المَكْتَباتُ .. حسين مهنّا
في اخبار البقيعة, ثقافة وفنون
17/12/2015
قُلْتُ لِذاتي وأَنا أُراجِعُ مَشْهَدَنا الثَّقافِيَّ: ما أَكْثَرَ المَكْتَباتِ العامَّةَ – بَلْهَ الخاصَّةَ- اليومَ، وما أَقَلَّ القُرَّاءَ! ولَيتَ الأَمْرَ كانَ مَعْكوسَا! وأَفْضَلُ من هذا وذاكَ أَنْ يَكونَ القَولُ ما أَكْثَرَ المَكْتَباتِ وما أَكْثَرَ القُرَّاءَ! ولَو كانَ كَذلِكَ لَضَمِنَّا لِأَنفُسِنا ولِأَبْنائِنا وأَحْفادِنا بيئَةَ مُعافاةً ومُجْتَمَعَا راقِيَا ؛ ولكِنْ هَيهاتَ! ما دُمْنا نَتَلَهّى بِقُشورِ الأُمورِ دونَ لُبابِها، ونَقْضي الوَقْتَ بلْ نَقْتُلُهُ بِأَتْفَهِ الأُمورِ، وما أَكْثَرَها!، ما دامَتْ تُريحُنا من عَناءِ القِراءَةِ والبَحْثِ والتَّنْقيبِ، ومَعْلومٌ أَنَّ الإنْسانَ يميلُ الى الرّاحَةِ طَبْعَا، ويَجْنَحُ الى المُتْعَةِ كَسَلًا! ولَو عَرَفَ مُتْعَةَ القِراءَةِ لما عافَها، وداوَمَ عَليها لِتُصْبِحَ عادَةً بَلْ إدْمانَا بِمَفْهومِهِ الإيجابِيِّ، يُلْهيهِ عَنِ الكَثيرِ مِنْ عاداتٍ قَدِ اعْتادَها.. لا أُريدُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ حَديثي هذا أَنْ نَتْرُكَ أَشْغالَنا وأَعْمالَنَا وواجِباتِنا اليَومِيَّةَ ونَتَفَرَّغَ لِلْقِراءَةِ، مَعاذَ اللّهِ! بَلْ أَرَدْتُ أَنْ أُنَبِّهَ الغافِلينَ بِأَنَّ صَدَاقَةَ الكِتابِ فَوقَ كُلِّ صَداقَةٍ؛ وكَما نَميلُ الى مُجالَسَةِ الصَّديقِ فَلا أَقَلَّ من أَنْ نَتَعامَلَ مَعَ الكِتابِ كَما نَتَعامَلُ مَعَ الصَّديقِ فَنُجالِسُهُ كُلَّما اسْتَطَعْنا الى ذلِكَ سَبيلًا؛ وهذا أَضْعَفُ الإيمانِ!
قَدْ نَبْني مَكْتَبَةً بِقَليلٍ أَو بِكَثيرٍ مْنَ المالِ، فَهَلْ نَسْتَطيعُ بِقَليلٍ أَو بِكَثيرٍمْنَ الجُهْدِ أَنْ نَبْنِيَ قارِئَا ؟ أَقولُ نَعَمْ! فَرِيادَةُ المَكْتَباتِ العامَّةِ مَعَ أَطْفالِنا، وزِيارَةُ مَعارِضِ الكُتُبِ، وشِراؤُها، تَبْني الطِّفْلَ ثَقافِيَّا، وتَجْعَلُهُ يُدْرِكُ، باكِرَا أَنَّ لِلْكِتابِ قيمَةً، وهو ضَرورَةٌ لِعُقولِنا كَالطَّعامِ الذي هو ضَرورِيٌّ لِجُسومِنا .
ورِيادَةُ المَكْتَباتِ عنْدي لا تعْني اسْتِعارَةَ كِتابٍ وحَمْلَهُ الى البَيتِ فَقَطْ بل المُكوثَ في المَكْتَبَةِ، والجُلوسَ على كُرْسِيٍّ مُريحٍ مَعَ ضِيافَةٍ مُتَواضِعَةٍ، وتَوْفيرَ الجَوِّ الهادِئِ المُساعِدِ على القِراءِةِ لِأَطْوَلِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ، وهذا بَعْضٌ من كُلٍّ.. تُرى هَلْ يَتِمُّ ذلِكَ بِدونِ قاعَةٍ هُنْدسَتْ هَنْدَسَةً عَصْرِيَّةً وأُعِدَّتْ سَلَفًا لِتَكونَ مَكْتَبَةً عامَّةً؟ لا أَعْتَقِدُ! فَماذا يَعْتَقِدُ أُولو الأَمْرِ في إدارَةِ شُؤُوِنِ قُرانا…؟
(البقيعة)
|
2015-12-17