نشرت جريدة “هأرتس” على إتساع صفحة 20 من عددها الصادر بتاريخ 26 كانون اول (ديسمبر) 2015، مقالا مستفيضا بعنوان “2400 شيكل مقابل كتابة وظيفة أكاديمية، 40 الف شيكل لإطروحة دكتوراة”. هذا المقال يوضح “أن هناك عدة شركات اسرائيلية متنافسة تقترح علنا في الانترنيت، ودونما خجل ووجل، على الطلاب الجامعيين، أن تكتبَ لهم وظائفَهم الاكاديمية خلال فترة زمنية متفقٍ عليها، مقابل دفع مالي محدد، مثلا: 2000-2700 شيكل مقابل كتابة وظيفة بحجم ثلاثين صفحة خلال عشرين الى ثلاثين يوما، 9500 شيكل لرسالة ماجستر خلال ستين يوما، اربعون الف شيكل لإطروحة دكتوراة الخ…”. وتضيفُ الجريدة أنه عندما سُئِلَ بعضُ المسؤولين في هذه الشركات عن قانونية هذا العمل، أجاب البعضُ منهم أنه قانوني في حين قال البعض الآخر “طالما لم يُكتشف امرُك، فهذا العمل هو قانوني”. كما نوّهت الجريدة أن هذه التجاوزات تتمُّ تحت سمع وبصر مجلس التعليم العالي والمؤسسات الاكاديمية والشرطة دون ان يحركوا ساكنا، مفضّلين تجاهل القضية.
هذا التقرير المسهب الذي نشرته جريدة “هأرتس”، أقلقني واضحكني في آنٍ واحد. أقلقني لاني تذكرتُ ما كتبه الاستاذ سهيل عطالله (كتاب “حديث الثلاثاء”، جزء 3، صفحة 9، نيسان 2015) حيث قال: ” في ايام القبح هذه نهرول نحو النجاح الرخيص فنمارس الغش والخداع ونشتري الاوسمة والالقاب” فخشيتُ وما زلت اخشىى ان تكون هذه الجرثومة قد تسرّبت ايضا الى المعلمين العرب المستكملين وإلى الجسم الطلابي العربي في الجامعات الاسرائيلية وغيرها، سيما شريحة الذين يُعدّون انفسَهم لخدمة التعليم العربي مستقبلا، أو الذين سترغمُهم ظروفُهم على السير في هذا المسار، باعتبار التعليم هو مساحة التوظيف المتاحة أكثر من غيرها، لإستيعاب الاكاديميين العرب، فتُرفَد مرة اخرى مؤسساتُنا التعليمية من ابتدائية وثانوية وفوق ثانوية، بأجيالٍ من مربين مُحمَّلين بشهاداتٍ عليا إسما لا مضمونا، قشورا لا جوهرا، مظهرا لا إستيعابا ولا تذويتا، كجَمَلٍ مُحَمَّلٍ بالماء لكنه يعاني من عطش شديد، كقول الشاعر:”كالعيسِ في البيداء يقتلُها الظما/ والماء فوق ظهورِها محمولُ”.
اما ما أضحكني فقد يعود الى احد سببين: اولا لعليّ ضحكتُ من “صغر عقلي”، ذلك لاني اعترف وأقرُّ أني قد زرعتُ بجهد شاق وتفرغ مطلق، ثلاث سنوات متتالية من عمري في قاعات جامعة لندن ومكتباتها ومختبراتها ومؤتمراتها العلمية التربوية، حتى تمكنتُ من إعداد الاطروحة والحصول على شهادة الدكتوراة. لكن ما يعزّيني بهذا الصدد، أن هناك من زملائي في جامعة لندن وغيرها من الجامعات الرائدة، مَن هم اكثر “بلادةً” مني، بدليل أن فترةَ دراستهم للدكتوراة من خلال تفرّغٍ مطلقٍ ايضا، قد إمتدّت على اربع ولربما على خمس سنوات. وثانيا، ضحكتُ لربما بسبب نكتة او نكات تململت في ذاكرتي، فإستعادت ذاكرتي ما كنتُ أعتبرُه حتى الان، وارجو أن استمرَّ كذلك في المستقبل، مجردَ نكتةٍ تزرع الابتسامة على وجوه الآخرين، كتلك النكتة التي كان يرويها باسلوب ساتيري محاضرٌ جامعي معروف، إذ كان يقول لطلابه مبتسما: “عندما تنقلون عن كتاب واحد فانكم تقتبسون، وعندما تنقلون عن كتابين فانتم تكتبون بحثا أكاديميا، وعندما تنقلون عن ثلاثة كتب فأنتم تكتبون اطروحة دكتوراة”. أو كنكتة أخرى كان تُروى عن طالب عربي جامعي في مطلع الستينات، لم يحصل كزملائه الآخرين على شهادة الماجستير، لانه كان يسمع المحاضرات فقط بدون التقدم للامتحانات النهائية وبدون إعداد رسالة الماجستير، مُدَّعيا أنّ شهادة الماجستير قد أصبحت في جيبه الصغير، فأطلق عليه زملاؤه إستخفافا، لقبَ “حامل ماجستير سماعي”.
إنّ كتابة ورقة بحثيّة ناهيك عن إعداد رسالة ماجستير(التي تُعتبر من مستلزمات الحصول على درجة الماجستير) أو إعداد اطروحة دكتوراة (التي تُعتبر مستلزما رئيسا بل شرطا للحصول على درجة الدكتوراة كأعلى شهادة أكاديمية في حقل التخصص) هي قمة العمل الأكاديمي وجوهره، وهي مهارة إن إفتقدها الاكاديمي، يفتقد معها أهمَ مقومات كينونته الاكاديمية، وتصبح ثقافتُه جوفاءَ ومهاراتُه غير مصقولة وتجربتُه فقيرةً وقدرتُه على ممارسة البحث بنفسه مستقبلا، مهزوزةً ومضعضعة ً، ومحاولتُه لإنتحال الالقاب الجامعية العليا وللحصول على شهادة الماجستير او الدكتوراة بواسطة شراء اطروحة، هي لا أكثر ولا اقلّ من ممارسة عهر فكري يرتكبه “المشتري” و”البائع” على حدّ سواء، وينبغي ان يتحمل كلٌّ منهما على إنفراد وكلاهما سوية، تبعاتِه الاخلاقية والقانونية ايضا.
فهل هناك من يسمعُ ويتعظ؟ ارجو ذلك….
Hatimkhoury1@gmail.com