رغم بشاعة الجريمة المنحطّة التي أقدم على اقترافها أفراد أكثر انحطاطا، وأقلّ ما يقال عنهم ، أنهم دون حيوانات الغابة، هذه الجريمة البشعة التي أسفرت عن حرق منزل بكل ما فيه من بشر وأثاث ، وراح ضحيته طفل بريء بكل ما في الأطفال من براءة، وأصيبت عائلته بجروح خطيرة، لا زالت تصارع الموت، من أجل البقاء.
رغم خطورة هذه الجريمة، إلاّ أنّ دلالاتها وخلفيّاتها، والمناخ الذي نمت فيه، أكثر خطورة من حياة طفل بريء، لم يتعلّم بعد ألف باء السياسة أو مقاومة الاحتلال، ولا كذب السياسيين ومكرهم ولا حتى نفاق البشر ومراهقة الشباب.
الطفل علي دبابشه وردة بيضاء لم تتلطخ بوحل الحياة.
بشاعة هذه الجريمة تنبعث من دلالاتها وخلفياتها وأرضيتها والمناخ الذي نمت فيه، جريمة كهذه لا تمو ولا تولد في فراغ !
إنّ السياسة التي انحدرت بعقول هؤلاء الحيوانات، وكثيرون مثلهم، هي المحرقة الأولى، وهي الجريمة التي لن تكون الأخيرة، والمختبر الأوّل ألذي تُطْبَخ فيه مثل هذه الجريمة، هذه السياسة هي التي أفْرزت وتُفْرِز هذه الجريمة وغيرها.
الاحتلال الرابض على صدور شعب، منذ نصف قرن، لن يطرح عسلا ولا لبنا ولا بُنّا، سيزرع قهرا في صدور الذين يعانون من قرف الاحتلال،وظلم الاحتلال، ويولِّد الاحتلال عند المعتدي الذي يرتكب الجرائم اليوميّة التي لا تقلّ بشاعة عن حرق هذا الطفل، أسلوبا وتقليدا وعنفا، يتحول مع الأيام إلى سلوك وتقاليد وعادات وأسلوب حياة، وحين تتحرّر الضحية، آجلا أم عاجلا، سيرتدّ هذا العنف إلى صدور أصحابه، وسيكونون ضحايا عنفهم وسلوكهم وجبروتهم.
كثيرة هي جرائم الاحتلال، لا تُعَدّ
لأوّل مرّة في تاريخ البشرية يُحْرَق نسان داخل جسده، كما حُرِق محمد أبو خضير!
أيّة عقوبة فُرِضت على المجرمين الذي أحرقوه محمد أبو خضير؟؟
هل هُدِمت منازلهم كما تُهدم البيوت العربية؟؟ هل أُبْعد أحد منهم؟؟ هم في السجن، قد يكون، لكن من يعرف نوع المعاملة التي يُعاملون بها؟
أليس هذا بحاجة إلى فحص؟؟
نافز دميري إسْكافي أصمٌّ وأبْكم من شعفاط، حين هرب من مصادمات بين الجيش ومن يدافع عن بيته، أطلقوا النار عليه فأصابوه بعينه، فقد عينه وعمله وأصبح عبئا على عائلته، هل اعتدى على أحد؟ حتّى مستوطن مُعْتَد وقح؟؟
بماذا عوقب الجندي الذي أطلق النار عليه؟
قد يُكافأ أو يُرقّى!!
الاعتداءات شبه اليوميّة التي تتعرض لها الأماكن المقدسة، إسلامية أو مسيحيّة، والاقصى خاصة ، على مرآي من عيون جيش الاحتلال وتحت حمايته، وأمام ألوف المسلمين والعالم، يُمْنع المسلمون من الصلاة، ويحاصرون في جانب من باحة الحرم المقدس، حتى ينتهي هؤلاء الحيوانات، زعران المعتدين من بشاعة أعمالهم.
القتل المتكرر،والاعتقالات، والتعديات، أمثال أمناء الهيكل، وتاج محير، وسوائب المستوطنين، بقيادات أعضاء كنيست، أو نوّابهم، من اليمين المتطرف، تحت حماية جنود الاحتلال، وبتغطيّة من سياسة حكومات إسرائيل، والأبرتهايد الفريد في نوعه، كل هذا خلق مناخا ملائما وأرضية ينمو فيها التطرف والعنصرية
استنفار الفرق العسكريّة، واستنكار نتنياهو، وبعض المسولين، ما هي إلاّ محاولة لتجميل الصورة المشوهة لإسرائيل في نظر العالم، بسبب جرائم الاحتلال،
وليس للبحث عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة، بالإضافة إلى أن هذا الاستنفار ما هو إلا استعدادا للتصدي لردة الفعل العربية على هذه الجريمة البشعة.
ماذا حققت هذه الفرق العسكرية بعد أربعة ايّام؟؟
هل قبضت على المعتوه سلفا؟؟
إن من يكابر وينكر عنصريّة هذه السياسة، ليقرأ ما كتبه كثير من المُعَقِّبين على استنكار رئيس الدولة رؤبين ريفلين عن هذه الجريمة القذرة، وهذا العمل المنحط،
كتبت أحدى المعقبات تخاطب رئيس الدولة: “أيُّ ضرر جلبت على الدولة، إذا قررت أن تكون خرقة، فليس على حساب شعب إسرائيل، أترك منصبك، واركع كما تشاء أمام الأعداء، أنت لا تُمثِّل أحدا من الشعب” وأضافت “حقا تثير الاشمئزاز، أنت متّهم بالتشهير” !!!!
مثل هذه الردود الوقحة، صورة لما يدور في أذهان السفلة الذين أقدموا على فعلتهم في دوما، ومُلخّص للسياسة العنصريّة التي نمت في مناخ حكومات إسرائيل،
إنها لم تولد من فراغ، أنها نمت في مشاتل ومزارع العنصرية والأبرتهايد واليمين المتطرف.
هذه العنصريّة قد يكون ضحيتها عرب كمحمد بو خضير ومحمد الدّره وعلي دبابشه وغيرهم، لكنها حين تصبح سلوكا وأسلوبا وتقليدا وفكرا وايديولوجية، ترْتدّ إلى صدر صاحبها ليكون الضحية الأخيرة.
2015/8/2