هذا العام 2016 يمر مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو التي جزأت ومزقت أرض سوريا والعراق. لقد تآمر الفرنساويون والبريطانيون على الأرض العربية، وتباحثوا فيما بينهم على كيفية تقسيم أسلاب الدولة العثمانية والقضاء على آمال العرب بالوحدة والنهوض. وقد توصل الطرفان عام 1916 إلى اتفاق أسمياه اتفاق سايكس بيكو نسبة إلى اسمي المفاوضين البريطاني والفرنساوي. وقد قضى الاتفاق بتقسيم سوريا إلى أربع إقطاعيات، وصار الترتيب كالتالي: يتم تسليم سوريا الشمالية والتي شملت ما يعرف الآن بلبنان وسوريا وجزء من جنوب الأناضول لفرنسا لتمارس انتدابها عليها. أما بريطانيا فتكون منتدبة على شرقي الأردن والعراق، وتبقى فلسطين منطقة مدولة وذلك للتفكير بوضعها كمنطقة يمكن أن يقام عليها الوطن القومي اليهودي وفق ما كانت تطرح الحركة الصهيونية في ذلك الوقت. بقي هذا الاتفاق سرا عن العرب إلى أن قامت الثورة البلشفية في روسيا والتي فضحت التآمر الغربي الاستعماري. وقد توصل الشريف حسين بن علي في ذات العام إلى اتفاق مع البريطانيين يقضي بانضمام العرب للحلفاء في الحرب ضد تركيا مقابل النظر بإمكانية إقامة مملكة عربية متحدة في الجزء الآسيوي من الوطن العربي. لقد غدروه في اتفاقية سياكس بيكو، وغدروه عندما أصدروا وعد بلفور الذي نص صراحة على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، واتهموه في النهاية بأنه مختل عقليا ووضعوه في مصحة نفسية.
على إثر سايكس بيكو، تجزأت سوريا إلى أربع إقطاعيات وهي سوريا الصغرى القائمة حاليا والتي تعاني من حرب طاحنة، ولبنان التي تجزأت طائفيا، والأردن التي أعطيت للهاشميين وفلسطين التي أعطيت لليهود وبقي الشعب الفلسطيني بلا وطن.
المهم أن اتفاقية سايكس بيكو ووجهت بالرفض من قبل جمهور السوريين في كل أنحاء سوريا على اعتبار أنه لا حق لأحد بالتصرف في الجغرافيا السورية أو بوحدة الشعب السوري. واجه جيش المملكة السورية الفرنساويين في معركة ميسلون عام 1920، ولم يكن بمقدور هذا الجيش أن يحقق انتصارا، وطرد الملك فيصل من سوريا إلى العراق ليقيم مملكة هاشمية. رفض القوميون الاتفاقية وأصروا على وحدة الأراضي السورية، ورفضوا إقامة الوطن القومي لليهود، وكذلك كان موقف السياسيين والقادة العرب بخاصة في دمشق وبيروت ونابلس وحيفا وطرابلس وحلب والقدس. لم يكن هناك من أيد اتفاقية سايكس بيكو وقبل بها وقبل تفتيت سوريا.
حتى الآن هناك من يرفضون اتفاقية سايكس بيكو ويعتبرون تجزئة سوريا خطة استعمارية آثمة كان هدفها إضعاف العرب وإقامة الوطن القومي اليهودي على حساب أهل فلسطين. قلة قليلة من قادة العرب يتحدثون الآن عن الاتفاقية ويرفضونها. أما من الناحية العملية، تم تدجين الناس والقادة والحكام، وأصبحوا يقبلون الاتفاقية على أرض الواقع ويديرون أنظارهم عن نهج التآمر الاستعماري. حتى أن الحكام دجنوا شعوبهم ليقبلوا بإرادة الاستعمار ويغضوا الطرف عن فكرة وحدة الأراضي السورية. حتى في البرامج التعليمية التي تدرس في مختلف إقطاعيات سوريا لا نجد توعية أو تثقيفا للأجيال حول التآمر الاستعماري على سوريا، بل نجد قطرية زائفة يتم الترويج لها للتلاميذ ولا يحاول أحد إلا من رحم ربك الإشارة للتلاميذ بأن سوريا هي بلاد الشام وهي ذات وحدة جغرافية واحدة ووحدة سكانية واحدة. حتى أن سوريا الصغرى القومية قد تخلت عمليا عن مسألة الوحدة.
وبسبب تعاسة الحكام وسوء تصرفهم، قامت سوريا الصغرى والأردن بترسيم الحدود بينهما، وهناك ضغط الآن من قبل بعض اللبنانيين والدول الاستعمارية لترسيم الحدود بين سوريا الصغرى ولبنان. أما الحدود الاستعمارية بين فلسطين ولبنان فقد قامت الأمم المتحدة بترسيمها إلا من منطقة مزارع شبعا التي تقع على المفصل السوري اللبناني الفلسطيني.
ومن شدة الرغبة بالانفصال رفعت الأردن شعار الأردن أولا، وسار على ذات الدرب بعض اللبنانيين. أما فلسطين والفلسطينيون فقد تركوا يواجهون مصيرهم بأنفسهم، هذا إن تركوا وشأنهم. الأردن يلاحق الفلسطينيين الذين يريدون تحرير وطنهم، وكذلك السلطة الفلسطينية. أما لبنان فتحرم الفلسطينيين من ممارسة أعمال تقيم لهم حياة كريمة.
انحنى السوريون لإرادة الاستعمار وتمسكوا باتفاقية سايكس بيكو وقبلوها عمليا، وأخذ كل منهم يتمسك بما أخذ من الكعكة. حتى الفلسطينيون الذين يجب أن يصروا على قومية قضيتهم يبحثون عن دويلة إلى جانب اليهود الذين اغتصبوا وطنهم. المعنى أننا نرفع شعارات ضد سايكس بيكو لكننا من الناحية العملية كاذبون وقد استدخلنا التفرقة والتمزق ورضينا بهما. سياسات مختلف الإقطاعيات السورية تشي بأن القادة ينصبون على الشعوب ويدجلون عليهم ويضللونهم.
نحن بحاجة لأن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء فنرفض سايكس بيكو قولا وعملا، ونعمل على وحدة الثقافة السورية ووحدة المجتمعات التي تمخضت تحت مظلة هذه الثقافة. من العار أن نقول شيئا ونصنع نقيضه، ومن المفروض أن نضع كل جماهير الأراضي السورية أمام مسؤولياتهم فيما يخص فلسطين. فلسطين ليست قطعة من المريخ ولا علاقة لها بأرض العرب. على العرب جميعا أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه تحرير فلسطين لأنها الأرض العربية المقدسة التي تتطلب التضحيات الجسام. ولا يحق لفلسطيني أن يحتكر القضية الفلسطينية ويعمل على خلعها من جذورها العربية. إرادة الاستعمار قضت بعزل فلسطين عن محيطها، وواجب الفلسطينيين ألا يستسلموا لهذه الإرادة، وعليهم أن يفرضوا إرادتهم هم إذا أرادوا الحرية لوطنهم ولأنفسهم.