عَنِ الفَنِّ.. //حسين مهنّا


لَوحَةُ الموناليزَا (الجوكونْدا) لِلْإيطالي المَوسوعي لِيوناردو دافينتشي

ما أَكْثَرَ ما تَعَدَّدَتِ الذّائِقَةُ البَشَرِيَّةُ وتَنَوَّعَتْ واخْتَلَفَتْ، إلّا أَنَّها تَتَّفِقُ على أَنَّ الموسيقى، والرَّسْمَ، والنَّحْتَ، والتَّمْثيلَ، والشِّعْرَ أَرْقى ما وَصَلَ اليهِ العَقْلُ البَشَرِيُّ مِنْ إنْجازٍ كانَ وسَيَبْقى – بِاسْتِثْناءِ الشِّعْرِ – اللُّغَةَ الجامِعَةَ لِجَميعِ أَبْناءِ جَدَّينا، آدَمَ وحَوَّاءَ، في لُغَةٍ واحِدَةٍ هي لُغَةُ الإِحْساسِ المُرْهَفِ، والعَقْلِ المُسْتَنيرِ.. فَالدُّفُّ مَثَلًا، وَهْوَ أَقْدّمُ آلَةٍ موسيقِيَّةٍ عَرَفَها الإنْسانُ مُنْذُ خَمْسَةِ آلافِ سَنَةٍ؛ ما زالَ المُحَرِّكَ الأَوَّلَ لِشُعورِنا، والضّابِطَ الأَهَمَّ لِموسيقانا.. وفي النَّحْتِ والرَّسْمِ، مَنْ مِنّا لا يَقِفُ أَمامَ، أَو يَرى رَسْمَ  تِمْثالِ إلهَةِ الحُبِّ والجَمالِ فينوس عِنْدَ الرّومانِ (وهي أَفروديت عِنْدَ اليونانِيّينَ) ولا يَصْرُخُ: يا لَلْجَمالِ!.. يا لَلرَّوعَةِ!
وكَذلكَ في الرَّسْمِ، وأَشْهَرُ مِثالٍ على ذلِكَ لَوحَةُ الموناليزَا (الجوكونْدا) لِلْإيطالي المَوسوعي لِيوناردو دافينتشي (1452م – 1519م).. والأَمْثِلَةُ كَثيرَةٌ.
أَمّا الموسيقى، وقَدْ تَكونُ أَرْقى أَنْواعِ الفُنونِ – وهذا رَأْيٌ شَخْصِيٌّ – فهي لُغَةُ شُعوبِ العالَمِ بِلا مُنازِعٍ؛ فَإذا سَمِعْناها دَخَلَتْ قُلوبَنا، فَنَطْرَبُ، وَقَدْ نَرْقُصُ، وقَدْ تُضْحِكُنا، وقد تُبْكينا!… جاءَ في كِتابِ (سَنابِلُ من حُقولِ الأَدَبِ) لِجامِعِهِ ابنِ كفر ياسيف الأُسْتاذِ المَرْحومِ سامي مِزيغيت، عَن كِتابِ (أَخْلاقِ العُلَماءِ): لَمّا وَرَدَ الفَيلسوفُ أَبو نَصْرٍ الفارابي (874م -950م) المُلَقَّبُ بِـ (المُعَلِّمُ الثّاني) على سَيفِ الدَّولَةِ، وكانَ مَجْلِسُهُ مَجْمَعَ الفُضَلاءِ في جَميعِ المَعارِفِ أَي العُلومِ، ودارَ بَينَهُما حِوارٌ شائِقٌ أَنْقُلُ ما لَهُ عَلاقَةٌ بِنَصِّنا… قالَ سَيفُ الدَّولَةِ: هل لَكَ في أَنْ تَأْكُلَ؟ فَقالَ:لا! قالَ: فَهَلْ تَشْرَبُ؟ فَقالَ: لا! فَقالَ: فَهَلْ تَسْمَعُ؟ فَقالَ: نَعَم. فَأَمَرَ سَيفُ الدَّولَةِ بِإِحْضارِ القِيانِ، فَحَضَرَ كُلُّ ماهِرٍ في هذِهِ الصِّناعَةِ، فَلَمْ يُحَرِّكْ أَحَدٌ مِنْهُمْ آلَتَهُ إلّا عابَهُ. فَقالَ سَيفُ الدَّولَةِ: وهَلْ تُحْسِنُ في هذِهِ الصَّنْعَةِ شَيئَا؟ فَقالَ نَعَمْ. ثُمَّ أَخْرَجَ من وَسَطِهِ خَريطَةً فَفَتَحَها، وأَخْرجَ مِنْها عيدانَا ورَكَّبَها، ثُمَّ لَعِبَ بِها، فَضَحِكَ كُلُّ مَنْ كانَ في المَجْلِسِ. ثُمَّ فَكَّها ورَكَّبَها تَرْكيبَا آخَرَ وضَرَبَ بِها، فَبَكى كُلُّ مَنْ كانَ في المَجْلِسِ. ثُمَّ فَكَّها وغَيَّرَ تَرْكيبَها وضَرَبَ بِها ضَرْبَا آخَرَ، فَنامَ كُلُّ مَنْ كانَ في المَجْلِسِ حَتّى البَوّابُ، فَتَرَكَهُمْ وَخَرَجَ.
أَمّا عَنِ المَسْرَحِ فَيَكْفيهِ قيمَةً وَفَخْرَا ما قالَ عَنْهُ المُخْرِجُ والمُمَثِّلُ الرّوسِيُّ الشَّهيرُ قُسْطَنْطين سْتانِيسْلافْسكي (1863م – 1938م): أَعْطِني مَسْرَحَا أَعْطِكَ شَعْبَا مُثَقَّفَا.

(البُقَيعَة / الجَليل)

לכידה

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .