حين اجتاح جورج وسوف ما كان يعرف بسوق “الكاسيت” بلبنان، كان الألبوم يحمل أغنيتين من النوع الذي لا ينسى. الأغنيتان اللتان حملتا الوسوف للقب “سلطان الطرب” لم تكونا إلا “حلف القمر”، و”روحي يا نسمة”.
حتى اليوم في الإذاعات اللبنانية والعربية لا تزال الأغنيتان قيد الطلب. صوت الوسوف وألقه حينها لم يكونا سبب شهرة ذاك الألبوم فحسب، بل إن الموسيقى التي انسابت في مقاطع “حلف القمر” واداء الوسوف في جملة “لكن صابرين بالحب هايمين … ” كانت فريدة حينها في موجة ألحان “عصر الكاسيت”. الأغنيتان كانتا للملحن نور الملاح.
وسّوف كان نجم منتصف الثمانينيات. لم يكن وحده بين الذين اجتاحوا لاحقاً عالم الغناء العربي لمدة طويلة. كانت تلك الحقبة تضم وليد توفق، وراغب علامة، ونجوى كرم، وربيع الخولي، ومايز البياع، وأحمد دوغان، وغسان صليبا، والمطربة اللبنانية منى مرعشلي التي اعتزلت لاحقاً. بالطبع كانت ماجدة الرومي قد سبقتهم في انطلاقتها وهي ابنة الفنان حليم الرومي. حينها كان مقصدَ الجميع، بمن فيهم ماجدة، اسم واحد: إنه نور الملاح.
ساهم الملاح بانطلاقة معظمهم، فمنح ماجدة إحدى أشهر أغانيها المحلية “خدني حبيبي ع الهدا”، و”عم بيسألوني عليك الناس”. ثم وقف الملاح خلف ألحان أغنيات مرعشلي فأعطاها الأجمل على الإطلاق “شمس المغارب”، و”يا شمس عمري غيبي”. أما ربيع الخولي فنال نصيبه من إبداعات الملاح بأغنية “متل الغربا”، ولاحقاً “جيدها يا بحر المرمر”.
اتسمت تلك الفترة باللحن “الملاحي” الناجح . سيطرت موسيقى الملحن اللبناني الشهير على عالم الطرب. حتى اليوم، ما زالت الإذاعات اللبنانية تبث الأغاني التي كان الملاح سبباً أساسياً بنجاحها. بعدما ضربت موجة حميد الشاعري مصر وانطلق في ما يعرف بالأغنية السريعة، آثر الفنانون اللبنانيون الانتشار خارجاً عبرها. استمر بعضهم بالحفاظ على ما يمكن من أدائهم وأسلوبهم، لكن لبنان، كباقي البلاد العربية، انجرف سريعاً باتجاه الإيقاع السريع. خفت نجم الملاح شيئاً فشيئاً، اعتزل ربيع الخولي ثم منى مرعشلي.هجر الوسوف شريكه في القمة.
مر العصر المميز “الملاحي” في لبنان دون رجعة. فنور الآن مهجور كلياً لعوده، ولم يسجل إلا بعض العودات الخجولة مع نور مهنا أو رويدا عطية. كأن “الموضة” لا تناسب ملحّناً بوزن الملاح. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يلجأ شباب جيل اليوم إلى أغاني الملاح، خاصة في لبنان؟
ما عليك إلا أن تدير برامج ما يطلبه المستمعون في لبنان حتى تتأكد أن القاعدة التي انتهجها المطربون عبر الهرولة للملحن الـأكثر مواكبة ” للموضة” خاطئة. هنا في لبنان لا تزال الإذاعات تبث ليلاً ونهارًا أغاني الملاح. كلهم يكرر أغانيه دون توقف. يكررها وينسى أن اسماً كبيراً موجوداً كان خلفها وهو نور الملاح الذي هجره جميع النجوم الذين أطلقهم.