في مُجْتَمَعِنا العربيِّ تَحْلُمُ الفتاةُ بالعَيْشِ بينَ قَصْرَيْنِ: واحدٍ يُهْدِيهِ لها حَبِيبُها، وآخَرَ تَبْنِيهِ هي بعدَ الزواج، إلّا أنَّ الفتاةَ تُدْرِكُ الحقيقة مُتَأَخِّرًا، أنَّ الحياةَ لَيْسَتْ رَجُلًا وَفَتى أحلام. وبالغالِبِ يَبْدَأُ الحلم بالتكيُّفِ معَ الواقِع ومعَ ما لا يُمْكِنُ تحقيقه.
تَمُرُّ السنواتُ وكُلَّما قارَبَتِ الفتاةُ الثلاثينَ يَشْتَدُّ خَوْفُ المُجتمع عليها أكثر، فَتَسْتَبْدِلُ فارِسَ الأحلامِ رُبَّما بِ “سِي السَّيِّد” وتتَنازَلُ عنِ استقلالِيَّتِها خوفًا مِن المُجتمَع.
وقد أَجْرى المَوْقِعُ الأُورُوبيُّ (بارشيب) للتَّعارُفِ دِراسةً عنِ الأُورُوبِيِّينَ العُزّاب، وكيفَ يَعِيشُونَ حياتَهم، وعملَ في ذلك على (6) آلاف عيِّنة، أَظْهَرَتْ أنَّ (46) في المِئة مِن العُزّاب الأُورُوبيِّينَ يَقُولُونَ إنَّهم سُعَداءُ جِدًّا بِعُزُوبِيَّتِهم. وَرُبَّما يُصْبِحُ الأمر مُثِيرًا أكثر للاهتمام أمام الـ(75) في المئة مِن العُزّاب الأُورُوبِيِّينَ الذين لا يَرَوْنَ بأنَّهُم غيرُ راضينَ على عُزُوبِيَّتِهم.
حسب مُخْتَصِّينَ اجتماعيِّينَ فإنَّ المَرأةَ العَربيَّةَ اليوْمَ تَعِيشُ مُتَقَدِّمةً عَنْ مُجْتَمَعِها، وهي كلُّ المُشكِلة، وتقولُ الدراسة إنَّ (33) في المئة مِن العُزّاب في أُورُوبّا يَرُدُّونَ عُزُوبِيَّتَهم إلى “تطلبهم”. أمَّا (32) في المِئة مِنْهُم فَيَرُدُّونَ السببَ الرئيسَ إلى تَجْرِبَةٍ سيِّئَةٍ مَرَّتْ بِهم.
وَيَرى (71) في المِئة مِن العُزّاب الأُوروبيِّينَ أنَّهم غيرُ مُسْتَعِدِّينَ لأيِّ تَنازُلاتٍ فقط كيلا يَعِيشُوا وَحْدَهم، فالأفضلُ بالنِّسبة إليهم أنْ يَعِيشُوا وَحْدَهم على أنْ يَعِيشُوا بِرِفْقَةٍ سَيِّئة. وَلم يَعُدْ هؤلاءِ يَنْظُرُونَ إلى العُزُوبِيَّةِ على أنَّها “عدم العَيْشِ معَ رَفيق” ولكنْ يَنْظُرُونَ إليها كحالَةٍ مُعْتَرَفٍ بها ومُسْتَحَبَّة.
وَكَشَفَتْ دراسةٌ أَجْرَتْها إذاعةُ هُولندا العالميَّة أنَّ في مِصْرَ ثمانيةَ ملايين فتاة عازبة لأسباب اقتصاديّة، مُقابل خمسة ملايين ونصفٍ في الجزائر، وأربعة ملايين في المغرب، ومليونين في تونُس بسبب تكاليف الزواج الباهظة. وقالَتِ الدراسة إنَّ عُزُوبِيَّةَ هؤلاءِ البنات غالبًا ما تَكُونُ طويلَةَ المدى ومُشِيرَةً إلى أنَّ (85) في المِئة مِن النِّساء في لُبنان عازِبات.
بينَما تَنْخَفِضُ نِسبة العُزُوبيَّةِ في فِلَسْطِينَ إلى ثمانيةٍ في المِئة فقط، والسبب هو الإقبال على الزواج من أَجْلِ دَيْمُومَةِ الانتماء إلى الأرض.
وَأَدّى الوضع الاقتصاديُّ الصعب في الدول العربيَّة بالنّساء إلى الخُرُوجِ للعمل إذ لم يَعُدْ بإمكانِهِنَّ الاعتماد على أحدٍ لإعالَتِهِنَّ. فالمرأةُ العازِبة في تُونُس لم تَعُدْ تَحْلُمُ بفارس الأحلام بسبب الظروف الصعبة. فهي تعمَلُ بينما يَمْلَأُ الرِّجال المَقاهي، وقد تَضْطَرُّ إلى الإنفاق على البيت الذي يُقِيمُ فيه رجل، كما أنَّ مِثالَها هو والِدُها الذي يَعِيشُ في كثيرٍ مِن الأحيان على حساب والدَتِها التي تَعْمَلُ وَتُنْفِقُ وَتُرَبِّي.
المرأةُ نفسُها تَحتاجُ إلى توعية حتّى تتمكن من مُحارَبة الصورة الدونيّة للمرأة العازِبة. إنَّ المرأةَ في الوطن العربيِّ عُمُومًا اليوم أكثر نجاحًا مِن الشابِّ، ولدَيها رغبةٌ في تَحقيق ذاتِها لكنَّها تَظَلُّ أقلَّ حُقُوقًا منه، فهي لا تستطِيعُ حتّى الخُرُوج للشارع في أوقات مُعَيَّنَةٍ، كما أنَّها لا تَتَمَتَّعُ بالحريَّة الجِنْسِيَّة التي يَتَمَتَّعُ بها الشباب، ولا تَزالُ مَحْكُومَةً في المُجتمع بِمقياس العُذْرِيَّة؛ لأنَّ هُويَّةَ المرأة مُرتَبطةٌ عندَنا بِهُوِيَّةِ الرجل لا يستطيعُ المُجتمع رؤيَتها ككيانٍ مُنْفَصِلٍ، ولأنَّ النظامَ الاجتماعيَّ يَمْنَعُها مِن التعبير عن نفسِها تُصْبِحُ المرأة -التي تعيشُ خارج هذا الغطاء الاجتماعيِّ سواءً لأنَّها عزباءُ أو تُقِيمُ وحدَها بعيدًا- مُستفزِّةً وخَطيرة؛ لأنَّها تكسر القواعد.
بعض النساء – ورغم نجاحِهِنَّ المِهَنِيِّ وانشغالِهِنَّ- يَشْتَكِينَ مِن الوَحدة والحاجة المُلِحَّة إلى رجل، وَيَتَوَلَّدُ لديهِنَّ شُعُورٌ وهمِيٌّ بالنَّقص؛ سَبَبُهُ الضغطُ الاجتماعيُّ الذي قد تَلُومُ بَعْضُهُنَّ نفسَها عليه؛ لأنَّها تَعيشُ خارج الشرنقة.. الوَحدة لا تَعْنِي فقط البُعدَ عنِ الرجل الذي لا يجب -في كلِّ الأحوال- أنْ تكونَ العلاقةُ مَعَهُ تَصادُمِيَّة. بَعْضُ النساء وَحيداتٌ وهنُّ مُتَزَوِّجات. كما أنَّ الزواج والإنجاب ليس دائمًا مِحْوَرَ حياةِ كُلِّ النِّساء، لكنَّ ذلك يأتِي معَ النُّضْجِ والتَّجْرِبة واستعدادِ المرأة التي تَعيشُ استقلالِيَّتَها لِدَفْعِ الثمن. وعادةً ما تَكُونُ وَحْدَتُها هي الثمن. السعادة في نظري شيء نسبِيٌّ والمرأةُ التي تَلْبَسُ مائةَ قناعٍ لإرضاء المُجتَمع هي امرأة تعيسة.