكفل لأى قضية أو نكتة، فرصة كى تتحول لتريند اعلامي ينتشر بين ملايين أو مليارات.
قواعد هذا العصر وهذا العالم، لا تبحث عن الانجاز أو الفوز، بقدر ما تبحث عن المشكلة أو المعضلة. الفوز لن ينال في السوشيال ميديا الا أيام أو أسابيع معدودة من الاحتفال. أما الخسارة؟!.. حدث ولا حرج. ألاف الكوميكس.. ألاف النكات.. آلاف الفيديوهات. دي كابريو (المظلوم) أفضل بكثير وأكثر انتشارا، من دي كابريو (الفائز)!
الخسارة شهادة ضمان وتجديد لاستمرار معضلة دي كابريو مع الأوسكار. والمعضلة تعني المزيد والمزيد من الاهتمام والمتابعة الجماهيرية، في انتظار الحل في سنوات ومواسم أخرى قادمة.. الانتظار يعني متابعة أقوى ومبيعات تذاكر أكثر ربما لأفلامه التالية.. تعني متابعة أقوى للحظة اعلان قائمة ترشيحات.. متابعة أعلى لحفل أوسكار قادم.. الخسارة باختصار وقود يجعل دي كابريو أنجح وأشهر وأكثر جماهيرية!
الفوز نقطة الحسم. تماما مثل صفارة النهاية في المباريات. نهاية سعيدة بالتأكيد له ولجمهوره (وأنا منهم). لكن صفارة النهاية تعني ببساطة أن المتابعة انتهت!.. أن دي كابريو صار مثل الباقين. نجم أخر حاصل على الأوسكار. اسم آن الأوان أن نحذفه من قائمة دعابات السوشيال ميديا، لأن محور الدعابة انتهى.
لهذة الأسباب لا أرى في الفوز المنتظر – والمؤكد من وجهة نظري – مكسب لدي كابريو بقدر ما هو فرحة مؤقتة، وسحب لأهم نقطة وصفة ارتبط بها خلال مشواره (النجم الذي نعشقه ونحترمه ولم ينل بعد التقدير الأوسكاري).
الفوز سيرتبط بفيلم مختلف عن السائد. على عكس عديدين أرى The Revenant فيلم متميز لأقصى درجة (سنناقش هذا بالتفصيل في مراجعة الفيلم لاحقا). وأرى أداء دي كابريو أيضا كأداء أكثر من ممتاز بالفعل. لكن طبيعة الدور التي لا تعتمد على الحوار، بقدر الاعتماد على الحضور الجسدي ونظرات العين، لن تترك غالبا نفس الرصيد الذي تركته أدوار أخرى مع ملايين المشاهدين، وعلى رأسهم الدورين الأفضل في تاريخه بعد وصوله للشهرة (Aviator – The Wolf of Wall Street).
باستثناء أداء مايكل فاسبندر في فيلم “ستيف جوبز” Steve Jobs لا أري في المرشحين الأخرين من هو أفضل من دي كابريو. الفوز عادل اذا نظرا لاختلاف الأراء. المقارنة أيضا مع أدواره السابقة فكرة خطأ، لأن الجائزة في النهاية تخص منافسات عام واحد. لا يوجد أى منطق في سؤال: كيف يفوز هذا العام ويخسر في عام The Wolf of Wall Street الذي قدم فيه دور أفضل؟.. بغض النظر عن قناعتي أن دوره في الأخير كان أفضل بالفعل.
وبالطبع لا يمكن نهائيا نفى تأثير فكرة (الاستحقاق) كعامل حاسم في تصويت الأوسكار في كل الفروع. في عام خسارته الأخير ٢٠١٣ كان رهاني مع أحد الأصدقاء، أن دي كابريو سيربح الجائزة في أوسكار ٢٠١٨ على الأكثر. لماذا؟.. لأنه ببساطة بعد خسارته الأخيرة وصل لهرم (الاستحقاق). وبالتالي كل ما يحتاجه غالبا ترشيح أخر، ليحصد الجائزة.
المثال الذي يستحق الذكر هنا، قد يكون أستاذه مارتن سكورسيزي. المخرج والمنتج والسيناريست الذي عرف طريقه لترشيحات الأوسكار عام ١٩٨٠ مع فيلم Raging Bull واستمر كمشارك منتظم فيها، ليربح أخيرا عام ٢٠٠٧ بفضل فيلم The Departed.
في البداية مع اعلان الفوز كانت النغمة الاعلامية والنقدية عالميا، هى الحفاوة بفوزه الذي تأخر كثيرا. لاحقا بعد انتهاء الاحتفالية وتأثيرها، أصبح القول السائد (سكورسيزي يستحق الجائزة عن أفلام أخرى). هل استفاد سكورسيزي من الفوز؟.. هل يتوقف تاريخ مخرج استثنائي مثله فعلا على أوسكار؟.. اجابتي لا. سكورسيزي نال مكانته فعلا قبلها بكثير. وان كانت ربما اجابة لا تطابق رأيه.