لم اتعلّم عنده ولم اعلّم معه، لكني تعلمتُ منه الكثير الكثير. لقاؤنا المباشر الاول كان في مدرسة البقيعه، إبّان فترة التطبيقات العملية لطلاب دار المعلمين العرب في حيفا، سنة 1964.
كان الاستاذ حنا مديرا لمدرسة البقيعه وكنت ُ انا معلما مبتدئا في دار المعلمين. الفارق السِّنّي بيننا جسَرَه ابو فراس منذ اللحظة الاولى، بلطفِه الجمّ وبحُسنِ استقباله الدافيء وبتعاونه البنّاء. ملاحظاتُه التربوية لطلاب دار المعلمين بحضوري، أثرتْني لا اقلّ ممّا أثرت الطلابَ، ولغتُه العربية الراقية نُطقا تألّق َ بحُسْنِ تعبيرٍ، وكتابة ً تزيّنت واكتملت بخطٍ جميلٍ جذاب، تركت بصماتِها العميقة َ في نفسي. ملاحظاتُه ولغتُه وفّرتا لي فيما بعد، نموذجا ذوَّتُّـه في رؤيتي ووظفْتُه في عملي واستلهمْتُه في محطتين مفصليتين من حياتي العملية في حقل التربية والتعليم.
المحطة الاولى كانت سنة 1971، عندما اعلنت وزارةُ المعارف عن عطاءٍ لوظيفةِ تفتيش. رشّحتُ نفسي وقدمتُ اوراقي الثبوتيه ودُعيتُ لمقابلة لجنةٍ من خمسة اعضاء عرفت ُ منهم واحدا فقط هو الاستاذ مئير شماي الذي كان آنذاك نائبا لمدير المعارف العربية. طـرحَت اللجنةُ عليّ اسئلة عديدة منها السؤال التالي: “أنتَ شابٌ صغير السن، فكيف ستستطيع التعامل كمفتشٍ مع مديرين ومعلمين اكبر منك سنا ولربما في سن والدك؟”. تذكرتُ على الفور زيارتي الاولى الى مدرسة البقيعة والفائدة التي جنيتُها شخصيا من ملاحظات وتوجيهات الاستاذ حنا مخول الى طلاب دار المعلمين بحضوري، فاجبتُ قائلا: “التفتيش حسب رؤيتي التربوية ينبغي ان يكون ارشادا، والارشاد ليس بالضرورة ان يكون باتجاه واحد، إنما باتجاهين: إرشاد واسترشاد في آنٍ واحد”. لم أدرك في حينه وقعَ هذه الإجابة على اللجنة، ولكن الاستاذ مئير شماي أفشى لي بعد بضعة اشهر من مزاولة عملي كمفتش، أن إجابتي تلك حسمت الموقفَ نهائيا لصالحي.
المحطة الثانية كانت عشية خروجي الى تقاعد مبكر من وزارة المعارف بعد خدمة استمرت ثلاثين سنة. قمتُ بإجمال تجربتي في مجال إعداد المعلمين وإرشادهم، في فقراتٍ مكتوبة أسماها البعض،على سبيل الدعابة، “وصايا”، ومنها ما هو مُسْتلهَمٌ من الاستاذ حنا مخول وعشقِه للغة العربية، حيث كتبتُ: “إذا اردتَ لطلابك ان يحافظوا على عروبتهم، فاحفظ أنت اولا “عربيتك” سليمة ً وحافظ عليها والتزم باستعمالها وسيلة َ تواصلٍ مع طلابك، نُطقاً وكتابة ً، كمَعْلمٍ بارزٍ جدا من معالم إنتمائهم القوميّ”.
رحمك اللهُ يا معلما لم يُعلّمْني لكنّه علّمَني.
(المقالة بمناسبة ذكرى الاربعين)