على عكس كتاب روائيين كثر توقفوا عن الكتابة خلال ثورات الربيع العربي، قام الأديب التونسي والناقد الأكاديمي الدكتور شكري المبخوت باستلهام أحداث روايته الأولى “الطلياني” من تداعيات الثورة التونسية وإفرازاتها السياسية والإنسانية والأخلاقية، ثم كانت المفاجأة أن فازت تجربته الأولى في عالم الكتابة الروائية بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” في دورتها الثامنة للعام 2015، وهو ما منح أملاً كبيراً لأصحاب التجارب الروائية الأولى، في أنهم غير بعيدين عن مرمى الفوزة بأكبر الجوائز العالمية للرواية العربية، إذا ما حققواً في كتاباتهم الروائية مثل ما حققه المبخوت عبر “عبد الناصر الطلياني” ــ بطل روايته ــ من إثارة الأسئلة، وكشف أنماط العلاقات الإنسانية، ورصد ملامح التناقضات الاجتماعية والبشرية ضمن خريطة سلوكيات بشرية متمردة على واقعها وأخرى منساقة لهذا الواقع، وفي بناء روائي محكم ومتماسك… المبخوت رأى في حواره مع مجلة عربيات أن فوزه بالبوكر هو اعتراف أدبي بجدارة قلمه الروائي وانتقال الرواية التونسية من نطاقها المحلي إلى العالمي. جدير بالذكر أن الدكتور شكري المبخوت يشغل حالياً منصب رئيس جامعة منوبة التونسية وله مؤلفات عدة منها: سيرة الغائب سيرة الآتي، جمالية الألفة: النص ومتقبله في التراث النقدي، نظرية الأعمال اللغوية، الاستدلال البلاغي، وغيرها، وإلى تفاصيل الحوار.
ماذا يعني الفوز بالبوكر العربية بالنسبة لك؟
هي اعتراف أدبي بالجدارة الروائية، وخروج الرواية التونسية من حيزها الجغرافي إلى الفضاء الأدبي العالمي، كما أن البوكر تمثل فرصة جيدة لانتقال كتاباتي إلى قراء متفاوتين ومختلفين عبر الترجمة والانتشار.
لولا أن روايات القائمة القصيرة مميزة لفقد الفوز معناه وقيمته
كيف كانت نظرتك للروايات الأخرى المنافسة على البوكر؟
كل الروايات التي وصلت للقائمة القصيرة هي روايات متميزة وتستحق القراءة، وهي الأفضل من بين الروايات التي تقدمت لنيل الجائزة، وفي الحقيقة لم أنظر إلى تلك الروايات على أنها روايات منافسة، بل باعتبارها روايات تحمل عوالم جديدة ومثيرة، وفوز الطلياني لا يعني الانتقاص من حقوق روايات أخرى نافستها على نيل الجائزة، وإلا فلا معنى للفوز والتميز.
متى وجدت نفسك مدفوعاً إلى كتابة الطلياني؟
سؤالك يعيدني إلى ذكريات جميلة ماضية، فلقد كتبت الطلياني مدفوعاً بإلحاح الكتابة وبما أثارته الثورة التونسية بأحداثها من تساؤلات كثيرة منها الإنساني والجمالي والسياسي إلى غير ذلك، فرواية الطلياني رواية جيل ومسارات مختلفة داخل هذا الجيل.
هل ترى في بطل روايتك عبد الناصر الطلياني نموذجاً عربياً متكرراً؟
لا أراه متكرراً، فهي شخصية لها ملامحها الخاصة، وفي ظني أنها تلتقي بنماذج موجودة في عالمنا العربي والإنساني، فكلنا في الهم شرق.
النقاد صرحوا بتأثير تخصصك النقدي والأكاديمي في مسار الرواية.. ما ردك؟
لهم الحق أن يقولوا ذلك، أما أنا فلا أستطيع أن أوجه صفتين بداخلي أو أفصل بين صفتي النقدية والأكاديمية وصفتي ككاتب روائي، والطلياني هو نص لشكري المبخوت، ومن حق القاريء أن ينظر إليه كما يريد، سواء بصفتي الأكاديمية أو بصفتي مواطناً أو مثقفاً أو ناقداً.
التجريب الروائي ليس غاية، وعلى النقاد استخراجه من الطلياني
لماذا كنت حذراً من إطلاق العنان للتجريب عبر هذه الرواية؟
لم أكن حذراً، والتجريب ليس غاية في الكتابة الروائية ، والطلياني فيها تجريب وعلى النقاد أن يستخرجوا هذا التجريب، ويدركوا أنه تجريب ليس بالمفهوم السائد الآن، بل له أبعاد أخرى، فكل رواية إذا كانت فيها أسئلة جمالية وعالم محكم البناء سنجد فيها جانبا من التجريب، ولكن النقد يحلو له تحويل بعض الكلمات إلى أصنام نبحث عنها ونعبدها، في حين أن عملية كتابة الرواية هي متعة جمالية وليست لها أنماط مسبقة تحدد الكتابة فيها، سواء كانت الرواية تاريخية أو كلاسيكية أو واقعية أو غير هذا، المهم هو هل أثارت الرواية أسئلتها الجمالية أم لا؛ لذا فنحن في حاجة لأن نفهم التجريب بطريقة جيدة.
هل عانت الطلياني كنص مكتوب من القهر السياسي والمصادرة الضمنية أو المعلنة قبل الثورة التونسية؟
أبداً، ولا يمكن أن أدعي ذلك، فلست مظلوما ولا مقهوراً، ولم تمارس علىّ أية رقابة أو مصادرة، وقد كتبت ما أردت كتابته.
كيف ترى معوقات المصالحة التاريخية بين القاريء العربي والكتاب؟
المسألة لا تبحث في إطار الكتابة والنشر والإبداع، ولكن تبحث في أثر تكوين القاريء العربي، وسبل تنمية مهاراته كلها، ومشكلة القراءة هي مشكلة مدرسة وفن وتربية في عالمنا العربي، لذا علينا تشخيص المشكلة في موضعها، وليس في النتائج، وفي أسبابها العميقة والأساسية، وليس في تبعاتها ومآلاتها.
الرواية جنس أدبي مهيمن على باقي الأجناس
كيف ترى ملامح الإقبال على كتابة الرواية عربياً قياساً بكتابة الشعر وبقية الأجناس الأدبية؟
ثمة جانبان؛ الأول أن للرواية مذاق يستلهم فيه الروائي كافة الأجناس الأدبية الأخرى ويعيد صياغتها بطريقته؛ ومن ثم فهي تحتوي كل هذه الأنماط والأجناس، وهو أمر واقع في كافة الثقافات وليس في العربية وحدها؛ لذا فلا غرابة أن يكون انتشار الرواية أوسع نسبياً بالمقارنة بغيرها، الأمر الثاني أن الأجناس الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة والشعر، تحتاج إلى ثقة الناشرين وإلى تخصيص جوائز مثل البوكر وكتارا، للاعتناء بها، وفي تقديري أن هذا يمثل خللا في المشهد الأدبي العربي ، ويجب معالجته في أقرب وقت لأن الرواية العربية أو غيرها لا يمكن أن تتطور بمعزل عن باقي الأجناس الأدبية، ونحن في أمس الحاجة إلى الشعر والقصة القصيرة والمسرح، وجميع ألوان الكتابة وليس للرواية فقط.
ما تقييمك النقدي للرواية الخليجية؟
لست معنيا على وجه الخصوص بتقييم الرواية الخليجية، لكني أعتبرها رواية مميزة، وحصول رواية “ساق البامبو” وهي رواية خليجية للكويتي سعود السنعوسي عام 2013 على البوكر ليس بالأمر الهين، وهناك أسماء روائية كبيرة في الخليج، وهذا دليل على التميز، وعلى تطور الرواية الخليجية.
كيف ترى جمهور الرواية من القراء الخليجيين؟
رغم احتكاكي الضعيف بجماهير القراء في منطقة الخليج، إلا أنني ألاحظ ما تشهده الرواية الخليجية من إقبال جماهيري على قراءتها وخاصة من العنصر النسائي، فنساء الخليج لهن ملاحظات جديدة ومفيدة وثرية، وقد لمست هذا في معرض أبو ظبي للكتاب من خلال اللقاءات الجماهيرية التي جمعت كتاب البوكر بالنوادي الأدبية في الخليج ، وهو أمر جيد وليس غريباً على المرأة الخليجية التي تلتقط ما لا يلتقطه غيرها من غايات الفن الأدبي وآفاقه.
وفق توقعاتك الخاصة متى يكون الجزء الثاني من الطلياني جاهزاً للنشر؟
هذا مرهون بأن ينال الجزء الأول حظه من النقد والقراءة والجدل والمتابعة، وبعد ذلك تكون المسألة مسألة اختيار الوقت المناسب، وهو أمر لا أتحكم فيه تماماً وإنما يكون بالاتفاق مع الناشر.