ان فرحة الطفل لا يوازيها فرحة عندما يتسلم هدية يحبها وتأتيه فجأة ودون سابق انذار..
هذا هو حالي عندما وصلني كتاب اخي الوفي الدتور خالد تركي ..سليل عائلة المناضلين ابراهيم تركي امد الله في عمر والمغفور له المرحوم ابو عائدة داود تركي …هذه العائلة التي تربطنا بها علاقة وثيقة اقرب الى رابطة الدم اضافة الى رابطة الاخوة والصداقة ..هذه العائلة الوفية والشريفة التي ربت اشبالها على حفظ الجميل والمعروف وعدم نسيانه.. مما يثبت –ان الاصيل يبقى اصيلا ..فبوركت اخي خالد والف شكر على كتابك الرائع ” من حيفا هنا دمشق” فهو هدية لا تقدر بثمن..
هذا الكتاب التوثيقي الذي جاء تباعا لما سبقه من الكتب الرائعة التي سبقت واهديتها لي – ” برهوم البلشفي ” و”حماة الديار” التي حرصت دائما على توثيق ما حدث بين اهلينا ..اذ حصل لنا الشرف بالتعرف اليكم فحن نهتز ونرفع راسنا عاليا باخوتكم وصداقتكم ..
ان ما يميز اسلوب اخي خالد هو السلاسة في اللغة والسرد والمصداقية والتشويق في القراءة ..حيث اتبع اسلوب السهل الممتنع …فانك تنتقل من جملة الى جملة ومن قصة الى قصة بنهم الجائع للغذاء ولهفة العطشان الى الماء ..فكل فكرة وكل معلومة تشدك الى الاستزادة والاستطراد في القراءة من حيث لا تشعر ..دون كلل او ملل ..
فترى نفسك تنهل من معين كلمات قصصه تماما كما ينهل تائه في صحراء اضناه التعب والعطش فوجد امامه واحة او عين او نبع ماء ..
ان الكاتب جاء ليوثق احداثا مؤلمة مرت ولا تزال مع شعبنا في هذه الديار منذ حرب العام 1948 ..الذي جاء نتيجة حتمية لمعاهدة سايكس بيكو البغيضة والتي تم فيه تسليم البلاد بمؤامرة من جيش الانقاذ ( الركاض) الذي ارسلته الانظمة العميلة آنذاك والذي كان هدفه تشجيع السكان الاصليين على الهجرة واعدا اياهم بقرب العودة حال ” تحرير البلاد ” هذا الوعد الذي تمخض فيما بعد عن مدى كبر حجم المؤامرة .. الذي اشرفت عليه قوى الغرب الاستعمارية .. التي انتدبت لإدارة البلاد لتؤهلها الى الاستقلال ..فكان الهدف هو تأهيلها الى البيع والتسليم ..زد الى ذلك عامل الخوف والترهيب الذي مورس ضد السكان مما دفعهم بالهجرة قسرا خوفا من المصير المجهول ..
ان الكاتب كابن المغار والمهاجر الى حيفا فحرص على توثيق ما جرى من احداث فيها ممن راه بعينه ومما سمعه من اهله المناضلين أولئك الاهل الذين فضلوا الموت بشرف في الوطن بدلا من العيش بذل كلاجئين في الغربة ..
ان القارئ لقصص الدكتور الكاتب خالد يرى الصورة جلية دون رتوش ويشاهد الحقائق عارية دون ورقة التين .. ويستشف صدق روايته من خلال المرارة التي تعتصر فؤاده لما راه وسمعه وقرأه من احداث ووقائع مفجعة حلت بالأهل داخل الوطن عام 1948 ..
ونحن في بيت جن ذقنا ولا زلنا نذوق الامرين من سياسة الحكومات المتعاقبة التي دأبت على سلب خيرة اراضينا بمؤامرة من الزعامات التقليدية والمخاتير والسماسرة وباعة الضمير والفسادين ..كما حدث مع ارض الخيط والزابود والجرمق وغباطية ..من خلال قوانين مجحفة كقانون اراضي البور وتركيز الاراضي والاعلان عن مناطق نفوذ قرانا كمحميات طبيعية لتجعل منا “محميات هنود حمر” مستلهمين ذلك من الوالدة امريكا ..اضف الى فرض قانون التجنيد الاجباري علينا كطائفة مستضعفة مستثنية باقي الاقليات لتزرع البغضاء بين ابناء الشعب الواحد. لنمسي حطابين وسقائي ماء .
فالكتاب هو بمثابة فيلم وثائقي للتاريخ المرير الذي تعايشه ولا زالت بلادنا وشعوبنا وبلادنا العربية وشعوبها .. قاطبة
من خلال السياسة الاستعمارية المتمثلة “بفرّق تسد” ..كما يخرج الكاتب من نطاق المحلية الى الاقليمية ليحدث ما يجري من ماسي ودمار في بلادنا العربية نتيجة لاستمرار مخطط المؤامرات التي تساندها انظمة عميلة تدور في فلك الغرب وتأتمر بأمره وتروج لسياسته من خلال وسائل اعلامها المكتوبة والمسموعة والمرئية ..
كما اني اقدر وأثمن عاليا وفاء اخي خالد المنقطع النظير وحرصه الدائم على سرد ونشر ما حدث بين اهله الميامين والمناضلين الاشاوس العم ابراهيم والمرحوم ابو عائدة داود تركي ..حين وقف في طريقهم ليقنعهم بالعدول عن الهجرة الى لبنان عام 1948 قائلا لهم ” لازم ترجعوا معي لانو اللي بيطلع ما بيرجع واللي بصير عليكو بصير علينا كلنا اهل بلد واحد”. فالصديق وقت الضيق ..
فأخي خالد ان هذا واجب انساني ووطني يمليه الضمير على كل انسان حر وشريف ..فلسي لاحد فضل فكلنا في الهوا سوا
وكلنا نعني من نفس سياسة التمييز وهضم الحقوق .
كما يتعرض لما حدث ويحدث ويعرض امام عينيك بصورة واضحة حجم المؤامرة من الدول الاستعمارية الغربية على البلاد العربية هذه المؤامرة التي لا زالت مستمرة حتى اليوم ..ليذكرني بصدق ما كان يقوله لي والدي المرحوم ابو مالك حسين صلالحه
” فش اشي بيجي من الغرب وبيسر القلب ” ..فالغرب سبب ماسينا والمنا وتشتتنا وتشرذمنا وضياعنا..
اننا يا اخي على العهد باقون وعلى درب الاهل سائرون ..ونعتز بكل الشرفاء والوطنيين الصادقين امثالكم ..فانتم لكم الدور الكبير في توعية وتنوير وانارة الطريق امام من تبقى من اهلنا في الديار ..وذلك من خلال نضالكم وكتاباتكم ونشر الوعي والثقافة بينهم ..كما كان في احلك الظروف في الخمسينات من القرن الماضي ونحن لا ننسى دور مكتبة النور لصاحبها العم المناضل والمرحوم ابو عائدة داود تركي والصحف التقدمية كالاتحاد .
واخيرا ان اشد على يديك وبانتظار المزيد من الابداع والعطاء القيّم ..وليسلّم الله اناملك وليبقى قلمك سيالا ..متمنيا لكم العمر المديد والصحة التامة .