أمسيةً أدبيّةً للكاتبةِ عايدة الخطيب أقامَها نادي حيفا الثقافي، والمجلسُ المِلّيّ الأرثوذكسيّ في حيفا، واتّحادُ الكرمل للأدباءِ الفلسطينيّين، في قاعةِ كنيسةِ ماريوحنا الأرثوذكسيّة في حيفا، بتاريخ 28-1-2016، ووسط حضورٍ مِن أدباءَ وأقرباءَ وأصدقاء، وذلك لمناقشةِ أعمالِها الأدبيّةِ مِن قصصِ الأطفال، وقد تولّى عرافة الأمسيةِ الكاتب زياد شليوط، وتحدّثَ كلٌّ مِن د. بطرس دلة والكاتب نبيل عودة، وفي نهايةِ اللقاء شكرت المُحتفى بها الحضورَ والمُنظّمين والمُتحدّثين، وتمّ التقاطُ الصّور التذكاريّة!
مداخلة . بطرس دلة: الكاتبة عايدة الخطيب لها ثلاثة دواوين: الجوري عمرُهُ قصيرٌ، وحمامةُ منتصفُ الليل، وأحلامٌ مؤجّلة، وهي ابنة شفاعمرو، ومعروفة في أوساطِ أدب الأطفالِ أكثرَ منها في مجال الشعر، ولها أكثر مِن أربعين قصّة في أدب الأطفال، وبعضُ قصصِها أعيدت طباعتُها أكثرَ مِن مرّة، بسبب رَواجِها وإقبال الصّغار على قراءتِها، هذا وقد تُرجمَت لها بعضُ القصصِ إلى اللغةِ الإنجليزيّة، كما حازتْ على جائزة التفرّغ لأدب الأطفال عام 2000. كانت قد بدأت الكتابة في مرحلةٍ مُبكّرةٍ مِن دراستها الثانويّةِ في شفاعمرو، وأوّلَ مَن شجّعَها على الكتابةِ كان الأديب ناجي ظاهر النّصراويّ، والمرحوم البروفيسور نعيم عرايدة (بحسب قولها). وفي بابِ الشّعر قرأتُ لها منذ أكثرَ مِن عشر سنواتٍ “ديوان أحلام مؤجّلة”، وكتبتُ لها رسالة غيرَ شخصيّةٍ قلت فيها: أيّتها الشاعرة! لم أفاجأ بأحلامِكِ المؤجّلة، ولكنّني فوجئت بهذا التأجيل على ما فيهِ مِن عتاب كما في قول الشاعر: إذا ذهبَ العتابُ فليسَ وُدٌّ – ويبقى الودُّ ما بقيَ العتابُ!
في قصيدة “خفقات قلب” ما يَنمُّ عن مضمون الديوان كلّهِ، فتُصوّرُ متعةَ خفقاتِ القلب الأولى بالمحبّةِ الحقيقيّة، وترسمُها كلوحةٍ من أجملِ لوحاتِ الإنسانيّة عندما يتورّدُ الخدّانِ وتفتحُ أبوابَ الجنّة، فندخلها بدون استئذان وبغير جواز، وتُحلّق أرواحُنا مُشرِّعة أبوابَها للفرح، حيث لا مكانَ للحزن، وتعودين إلى الخفقةِ الثانيةِ، فتنقلبُ اللوعة والحبُّ الجميلُ إلى عتاب ومعاناة، ثمّ تُقرّرينَ خلعَ الحبيبِ مِن دائرةِ حياتك، وتُقرئينَهُ السلام لا بل الوداع! لذلك كلّه فإنّ أحلامَكِ مؤجّلة، فمَن هو هذا الذي نغّصَ عليكِ لهفة اللقاءِ في خفقةِ القلب الثانية؟! أهو الحبيبُ الإنسانُ، أم الحبيبُ الوطن الذي سُلبَ وصُلبَ على مذبح التضحيات، وعزّ فيهِ اللقاءُ الحقيقيّ، لقاءُ الاستقلال، ولقاءُ اللاجئين العائدين، وتبادل عواطف اللقاء الموعودين به؟ أنا كذلك أحلمُ بتحقيق حلم العودة وحلم الوطن الحُرّ المستقلّ، ولي بعد ذلك أحلامي الصغيرة الأخرى التي تتجدّدُ في كلّ يوم وليلةٍ، ولا نهاية لِما أحلمُ كإنسان، وكفلسطينيٍّ أسعى إلى تحقيق الأحلام في لوحاتِ الواقع! نحنُ لا نُؤجّلُ أحلامَنا، بل قد نؤجّلُ تحقيقها إذا ما تعذّرَ علينا ذلك، ومع هذا التأجيل قد نُطوّرُ أحلامَنا، لتتلاءمَ معَ الظروفِ التي نعيشُها، ولكنّنا نحلمُ أبدًا وسنحلم، لأنّهُ مِن الصّعب أن نُكبّلَ أحلامَنا، وأن نقصَّ أجنحتنا الخفّاقة برغم كلّ شيء. وجدتُ في بعضِ اللوحاتِ اللغويّة التي رُسمتْ بقلمِك، وفيها شيء مِن تجديد واستعاراتٍ جميلةٍ تحلّقين فيها كقولك: “بفتح ذراعيْهِ ليضمَّني/ أهربُ.. ألتفتُ ورائي/ فأرى الفرح يَمدُّ لسانَهُ/ ويهرب”!
هذه السّخريةُ اللطيفةُ تشبهُ إلى حدٍّ كبيرٍ ما كان قد قاله الشاعرُ الكبير إيليّا أبو ماضي في حديثِهِ، عندما ماتَ أحدُ أبنائِهِ ففارقتهُ السّعادة وقال: عَصَرَ الأسى روحي فسالتْ أدمُعا/ فلمَحتُها ولمَستُها في أدمُعي/ وعلمتُ حين العلمُ لا يُجدي الفتى/ أنّ التي ضيّعتها كانت معي!
تتحدّثين عن الفرح الهارب، وهو يتحدّثُ عن السّعادةِ المفقودة، والوصولُ لديكما واحدٌ، هو فقدانُ عناصرِ وأسبابِ التعلّق بالحياة، وهُما الفرحُ والسعادة! وفي مكانٍ آخرَ لفتتْ نظري توفيقة جميلة في عتاب الذاتِ في قولِك: “حينَ يُبدّلني حبيبي/ بأخرى/ لا أعاتبُه/ بل أعاتبُ نفسي/ لأنّي لم أحُكْ شبكةَ حُبِّنا بإتقان!” فما هذا التنازُلُ الغريبُ عن طبيعةِ المرأةِ التي تتنازلُ بهذهِ السّهولةِ، للمرأة الأخرى التي تُنافسُها في حُبِّ فتى أحلامِها ولا تغضب؟ ومع ذلك تُلملمينَ أشواقك المبعثرة عطرَ ياسمين، وتوقعينَ مُعاهدةَ الإخلاصِ على صفحاتِ الزمان! فحتى آلهة الإغريق كانتْ تغارُ حتى الموت على مَن تُحِبّ، ولا تتنازلُ بهذه السّهولة، فمِن أيّةِ طينةٍ جُبلتِ أنت؟
في قصيدة “إلى آمال.. الحبّ القائم” تتحدّثين عن الحلم الذي رحلَ، فتضيعُ البوصلة وتضلُّ الهداية، لذلك فإنّ الفرحَ قد يَستثني بعضَ البيوتِ، بينما يَدخلُ الحزنُ جميعَ البيوتِ! هذه النظرةُ إلى سيطرةِ الحزن على حياةِ الناس هي وليدةُ ساعةِ الحزن فقط، مع أنّها صحيحة، إلّا أنّ الحزن لا يمكنُ أنْ يَدومَ إلى الأبد، حيث قلتُ فيهِ ذاتَ يوم: قلْ لِمَنْ يَحملُ همّا/ أنَّ همًّا لا يَدومُ/ مثلما يَفنى سرورٌ/ هكذا تَفنى الهُمومُ! فنحن البَشرُ خُلقنا مِن طينةِ النّسيان، والنّسيانُ نعمة ونقمة: إنّه نعمةٌ عندما ننسى إساءةَ الغير لنا، ونقمةٌ عندما ننسى إحسانَ الآخرين لنا!
ولا أنسى مُحاولاتِكِ لإدخال التّناص في بعض نصوصِكِ الشعريّة، ومع ذلك فإنّ لي بعضَ الملاحظاتِ السريعةِ على أدب الأطفال الذي تميّزتِ به، حيث أنّكِ كتبتِ بلغةٍ بسيطةٍ يَفهمُها الصّغارُ كلٌّ حسبَ سِنّهِ، لأنّكِ وجّهتِ قِصصَكِ إلى مُختلفِ الأجيالِ الصغيرة، فبدَتْ نصوصُكِ سهلةً قريبة مِن عالم الأطفال. هذا ما ميّز كتابتِكِ في قصائدِك للأطفال، مع أنّكِ لا تُجيدينَ عروض الشعر في كلّ ما كتبت، خاصّة قصيدتك في حُبّ شفاعمرو مَسقط رأسِكِ، إلّا أنّ عدمَ إجادتِكِ لعروض الشعر لا تعني أنّكِ فقدتِ أفكارَكِ التربويّة ومَضامينَ قصائدِكِ التعليميّة. كذلك معظمُ قصصِكِ مُستوحاةٌ مِن عالم الواقع الذي تعيشينَهُ، والذي يَعيشُهُ أطفالنا في شفاعمرو وفي مُختلفِ قرانا ومُدنِنا العربيّة. إنّ سببَ نجاحِكِ في هذا الباب هو مُعاشرتُكِ للأطفال، وحُبّكِ الذي لا يعرفُ الحدودَ لهم، فأنتِ أوّلًا وقبلَ كلّ شيءٍ أمّ، وعاطفة الأمومةِ تَشدُّكِ أبدًا كي تبدعي لأحبابنا الصغار. أخيرًا، يجبُ ألّا يغيبَ عن بالِنا أن كاتبتنا اعتمدت العنصرَ الغنائيّ والجرْسَ الموسيقيّ الجميلَ في أشعارها، فجاء ما أبدعَتْهُ قريبًا مِن عالم الأطفال، فلكِ الحياة!
مداخلةُ نبيل عودة/ جمال عالم الطفولة بتجربة الأديبة عايدة خطيب: الأديبة عايدة خطيب من مدينة شفاعمرو، وهي كاتبة معروفة للأطفال وشاعرة، لها عشراتُ الإصداراتِ الأدبيّةِ للكبار والصّغار، واليومَ نلتقي بمناسبةٍ هامّةٍ أعتبرُها علامةً مميّزةً لمَسارٍ ثقافيٍّ هامّ، في تكريم الأدباء وهم أحياء، وعدم تجاهُلِ المُبدعاتِ مِن النساء وإنتاجهم الأدبيّ.
في السّنواتِ الأخيرةِ ألاحظُ أنّ المرأةَ تأخذ حيّزًا يَتزايدُ باستمرارٍ في المشهدِ الأدبيّ العربيّ داخلَ (إسرائيل)، وللأسفِ هناكَ عوائقُ كثيرةٌ تُشكّلُ الكثيرَ مِنَ العواملِ السّلبيّةِ على تطوُّرِ ثقافتِنا بمُجملِها مِن: *مشكلةِ النّشرِ والتّوزيع. *مشكلة غياب الصّحافةِ الثقافيّةِ، فهناك محاولاتٌ آملُ أن تنجحَ، وأن نرى مجلّةً ثقافيّةً فكريّة، كما كانت مجلة “الجديد” في وقتها. *مشكلة غياب نسبيّ كبير للصفحاتِ الثقافيّة مِن الصّحفِ المَطبوعة. *مشكلة مؤسّساتِ الجماهيرِ العربيّةِ بكلّ أنواعِها وتشكيلاتِها، لا تُقدّمُ لتطويرِ الحياةِ الثقافيّةِ أيَّ دعم، وغير ذلك الكثير.
تعرّفتُ على عايدة خطيب عبرَ نشاطِها الثقافيّ، وبالتحديد بكتاب “أشعار للأطفال” الذي وقعَ تحت يديّ بالصدفة، فشدّني بروحِهِ وصورِهِ الشّعريّة التي نقلتني لعالم الطفولةِ المُذهل بجَمالِهِ الرائع، برونقِهِ وألوانِهِ، وكان أوّلُ كتاب مَحلّيٍّ للأطفال أقرؤُهُ، ليسَ قصورًا منّي، إنّما لم أجدْ ما يَشدُّني ضمنَ مَشاغلي الكثيرة لأتعرّفَ على هذا الجانرَ الأدبيّ، الذي لا أُقلّلُ مِن أهمّيّتِهِ وقيمتِهِ الإنسانيّةِ والجَماليّةِ لتطوير وعي أطفالِنا. في السنواتِ الأخيرةِ تعرّفتُ على إبداعاتِ كُتّاب آخرين، وأستطيعُ القولَ إنّ الكتابة للأطفال أصبحتْ ساحةً مُخترَقة مِن عددٍ كبيرٍ مِن الأسماء، بعضُها رائعٌ، وبعضُها لا يخدمُ الهدفَ مِن الكتابةِ للأطفال. هل التّهافتُ على الكتابةِ للأطفال الذي تشهدُهُ ثقافتُنا العربيّةُ داخلَ (إسرائيل) هو تهافتٌ طبيعيّ، أم يُخفي وراءَهُ أهدافا لا تخصُّ النشاط الثقافيَّ، ولا مُتطلباتِ تطويرِ أجندةٍ تخصُّ عالمَ الطفولة؟ أقولُ بوضوح، ما عدا قصص قليلة ولأسماء قليلة جدّا مِن كُتّاب الأطفال، لم أجدْ إلّا كتاباتٍ تتراوحُ بينَ الإجادةِ والإجادة المتوسّطةِ مِن جهةٍ، والثرثرةِ المُؤسِفةِ والمُضِرّةِ مِن الجهةِ الأخرى.
بعضُ المميّزات لدى الأديبة عايدة خطيب في تناولها لعالم الطفل، وهو عالمٌ مُركّبٌ جدّا وآسِرٌ بجَمالِهِ، تتحكّمُ فيهِ أجملُ المشاعرِ الإنسانيّةِ وأكثرُها براءةً ونقاءً. اقولُ بثقةٍ ووضوح أنّ عايدة خطيب فاجأتْني، وأعادتني طفلًا وأنا أقرأ أوّلَ كتاب لها “أشعار للأطفال”، وقد لاحظتُ أنّها تعملُ بلا كللٍ على تطوير تجربتِها في الكتابةِ القصصيّة والشّعريّةِ للأطفال، وقد أصدرتْ حتى اليوم أكثرَ مِن أربعين قصّة وديوانَ شعرٍ يخصّ الأطفال، فالمميّز الهامُّ لديها هو قدرتها على الدخول إلى عالم الطفل وتفكيرِهِ وردودِ فِعلِهِ، حيث استطاعتْ أن تحافظ على رونق عالم الطفولة، مثلًا في قصيدتِها “أحِبُّ اللعبَ بالكبريت” نقرأ: “أحِبُّ أن ألعبَ/ بعلبةِ الكبريتِ/ فتفزعُ أمّي/ تصيحُ يا عفريت/ كم لاعبٍ بالنّارِ/ أحرقَ كلَّ الدّارِ/ وحينما تذهبُ/ أمّي إلى المطبخ/ لتطبخَ الطّعامَ/ وتُشعلَ الكبريتَ/ أعدو وراءَها وأصيحُ/ يا عفريته…”
مَن مِنّا لم يَعِشْ هذه القدرة الطفوليّة على الربط بينَ الظواهرِ وليسَ بينَ المضمون؟! مِن هنا يَنبعُ جَمالُ عالم الطفولةِ الذي عرفتْ عايدة أن تتسلّلَ إليه وتنقلهُ لنا. لغة عايدة تتميّزُ بالبساطةِ والسهولة، وتُضفي لونًا إضافيّا على النّصّ ما هو أهمُّ مِن اللغةِ، هو القدرة على دخول عالم الطفولةِ المسحورِ والأسطوريّ، والكشف عن نموّ شخصيّةِ الطفل وتكوينِها. إنّ أسلوبَ اكتشافِ الأطفال لذواتهم، لواقعِهم وإدراكِهم لعالمِهم ليسَ أمرًا سهلا. في قصيدة “أحبّكم أن تسمعوني” تقتربُ أكثرَ للتفكيرِ الطفوليّ: “حينَ تموءُ قطّتي/ وتطلبُ الطعام/ أنهَرُها بشدّةٍ/ فنحنُ في الصّيام”.
في قصيدةٍ مُوجّهةٍ بالأساس للأهل، عبرَ الرؤيةِ بعينيْ طفلة، وكأنّي بها تُوبّخُ الكبارَ، خاصّةً بموضوع التفضيلِ الّذي يحظى بهِ المولودُ الذكرُ عن المولودة الأنثى، في قصيدتها “لماذا أمّي حزينة”، تمسّ عايدة قلبَ المشكلة بكلماتٍ تنغرزُ في القلب بألم: “يظلّ فكري حائرًا/ أيّامًا كثيرة/ فأمّي تبدو دائمًا/ تعيسةً حزينة/ لأنّ أمّي أنجبتْ/ أختي أمينة/ ولا أخٌ في بيتِنا/ ونشتهي البنينا”.
أعترفُ أنّ أدبَ الأطفال بدأ يَشدُّني منذ قرأت “أشعار للأطفال ” للأديبة عايدة خطيب، حيث اكتشفتُ الكثيرَ مِن الأفكارِ والعُمقِ الإنسانيّ الذي بدأنا نفتقدُهُ في عالم “الشاشات الإلكترونيّة”، والتي تملأ كلَّ زوايا بيوتِنا. في بعضِ ما يكتبُهُ الكبارُ للصغارِ بدأتُ ألمَسُ تطوُّرَ “النصِّ الإلكترونيّ”، ضجيجٌ لا يقولُ شيئا، ربّما لغويًّا لا بأسَ بالنّصّ، لكنّهُ خطابٌ لا يَصِلُ للعنوان الصحيح. على عكس ذلك عايدة خطيب، نجحتْ بنقلِ عالم الطفولةِ بتوهُّجِهِ، فالموضوعُ ليسَ لغة فقط، مع أهمّيّةِ اللغةِ والمُفرداتِ التي نختارُها لمخاطبةِ الطفل، إنّما النّجاحُ بتقمُّصِ تفكيرِ الطفلِ السّاحرِ والأسطوريّ، ولنحلم بلا خجلٍ كالأطفال، ربّما عندها نستطيعُ أن نحلمَ كالكبار، فبدون أن نحلمَ لا معنى لكتاباتِنا. الكتابة في جوهرها هي العلاقة بين الحلم والواقع. أتمنى لعايدة خطيب أن تُواصلَ الحلم مع الأطفال، وتمنحنا كبار وصغارا لحظاتٍ من الجمال والمتعة.
في ديوانها الشعري للكبار “أحلام مؤجّلة” لديّ بعضُ ملاحظات، إذ شعرَتْ أنّها لم تعُدْ بحاجةٍ لقدراتِها الخاصّةِ في اختراق عالم الطفولة، فهي تنشدُ لعالم تعيشُهُ بصعودِهِ وهبوطِهِ، بأملِهِ ويأسِهِ، ببؤسِهِ وفرحِهِ، فتلاشتْ مِن الديوان الكثيرُ مِن الأحلام أو أنّها أجّلتها، كما أعلنت بالاسم الذي أطلقته على مجموعتها الشعريّة للكبار “أحلام مؤجّلة”، وهل تُؤجَّلُ الأحلام؟ هل نؤجّلُ الشعر الذي كلّه أحلام؟ وماذا ينفعُ الشّعرُ للإنسان إذا صارَ قدَرِيًّا؟ فما بالكِ تتعثرين؟ الشّعرُ لا يعرفُ التّردّدَ، والحياةُ لا تعرفُ التّردّدَ، فالحياة لمَنْ يُروّضُها كذلك الشعر. رغم ذلك، في قصائدِها للكبار ظلّتْ تحملُ تأثّرًا واضحًا مِن قصائدِها للصغار. مِن هنا جاءت بعضُ التعابيرِ نثريّةً مباشرة، كان بإمكانِها أن تلجأ للشفافيّةِ أكثرَ، وأن تتركَنا نحن الكبار نجتهدُ لنفهمَ ما وراءَ الكلام، ألستِ تقولينَ في “خمائل وجدانيّة”: “اِتّسِعي ما شئتِ/ بل عانقي الغمامَ/ إنْ أردتِ”.
في الديوانِ عددٌ مِن القصائدِ العامّيّةِ، أعتقدُ أنّها أكثرُ حرارةً وحركةً وتمرُّدًا، لاقترابها أكثر مِن البساطة كما في قصيدةِ اعتراف: “وشَعْري على كتافي/ ربّيتُه إِلِك”، وهي قصيدةٌ تكادُ تكونُ وحدةً متكاملة، حتى وجدت صعوبة في اقتطاع مقاطع للدلالة عليها. أشير إلى قدراتِ عايدة على الصياغةِ اللغويّةِ المُنسابةِ بهدوء واطمئنان، وقدرتِها على الاستعارة وحتى النّحتِ باللغة. تتميّزُ بعضُ مقاطعِها بما يسمى “اللغة التصويريّة”، لكن أكثرَ ما لاحظته هو خيطٌ رفيعٌ مِن الحزن لا ينقطع، يُرافقُ القارئ مِن بداية الديوان وحتى نهايته، بحيث يبدو الفرحُ في بعض القصائد كإعلانٍ للتمرّدِ الذي سرعان ما يذوي وراءَ الحزن المتواصلِ في الديوان. بعضُ القصائدِ زخرت بالشعاراتيّة، وهو حقا موقفٌ صادقٌ لكنّه لا يَخدمُ الشّعرَ. أمّا المميّزُ لأكثريّةِ قصائد الديوان فهو انسيابُها الهادئُ الخجولُ أحيانا، ربّما “الطفلة” عايدة تشعرُ بارتباكٍ عندَ مُخاطبةِ الكبار، ومِن المُثير معرفة نفسيّةِ الشاعرة في الحالتيْن. وكما كتبت عايدة على الغلاف الأخير: “يحقّ لنا أن نُسافرَ بأحلامنا”.. وبشِعرنا أيضًا، فهو هُويّتنا وهو “حكم القدر، إذا وُجدَ مثلُ هذا الشيء!