*حضور منقطع النظير حظيت به المسرحية على مدار العروض التي جرت على خشبة مسرح ” النقاب” في عسفيا، كانت تمتلئ كراسي المسرح والحواشي المحيطة بها بالحضور فيضطر عدد كبير من الجمهور إلى العودة إلى بيتهم للحضور في اليوم التالي لمشاهدة المسرحية، هذا الإقبال كان مفاجئًا ولم نعهده في السابق، ويعود ذلك لعدة أسباب منها ما يحمله مؤلف المسرحية طيّب الذكر المرحوم الشيخ الفنان مجيد أبو ركن من محبة واحترام في القرية وخارجها، ومنها المخرج صالح عزام الذي استطاع أن يبني المسرح ويواصل مسيرة الفنان المرحوم. ولعل من ابرز أسباب النجاح هو العمل الجماعي الذي جاء بالثمار، إدارة المدرسة الثانوية “اورط رونسون” التي أرادت أن تكتشف مواهب طلابها الفنية وترعاهم فاتفقت مع إدارة مسرح “النقاب”، ولجنة الأهالي التي رمت بثقلها في هذا الاتجاه، كل ذلك وغيره أنتج الأجواء الحاضنة لطلاب المدرسة، الذين سموا بإبداعهم إلى مرتبة من الأداء المهني، حيث انسجموا مع أدوارهم إلى أقصى درجات الانسجام، وهذا مما يشير بوضوح بأن مجتمعنا يمكنه أن يحلق في الأعالي إذا توفرت الرعاية الصحيحة والظروف الملائمة، فمثل هذا العمل يدب الأمل في حياتنا وينشر السعادة في نفوس المشاهدين.
* المسرحية: تتطرق إلى شوائبنا الاجتماعية بشكل تراجكوميدي وقد يرجح فيها الطابع الكوميدي، تتحدث عن الشائعات الكاذبة وبطش أصحاب النفوذ الذي يكلف مجتمعنا غاليًا وخاصة الفقراء.
“منثورة” بطلة المسرحية، شابة جميلة تهرب مع أمها من الحي الذي تسكنه وتحل في حي آخر وذلك بسبب الشائعات الكاذبة وهناك يحوم حولها الشباب بل يتنافسون لطلب يدها ولكنها ترفض العروض بسبب الشائعات، وقد استطاعت المسرحية تصوير الأجواء التي كانت سائدة قبل أكثر من”50″ عامًا بشكل جيد إلى حد بعيد، إلا أني أعتقد بان تصوير المختار وكأنه يسيطر على الوضع سيطرة كاملة وانه ملاك لم يكن دقيقًا، فنحن نعلم بان هناك ، وفي كل مكان أكثر من طرف ويدور الصراع بين هذه الأطراف على احتلال مراكز القوى، وهذا ما لم يظهر في المسرحية كي تكون متكاملة من كافة جوانبها، في النهاية تدحض الشائعات وتظهر الحقيقة.
انتصار الخير هي الرسالة التي أراد أن يوصلها الكاتب، وهي رسالة كافة الألوان الأدبية، صحيح بان من مهمات الأدب، تنمية الضمير الإنساني، ولكن قد تختلف الآراء حول الأسلوب، منها مثلًا من يفضل الابتعاد عن المباشرة و تسريب الرسالة في غضون الأحداث بشكل معقد إلى حد ما، فالرمزية من شأنها أن تضفي جمالية فنية على العمل، والتجديد في عالم الأدب والفن هو أن النهاية تبقى مفتوحة كي يحمل القارئ أو المشاهد الأفكار المطروحة ويشارك ذهنيًا في الوصول إلى الحل، كل حسب فكره وخياله.. يجب أن لا يعود المشاهد إلى بيته مطمئنًا ليسترخي سعيدًا بسبب انتصار الخير في النهاية، يجب أن تحرضه الأحداث لتحثه على المساهمة في الإصلاح، ولا مانع أن يجري المخرج بعض التعديلات إذا أضاف ذلك جمالية فنية أخرى على العمل.
* الديكور: الديكور الذي صممه الفنان رضوان منصور كان رائعًا للغاية وقد غطى جميع احتياجات مشاهد المسرحية.
* الموسيقى التصويرية: كانت ناجحة، استطاعت أن ترافق المشاهد بتقنية عالية.
* الدبكات: التي صممها (الفرتيك) عماد أبو ركن كانت أكثر من رائعة، لقد أعادتنا إلى الأجواء الفنية اللبنانية وهي في قمة العطاء، لقد كانت منسجمة مع النسيج الدرامي للمسرحية، انسجامًا متناهيًا إضافة إلى (السكتشات) الغنائية المعبرة والمنبعثة بعذوبة، كل هذا التناغم دفع النشوى والبِشر في نفوس المشاهدين.
* الملابس: كنت أفضل أن تتغير بين الفينة والأخرى لتضفي دينامكية أخرى على المشاهد، فليس من المعقول أن يبقى مثلًا المختار في نفس الملابس على طول المساحة الزمنية للمسرحية، كما كان يتطلب الأمر على الأقل، أن تظهر” منثورة” في أكثر من مظهر.
* الأداء: لا نستطيع إلا أن ننحني أمام أداء الممثلين، طلاب المدرسة.. فلذات أكبادنا، تقديرًا وإجلالا، لقد استطاع هؤلاء الطلاب أن يخرجوا عن ذاتهم ويتقمص كل دوره بتقنية متناهية، لقد ادت ” منثورة” بطلة المسرحية دورها، بل أدوارها غاية في الفنية والإتقان، حيث كانت نظراتها الثاقبة تتحدث، كانت تبتسم، وتذرف الدموع حين كان الدور يتطلب ذلك، كان هناك انسجام تام، بين الكلمة والحركة.. بين القلب الذي نبض واللسان الذي عبر عن هذا النبض.
أعزائي.. طلابنا الأحباء.. انطلقوا في كافة المجالات فلا شيء يسعدنا أكثر من ذلك.
* تاريخ المسرح والدبكة في عسفيا
صدر حديثًا كتاب ” تاريخ المسرح والدبكة في عسفيا ” الذي يوثق الحركة الفنية وخاصة المسرحية والدبكة منذ سنة 1946 حتى اليوم وذلك من خلال مسيرة الفنان المرحوم الشيخ مجيد ابو ركن، يستعرض الكتاب المسرحيات التي عرضت في قرية عسفيا منذ التاريخ المذكور ويتحف القارئ بالصور الشاهدة على الأعمال الفنية من مسرحيات ودبكة، ويعرض ذكريات شخصيات محلية كانت على علاقة بالفن والفنانين إلى أن يصل إلى أيامنا هذه ونشاطات مسرح ” النقاب”
الكتاب شيق للغاية يمكن أن يمد الجيل الحالي بالمعلومات ويطلعهم على سير الأمور الحياتية التي مر بها الآباء. ننصح بمراجعة الكتاب الذي فيه الفائدة والمتعة الكبيرة معًا.