أقام نادي حيفا الثقافيّ والمجلسُ المِلّيُّ الأرثوذكسيُّ الوطنيُّ–حيفا، الأمسيةَ الشّعريّةَ الأولى من سوق عكاظ الحيفاويّ، وسط حضورٍ مِن الأدباءِ والمُهتمّينَ بالشعر، بتاريخ 30-7-2017، في قاعةِ كنيسة مار يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة شارع الفرس 3 حيفا، حيث استضافَ كلًّا مِن: سوسن غطاس، وفاء فضل، إميل توما، وهلال الهندي، وقد تخلّلَت الأمسيةَ الشّعريّةَ مقطوعاتٌ موسيقيّة، مع عازفِ العود الفنان رمسيس قسيس، وتولّى عرافةَ الأمسيةِ المحامي حسن عبادي، بعدما رحّب المحامي فؤاد نقّارة رئيس نادي حيفا الثقافي بالحضور وبالمشاركين، وفي نهايةِ اللّقاءِ بارَكَ شيخُنا الأديبُ حنّا أبو حنّا هذا البرنامجَ الشّعريَّ، ووجّهَ بعضَ الملاحظاتِ البنّاءةِ، من أجلِ استمراريّةٍ مُجديةٍ ومُشرّفةٍ، ثمّ تمّ التقاطُ الصّورِ التّذكاريّة!
كلمة العريف حسن عبادي: باسمي وباسم نادي حيفا الثقافيّ والمجلس المِلّيِّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا نرحّبُ بكم، وأهلًا وسهلًا للمشاركة في هذه الأمسية الشعريّةِ، فالنادي الثقافيّ تأسّسَ قبلَ ما يزيدُ عن أربعةِ أعوام، بتركيزِ زميلي وأخي المحامي فؤاد نقارة. *في المرحلةِ الأولى بدأنا بقراءةِ كتابٍ شهريّ، (وحتّى اليوم بلغنا ما يقارب الخمسين كتابًا، بعرافةِ الأديب الأستاذ فتحي فوراني).
*وفي المرحلةِ الثانية قمنا بعقدِ ندواتٍ لتوقيع كتاب، مع أديب وكتاب وتوقيع الأديب عليه، (وبلغنا حتى اليوم ما يزيد على المائة أمسية ثقافية).*
أما في المرحلة الثالثةِ التي نحن بصددها فهي منبرُ الشّعر، ألا وهو سوق عكاظ الحيفاويّ. (تاريخيًّا؛ اشتهرَ سوقُ عكاظ كأهمّ أسواق العرب وأشهرها، وكانت القبائلُتجتمعُ في هذا السّوق شهرًا من كلّ سنة، يَتناشدون الشّعرَ، ويُفاخِرُ بعضُهم بعضًا، وقد أوردَ الخليلُ بنُ أحمد أنّ كلمة عكاظ في اللّغةِ قوله: (وسُمّي به لأنّ العربَ كانت تجتمعُ فيهِ كلَّ سنة، فيَعكِظُ بعضُهم بعضًا بالمُفاخرةِ والتّناشُد: أي يُدعَكُ ويُعرَكُ، وفلان يَعكِظُ خصمَهُ بالخصومة: يَمعكُهُ)، ومِن أبرز شعرائِهِ امرؤُ القيس، وعمر بن أبي ربيعة، والخنساء وزهير بن أبي سلمى.
نحن اليوم نعلن عن إقامة منبر شعريّ ومنصة لشعرائنا، مَن أصدرَ ديوانًا ومن لم يُصدر، فالبرنامجُ مفتوح لكلّ الناس ولكلّ الأجيال، معَ الحفاظِ على البوصلة؛ ألا وهي الانتماء، بحيث يَتوجّبُ أن تكونَ الهُويّةُ واضحةً، دونَ رقابةٍ وقيودٍ ولايكات، حيث أنّنا لسنا بصددِ مُسابقاتٍ وجوائزَ، لسنا ستار أكاديمي، أو سوبر ستار، أو إكس فاكتور.
لمحة عن سوسن غطاس: كانت عضوًا فعّالًا في جوقة يعاد للغناء مدة 18 عاما، ومسؤولةً عن القسم الأدبيّ مِن العروض، ككلمةِ الافتتاح، وإلقاء فقراتٍ شعريّة بينالأغاني، وبَعد توقُّفِها عن العمل في الفرقةِ لأسباب خارجةٍ عن إرادتها وإرادة المسؤولين، شعرَت بفراغ كبيرٍ وعزلةٍ ذاتيّةٍ في مساحات الروح، وبدأت تعي الطاقةَ الكامنةوالغيابَ الفنّيّ في داخلها، وحاجتها بأن تُعبّر عن ذاتِها وعن مشاعرها فبدأت بالكتابة، وأصدرت ديوانَها الأوّلَ وعنوانه “على متاهات الدنى”، وفي عام 2012 أصدرتديوانها الثاني بعنوان “فوضى الذات” . سوسن مويس غطاس مواليد 1960 في قرية الرامة الجليليّة، (وقد وعدتُها في محادثتنا الهاتفيّة، أن لا أقدّمَها كأخت أخيوحبيبي كميل مويس، أو كزوجة عضو البرلمان باسل غطاس، وها أنا أفي بوعدي) وتقول سوسن: ما يدفعني للكتابة، هو كلّ المَشاهدِ اليوميّة، والحالاتِ الكثيرة التيأتعرّضُ لها في الحياة، والتي تثيرُ في داخلي أحاسيسَ مُختلفة من حزن، وفرح، وحبّ، وغضب، واستغلال، وانتهازيّة، وظلم وكلّ المشاعر الأخرى، والوطنُ بالنسبةلي هو الحُلم والبحثُ والذاكرة، هو القريب البعيد، هو الصّليبُ والمَصلوبُ والمسْلوبُ، هو السّرابُ والصّحراء.
وجع المدينة/ سوسن غطاس: كانتْ ملجأً للغجَرِ الهاربين/ مِن وجع العشب الذابل على مَرقد الهزيمة/ وكنا في مينائها لاجئين على أكفّ الباعةِ المُتجوّلين/ وجادلي زينة شعر العرائس/ والمرجان المتحجر على الشواطئ/ أتَذْكر/ يوم اعتدنا إيقاعَ الهدير وروّضناه؟/ واليومَ/ مُدَّ يديك للبحر/ وانثرْ رمادَ الانتهاء على الموج الرابضِ بين حبّاته/ مسافة تصغر بين السماء والوجع/ تكبر المَراكبُ ويصغر المدى/ تسلّقْ على جراحنا/ تكَبَّرْ على موت الكرامة في هاماتٍ تصغر حدّ التلاشي/ مُدَّ يديك للبحر/قلْ له أن يكون الربّان والمرسى/ الهزائمُ مِن ورائنا وأمامنا/ ثمّ ماذا بعد؟/ اِركب موجَكَ أينما تأخذك الريح/ تعرّى في وجهِ الشمس/ حتى يطفو عسَلٌ على وجه الماء/وخبزٌ على زبد الموج/ ووردٌ على جباه عرائس البحر/ ما عاد مُتّسعٌ للنّدى في الأرض/ شاخت القطرةُ وجفّت الخيام/ اِركَبِ الماء/ وخذ نفسًا مِن حسك السمك/ سمك يموت في حوضه/ لا منفذ لماء ولا هواء/ مات النخيل في صحرائه/ هجّت النوارس نحو البعيد/ ثم ماذا بعد؟/ اُنثُرْ رمادَ الانتهاء من المراكب/ مات الحبُّ في قصص الأنبياء/ وانتهى عهدُ العدل في لعبة المدّ والجزر/ لا العاصفة تُبشّرُ بالرّكود/ والغجر يهربون من وجع العشب/ الذابل في مرقد الهزيمة/ مُدّ يديك للبحر/ ليكون الربّانُ والمرسى.
سدرة المنتهى/ سوسن غطاس: في صحرائك كنتُ أفعى تخلعُ جلدَها/ في احتضارٍ أو تَجدُّدٍ/ صحراؤك حين انفلتت مِن رملِها/ وتقلّبتْ على ظهْرِها/ تحاولُ رسْمَجسدِك هباءً/ لا وجوهٌ للصّحارى/ رأيتك تدخل في سرابك/ وتخرج رأسًا بلا جسد/ تبحثُ عن ظِلّك/ وتُبحرُ في عُمق الرّمال/ لتولدَ من بقاياك/ تستهويكَ شهوة/ تتجرّعُالآسيار/ تمزّق الفيافي إرَبًا/ تداخل بين جلدها ونحرك/ تحجبُ عنك الهواء/ ترتديها وتصير روحك/ توحّد لحدود الجنون/ تهلع العرافة من طالع الأساطير/ يستحيلُالرّملُ بحرًا/ تُبحران في هيجانِ الموج/ في سفنٍ بلا أشرعة/ مفتوحة للسماء/ الرّمالُ تبقى رهينةَ البحر/ وجلود الأفاعي/ المنفلتة من حيّزها/ سريالي حيّز المكان/ رملوماء وأثير/ وولوج إلى/ سدرة المنتهى.
جدتي بين الأسود والزيتيّ/ سوسن غطّاس: جدّتي كانت امرأةَ النخيل/ أتفيّأ بروحها من رعدِ الغموض/ صمتُها كان الكلام/ لمنديلها هدهدةُ أحلامي/ وحكايا بنت السلطان/ والإنس والجان/ سريرُها بات مهدي الأبدي/ علّمني كيف يصيرُ النومُ/ بعيدًا عن حوافي الموت/ آمِنْ/ تعمَّدتُ بدفء يديها/ في مواسم هجرات الحساسين/ إلى مواطن السُمَّن/ في ثوبها نكهة ُالزيتون والفيجن/ في يوم تراكم فضولي سألتها/ “خبريني يا ستي/ لماذا ثوبك دائمًا أسود/ سأحضر لك الزيتي”.
رمقتني بحزنٍ ثم قالت:/ “لا يا ستي/ ليرجع عمك”/ سألتها بغرابة:/ “مين عمي/ أنا لي عم؟”/ “عمُّك وراء حدود المكان”/ لم أفهم ما قالته/ كنتُ في عاميَ السادس/ شعرتُ بدموعها/ تنسالُ على وجنتي/ حين انحنيت لتقبيلها كعادتي/ أدركت بأنّ الأمرَ جلل/ في اكتمال عقدي الأوّل/ أذكر بردَه جيّدًا/ كان يومَ عطلتي المدرسيّة/ كنت أتسكّعُ في حلمي الصباحيّ/ باستسلام النسيم للفراغ/ بين حلمٍ ولا حلم/ فتحتُ عينيّ/ جدّتي جالسةٌ في سريرها/ والزيتيّ تماوجَ من رأسها/ بدت لي انتفاضة عمر/ من قمقم الحرمان/ هرولت مسرعةً/ والفرحةُ في ضلوعي/ “ستي لبست الزيتي/ ستّي لبست الزيتي”/ في ذلك المساء/ كان في بيتنا عرسٌ/ أقاربُ يتزاحمون/ وموائدُ تفتح/ بيتنا في حالة استثناء/ أتوه بين العيونِ/ أراقب الدموعَ/ ويرهقني اختلاطُ الدموعِ والفرح/ زارنا فرحُ الزيتي/ تلفعت عينا جدّتي/ بعبق الأمومة الشغوفة/ زغردت مثلما يعانقُ/ الصوتُ حنينَ الانتظار/ بكت وعانقت ثمّ نامت/ على تفتُّق الجراح/ وأنا أركض وأدور/ بين غربتي واغترابي وذهولي/ كلمح البصر/ لم أدرِ كم من أيامٍ مرَّت/ انتهتْ فسحةُ عودةِ الحياةِ لروحها/ حان موعدُ انكماشنا في حفنات اللوعة/ جدّتي وأنا/ رائحته لا زالت تعبق بصهاريجِ طفولتي/ نعم هذا عمّي/ أنا لي عمٌّ/ سيعود حيث/ رماه التشرّدُ خلفَ حيّزنا/ حين صار اللّجوءُ صليبًا وعلقمًا/ جدّتي ظلّت امرأة النخيل/ سنوات مرّت/ حلَّق نسرٌ فوق دارنا/ رفرف بجناحين/ حطّ رسالةً أخيرةً/ من وراء الحدود/ فيها صورةٌ/ لفّها شريطٌ أسود/ وعادت جدّتي/ للونها الأسود/ وصارت أيقونةَ شعبٍ/ تموت في أكباده الأحلامُ/ واليومَ أنا وابنتي/ في انتظار عناق أنوية البلح/ وأحلام امرأة النخيل/ وتفتح الألوان في شباكها القديم.
لون البلد/ سوسن غطاس: لا أحمر يشفيك/ من وجع الذلّ/ لا أصفر يردّ/ عنك مهانة الموت/ لا أخضر يتنفس من ربيع عمرك/ لا برتقالي يسقيك/ عصير البلاد/قم من لونك/ لتعود إلى انحناء/ العلم في ملامح وجهك/ قم إلى مجدك/ بانتزاع وجودك/ من مخالب قيصر/ كي تكون أنت/ تسامى ترفع اغفر/ تسامح وتسامح وتوحّد/ هي وأنت وكلنا/ لمصير الأحرار نصبو/ لطريق الكرامة نبحر/ على هذه الأرض/ زنابق تتفتح/ كلّ صباح/ فوق تراب مشى/ عليه أجدادك/ وكلّ الأنبياء/ فلا تساوم ولا تساوم/ على إرادة شعبك/ قال كلامه كله/ واختار خارطة العلم.
كلمة العريف حسن عبادي عن إميل توما: من مواليد 1991، رامويّ الأصل ومقيم في حيفا، وهذه المرّة الأولى التي يقف أمام جمهور. يقولُ: بين أحضانالموسيقا/ وبين أحضان المجتمع/ وبين الفراق واللقاء/ في المجتمع وبين الأهل/ ركز على انعكاس أفكاره حول قلمه/ واستنتج وأنتج على ورق/ ألما وفرحا واطمئناناذاتيًّا/ ومستوى ذات