سعيد نفاع، النازحون السوريون ومشروع التواصل// حاتم حسون  

 

unnamedتبدو صورة تدفق اللاجئين السوريين غربا نحو الدول الأوروبية وبخاصة ألمانيا، وانقطاع طرق هؤلاء بشكل تام شرقا نحو الدول العربية وخاصة الغنية منها أمرا غريبا ولافتا، ولا ينسجم مع الأواصر التي تربط شعوب المنطقة ناهيك عن القرب الجغرافي والاثني. فها هي دول الخليج توصد أبوابها في وجه اللاجئين السوريين، وهي التي دعمت وما زالت تدعم ما يسمى بالربيع العربي وبشكل لافت في سوريا، وقدّمت المال والسلاح “للثائرين” ضد حكوماتهم في حين شددت من إجراءاتها وفرضت قيودا حيال اللاجئين السوريين لعدم دخولهم أراضيها، وعلى الرغم من تعالي الأصوات المطالبة بأن تفتح بلدانهم أبوابها أمام اللاجئين السوريين لاعتبارات قومية وثقافية ودينية وإنسانية، إلا أن هذه الأصوات لم تلق صدى او كما يقول الشاعر:” لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي “، أما الأصوات التي حاولت تبرير عدم استضافة الدول العربية الغنية للاجئين السوريين من قبل أبواقهم الاعلامية، بذرائع وحجج مختلفة فقد لاقت الامتعاض والنقد الجارح من مختلف الأوساط العربية منها والعالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة، الجمعيات الحقوقية، الصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي ناهيك عن وسائل الاعلام المختلفة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد استقبل المئات من سكان ألمانيا السوريين الوافدين بالهتافات والغناء والتصفيق، كما خرج أكثر من 40 ألف مواطن من النمسا لاستقبال اللاجئين السوريين مرحبين بهم بعد معاناة كبيرة ومغامرات حتى وصولهم الى بر الأمان.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا يتقاعس أبناء جلدتهم من الوقوف الى جانبهم ومد يد العون، الى أن تعبر المحنة وتتعافى سوريا والمنطقة من داء الإرهاب الخبيث؟ بدل أن يقفوا الى جانب الارهاب ويدعموا نتائجه التي أدت الى حركة النزوح القسري هذه. ومواصلة تلك السياسة المتهورة ستعود سلبا على تلك الأنظمة وقد بدأت بوادر ذلك تلوح في الأفق، وعندها لن تجد تلك الأنظمة من يقف الى جانبها وخاصة عندما تصل النار الى عقر ديارهم.

وهذا الأمر ينسحب على السواد الأعظم من أبناء الطائفة المعروفية في البلاد، الذين اتخذوا موقف المتفرج تجاه الحكم الصادر بحق النائب السابق سعيد نفاع، الأمر الذي ينسجم مع سياسة السلطة التي تهدف الى الغاء مشروع التواصل الذي وقف على رأسه نفاع منذ عام 2007.

وبالمقابل نرى حملة تضامن تشارك فيها مختلف شرائح أبناء شعبنا السياسيّة والشعبيّة مع النائب السابق سعيد نفاع، مع اقتراب موعد تنفيذ قرار المحكمة العليا بالسجن الفعلي ابتداء من السادس من تشرين الأول القادم لمدة سنة، على خلفية قيادته مشروع التواصل وزيارة الأماكن المقدسة في سوريا ولبنان.

الملفت هنا أيضا، هو ان التعاطف مع النائب السابق والاستنكار لهذا القرار المجحف، يأتي من جهات بعيدة عن أبناء جلدته التي تلتزم الصمت وكأن المحامي نفاع مواطن من دولة ميكرونيزيا، هنا كل تبرير لهذا الموقف غير المبرر مرفوض جملة وتفصيلاً.

يظهر أن التعامل مع القضية هو كجوهر سياسي وليس أمنيا، بل أكثر منها ترهيب ردعي يمس كافة جماهيرنا العربية في الداخل وبخاصة الطائفة المعروفية، لأن سعيد نفاع لا يشكل خطرا على أمن دولة إسرائيل بالطبع، وهذا ما اعترف به قاضي المحكمة العليا، ولكن ما يقض مضاجع المؤسسة الإسرائيلية هو انه بعد 76 عاما من محاولات السلطة سلخ أبناء الدوحة المعروفية، عن أبناء شعبهم وتراثهم وتاريخهم وخلق هوية درزية جديدة، يأتي سعيد نفاع وكوكبة من المشايخ الاحرار لينسفوا هذه الخرافة من الأساس. وان القوى “المحايدة” من أبناء الطائفة المعروفية والذين يظنون أنهم سيحصلون على مكاسب من هذا الموقف المتخاذل، انما سيكون مصيرهم كمصير “الثور الأبيض” في القصة الشعبية المشهورة.

المؤسف في الموضوع الموقف المتخاذل لكافة القيادات في الطائفة التي بصمتها انما تبعث رسالة تأييد للسلطة بالاستمرار بسياسة التفرقة والتمييز، فأبناء الطائفة المعروفية وبحكم علاقتهم بالمؤسسة الإسرائيلية يمكنهم أن يكونوا جسرا للسلام وعاملا موصلا بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ولكن السياسة الإسرائيلية بعيدة كل البعد عن ذلك، وهي أبعد ما تكون عن الرغبة في اشراك قيادات غير يهودية في “عملية السلام” التي تنادي بها.

ان مشروع التواصل الذي انطلق لن يتوقف مهما حاولت السلطة ترهيب المواطنين، وانا أول من سيتوجه الى سوريا بعد استقرار الوضع بإذن الله، لأتواصل مع اخوتنا هناك وزيارة أماكننا المقدسة شاء من شاء وأبى من أبى.

وأمام هذا الوضع الخطير، يتوجب على كافة القوى والاحزاب والمؤسسات الوطنية، التوحد في مواجهة المخططات الرامية لعزل أبناء الطائفة المعروفية عن عمقها الوطني والقومي والثقافي، والدعوة لأوسع حملة تضامن مع النائب السابق نفاع، ودعم وتعزيز مشروع التواصل كأنجع وأنجح رد على سياسات حكومات اسرائيل العنصرية، التي تنتهج سياسة “فرق تسد” حتى داخل كل طائفة وفئة وشريحة من المجتمع.

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .