جاءَ في لِسانِ العَرَبِ لابْنِ مَنْظورِ: الالْتِزامُ تَعْني الاعْتِناقَ.. والْتَزَمَ الشَّيءَ – لا يُفارِقُهُ. ومِن هُنا جاءَ مَفْهومُ الالْتِزامِ في الأَدَبِ، أو هذا ما اَعْتَقِدُهُ. فَإذا تَناوَلَ شاعِرٌ ما، أَو كاتِبٌ ما، مَوضوعًا ما وداوَمَ عَلَيهَ، فَهْوَ – أَرادَ أَمْ لَم يُرِدْ – يَكونُ في نَظَرِ النُّقّادِ ومُحِبّي الأَدَبِ مُلْتَزِمًا بِذاكَ المَوضوعِ لِإيمانِهِ بهِ. فَالشّاعِرُ السّوري العربِيُّ المُجَلِّي نِزار قَبّاني ( 1923 م – 1998 م ) في نَظَرِ الكَثيرينَ شاعِرٌ مُلْتَزِمٌ لِجَعْلِهِ مِنَ المَرْأَةِ العَرَبِيَّةِ قَضِيَّةً، لا بَلْ هُناكَ مَنْ وَصَفَهُ بِشاعِرِ الحُبِّ والمَرْأَةِ بِالرَّغْمِ مِمّا قَدَّمَهُ مِن شِعْرٍ سِياسِيٍّ.. والأَديبُ الرّوسِيُّ مَكْسيم غوركي ( 1868 م- 1936م ) كاتِبٌ مُلْتَزِمٌ لِأَنَّ القَضايا الفِكْرِيَّةَ والاجْتِماعِيَّةَ والثَّورَةَ الاشْتِراكِيَّةَ طَغَتْ على أَعْمالِهِ.. والشّاعِرُ الكاتِبُ البَريطاني رِدْيارد كِبْلِنْغ ( 1863م – 1936م ) والمَولودُ في مَدينَةِ بومباي / الهِنْد، فَقَدِ جاهَرَ، وبِلا حَرَجٍ، بِآرائِهِ السِّياسِيَّةِ الاسْتِعْمارِيَّةِ ! فَهو كاتِبٌ مُلْتَزِمٌ أَيضًا…
يُخْطِئُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الالْتِزامَ صِفَةٌ مُلازِمَةٌ لِأُدَباءِ المَدْرَسَةِ الواقِعِيَّةِ الاشْتِراكِيَّةِ، لِأَنَّ الالْتِزامَ لا عَلاقَةَ لَهُ بِالمَدارِسِ الأَدَبِيَّةِ، على تَعَدُّدِ أَشْكالِها، فَهذِهِ تَجْمَعُ أَصْحابَ الأُسْلوبِ والشَّكْلِ والمَضْمونِ الواحِدِ في أَعْمالِهمِ كَنَهْجٍ أَدَبِيٍّ يَكْونُ عَلامَةً فارِقَةً تُمَيِّزُهُمْ عَنْ غَيرِهمْ ؛ وَلِذا فَلا أَعْتَقِدُ أَنَّ هُناكَ تَناقُضًا بَينَ أَنْ يَكونَ الأَديبُ، أَيًّا كانَ، مُنْتَمِيًا إلى أَيِّ مَدْرَسَةٍ أَدَبِيَّةِ كانَتْ، ويَكونَ في ذاتِ الوَقْتِ مُلْتَزِمًا. لا بَلِ الالْتِزامُ يُساعِدُهُ في بِناءِ مَشْروعِهِ الأَدَبِيِّ.
على كُلٍّ، مَهْما تَنَوَّعَتِ المَدارِسُ، ومَهْما تَقارَبَتِ الآراءُ أَو تَباعَدَتْ فَسَيَظَلُّ النّاسُ يَنْتَظِرونَ ما يِنْفَعُهم، وسَيَظَلُّ القُرّاءُ يَنْتَظِرونَ أَدَبًا هادِفًا راقِيًا..
( البقيعة / الجليل ) ـ عن موقع الجبهة في زاويته المنشورة كل يوم اربعاء في صحيفة الاتحاد تحت اسم الهدهد .