قبلة  أجنبية..في حرم العذراء! فتحي فوراني

 

 فتحي فوراني

  • من بلاد الثلج..إلى الأيام التموزية!

عين العذراء وساحتها..مركز المدينة المقدسة..

تصبّ العذراء  كوثرها في جرار العذارى..وفي  باحتها  يصبّ جميع “الحجاج” الذين يؤمونها من جميع أنحاء الدنيا!

ألميدان ممتلئ بالسياح الأجانب من أوروبا وأمريكا..ومن شتى ألوان الطيف!

ألشباب يتسكعون..وأمامهم “وجبة شهية” من السائحات الأجنبيات في يوم تموزي!

لقد هربوا من بلاد الثلج الأوروبية..وخلعوا العذار والإزار والأزرار..وحطوا في الأيام التموزية وشمسها الحارقة..

ويطيب للثلج الأوروبي وصباياه.. النوم في أحضان الشرق الدافئة!

في عيون الشباب يتوثب الحرمان!

وبالقرب من عين العذراء..يمسك سائح أوروبي بيد صديقته الحسناء..وهي فتاة شقراء تقول للبدر: إنزل!

فينزل!

يتمشيان معًا ولا يصدّقان أنهما في مدينة السيد المسيح..تتناهى إلى مسامعهما وشوشات سريانية هامسة تأتي من كنيسة البشارة..هل هذا صوت أنبياء!؟

  • قبلة حارة..في حضرة العذراء!

نحن داخل أسطورة!

يطيب له أن يحيط خاصرتها بساعده..ويشدّها إليه برفق..فيتوقفان إلى جانب العين..ويستمتعان بمشهد المياه الزكية المتدفقة من أفواه الينابيع الزمزمية  العذراء..

وفي غمرة النشوة الروحية والفرح الغامر..يطيب للسائح، وبشكل عفوي، أن يضمّ حبيبته إلى صدره..

تسري في العروق الدماء المتوثبة..فيعانقها  ويطبع على شفتيها قبلة حارّة وطويلة..في حضرة العذراء!

تشتعل الدماء في عروق الشباب..وتبتسم الصبايا العابرات ابتسامات حييّة..ويسرعن في مشيهن..وقد احمرّت الوجنات خفرًا!

**

  • فضيحة بجلاجل..وعليها شهود!

يطل المحامي أبو مهران من شرفة مكتبه التي تشرف على ساحة العين..فيرى المشهد “اللا أخلاقي” أمام ناظريه..بالبثّ الحيّ والمباشر!

قبلة أوروبية على رؤوس الأشهاد وعلى مرأى من المارّة..وعينك عينك..في المدينة العربية المقدسة..في المدينة  الشرقية المحافظة!؟

هذا غير معقول..إنه خطر داهم  وزلزال يكاد يعصف بالقيم الأخلاقية المحافظة في مدينة البشارة!

هذه فضيحة!

إنها فضيحة بجلاجل..وعليها شهود!

يفرك أبو مهران عينيه غير مصدق! هل هذا حلم!؟

لقد رأى  بأم عينيه المشهد..إذا لم يكن هذا رذيلة وانفلاتًا أخلاقيًّا يطيح بصرح الأخلاق..ويشرف على حدود العيب..فما هي الرذيلة!؟

هل من المعقول أن يحدث مثل هذه الفعلة النكراء  في المدينة المقدسة!؟ وفي عزّ النهار!؟

أتحدث هذه الشناعة الشنعاء..ونحن ساكتون!؟

لقد خُدش الحياء والشرف..وراح ينزف دمًا أحمر قانيًا!

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى    حتى يُراق على جوانبه الدم!

**

  • بلاغ رقم واحد!

في اليوم التالي..يدخل أبو مهران إلى مكتبه..ويروح يدبجّ المنشور الناري!

ويصدر “البلاغ  رقم واحد”  بلغة عربية بليغة رفيعة المستوى..يجهل فيها المحامي أبو مهران “فوق جهل الجاهلينا”!  يستنكر الرجل هذه الفعلة النكراء..ويهيب بالأهالي أن يقفوا وقفة رجل واحد..ويهبّوا دفاعًا عن شرف المدينة المقدسة..ويتصدّوا لهذا الانفلات الأخلاقي!

فالقُبلة في ساحة عين السيدة العذراء..خط أحمر!

إنها البداية..ألقبلة هي البداية..وماذا ما بعد القبلة؟ وماذا ما بعد بعد القبلة!؟

إنه تجاوز لجميع الخطوط الحمراء!

فلنضع حدًّا لحالة التسيب الأخلاقي الذي يمارسه  الحُجاج الأجانب!

أخشى ما أخشاه..أن تنتقل العدوى..عدوى القُبل إلى الصبايا اليعربيات..فتتفشى كالوبأ في المدينة المقدسة..ولا نستطيع لجمها!

عندها ستقع الواقعة..وكفك ع الضيعة!

**

  • أشراط الساعة!

كان هذا قبل أكثر من خمسين عامًا..

لو قُيّض للمحامي أبي مهران أن ينهض من قبره..ويرى المشهد اليوم..فماذا سيقول؟ وماذا سيفعل؟ وهل سيلقي بنفسه من أعلى بناية في المدينة حتى لا يشاهد الفصل الحديث من المسرحية “الفضائحية”!؟

يخيل لي أنه سيخرج من جلده وينتف شعره ويشق ثوبه  وينفجر غيظًا ويدبّ الصوت دبًّا: فضيحة..فضيحة..إنها أمّ الفضائح!

ثم يعود أدراجه  مسرعًا من حيث أتى!

إنه رجب الرجائب..في زمن العجائب والغرائب!

ألدنيا ما عادت دنيا!

إنها أشراط الساعة!

**

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .