سمعنا ونسمع جميعاً بين الحين والآخر أمثالاً تتناقلها الالسن في الاجتماعات واللقاءات والمناسبات،
تأتي طوراً للدلالة على أمر معين أو للاشارة الى عمل ما حدث أو قد يحدث بين الافراد والأسر
والمجموعات وعلى سبيل المثال:
“الحسود لا يسود أبداً” و “ماذا يفعل الحاسد مع الرازق؟”. أمثالاً كهذه وغيرها ربما قيلت نتيجة تجربة
أو تجارب قد حصلت لبعض الناس أو على الاقل للذين قالوها وهم في هذا السّياق خير من يصدّق.
فالحسود هو ذلك المرء الذي يحسد الآخرين، ويحسد غيره على نشاطه وكفاحه وحيويته، أو على رزق أنعم عليه الله به نتيجة تعبٍ مضنٍ، نتيجة عمل دؤوب، نتيجة مثابرة ودون كلل أو ملل، ونتيجة صراع متواصل وطويل مع الحياة والمشاكل وما يعترضه على طريق تحقيق الاهداف التي كان هذا المرء قد وضعها نصب أعينه في نطاق خطةٍ مدروسة لا تشوبها شائبة، وبشكل موضوعي دون الاكتراث بما يقوله الغير بغية الوصول الى مبتغاه ، الى ان يقوده ذلك الى قطف ثمار تعبه وتحقيق ما يصبوا اليه، فتراه ينعم بالعيش وبالحياة السّعيدة وربما بثروة قد حصّلها بعرق جبينه.
وترى الانسان الحاسد يتتبع خطوات هذا المرء أو ذاك وهو راقد في بيته دون حراك، دون مبادرة، تتخبط أنظاره على هذا وذاك، ويكثر من اللغو والحط من قيمة هذا المرء أو ذاك، ليس لخطأ كان قد أرتكبه أو لجريمة قد أقترفها وانما للحسد القاتل الذي يأتي فقط من باب الحسد.
وإذا تفحّصنا الامر أكثر لوجدنا هذا الحاسد نفسه يرنوا الى هذا الانسان الناجح المثابر والمتطور والخلوق يرنوا ليراه في ضيق كبير ويأمل له كل فشل وعكس ما، ليس لسبب ما كما ذكرتُ وإنما بخاصة ولتحسّن اوضاعه ولتفوقه.
فهذا الحسود كما جاء في الامثال حقاً لا يسود، وما يمكن ان يقال في مثل هذا الظرف هو أنه ” ماذا يفعل الحاسد مع الرازق”؟؟
فالله سبحانه وتعالى يعطي بسخاء هذا الانسان الجاد الذي يحلم ليل نهار بالانجاز ونيل لقمة العيش الحرة النقيّة النابعة عن عملٍ وكدٍّ نظيفين لا عن حسدٍ وعن مجاراة الغير بعين فارغة وبحسدٍ مغموس باللؤم والنوايا السّيئة.
وللمرء المكافح من أجل عيش كريم، ومن أجل التقدم والانجاز والتطور والمبادرة للاعمال الخيّرة ومن أجل مصلحته ومصلحة هذا المجتمع أقول له ولا مثاله:
أصبر على مضض الحسود فان صبرك قاتله
النار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله
حقاً النار تأكل بعضها أن لم تجد ما تأكله، حيث ان هذا الحاسد سيقبع في منزله يلملم اوراقه وحيداً، ولا ينفعه الحسد ، وقد يؤدي به الامر الى امور لا تحمل عقباها وربما الى الهلاك والضياع.
والأصعب من ذلك، عندما يجسدُ هذا الحسد في جسم انسان حقود، واذا تمازجا معاً اي الحسد والحقد، ربما يهلك صاحبهما جسمانياً، صحياً وعقلياً ويقوده بالتالي الى امور هو والمجتمع بغنىً عنها كلياً.
فالحسد والحقد اذا اتفقا معاً وتوغلا في نفس شخص واحد، مما لا ريب فيه مصير هذا المرء عسير جداً، نعم عسير جداًلما قد يفعله هذا الحسد وذلك الحقد في شخصيته حيث ان هذه المطية مطية ضعيفة، هزيلة في المضمون سمينة وبالغوغائية ولا يمكن في يوم من الايام ان تسفر عن نتائج حسنة او طيبة لا لصاحبها ولا لغيره ، وانما يكون مصيرها الضّياع عاجلاً ام آجلاً وبطرق عديدةومتنوعة لا يعلم بها سوى رب العالمين.
والأخطر من ذلك ان يكون هذا المرء الذي يجمع في نفسه الحقد والحسد معاً موضعاً للشك في كل ما يفعل، وتغيب نتيجة لذلك عن باله كل الانسانيات، فقد يطغى عليه الحقد ويقوده الى اتخاذ خطوات لا اخلاقية، خطوات تضعه في نهاية المطاف في مأزق لا يمكن الخروج منها من خلال تفكير العقيم، من خلال اعتقاده بأنه لا يمكن لأحد ان يردعه حسب رأيه، هذا بالطبع رأي خاطئ كل الخطأ، وربما يكون هو المخطئ الاول وهو المجازف المخدوع، مخدوع بنفسه، ويظن أن حقده وحسده قد يحقق هدفه ويشفي غليله من هذا المرء أو ذاك.
فليدرك هذا المرء ان الامر ليس هكذا، ويستمر ذلك المرء بحياته الهنيئة وبانجازاته الجمّة والمتواصلة يوماً بعد يوم، ويهنأ عيشه أكثر وأكثر وذلك القابع الحسود والحقود يتخبط فيما هو عليه وحالة من سيء الى أسوأ.
وربما يزيد المرء عجباً وتعجباً مع أكثر من علامة تعجّب عندما يرى ويعي وعن قرب ان ذلك الحسود الحقود الذي اسندت اليه مسؤولية معينة في إطار اجتماعي او جماهيري معين، تراه وبكل وقاحة يحاول استغلال هذه المسؤولية للنيل ولو بالقليل من ذلك المرء الذي اعطاه الله وغناه ومنَّ عليه وسدّد خطاه، تراه يعمل جاهداًلعرقلة ما يمكن عرقلته من مصالح تخص هذا المرء، وكذلك لا يخفي ضغينته وحقده، وربما يتفوه بها مسنداً ذلك الى الانظمة والتعليمات المعمول بها، الا انه يخفي وراءها لؤمه وحقده ونواياه الخسيسة التي تظهر وتبرز شخصيته على حقيقتها وعلى مآربها اللا اخلاقية واللا إنسانية، فاذا تابع نهجه هذا لا بد الاّ وسيقبع اخيراً وحيداً دون منازع ليكون بعيداً عن المسؤولية التي انيطت به وعندها يجني ثمار ما عبثت يداه.
وهنا لا بد من التنويه الى امور يترتب على المرء اياً كان ان يدرك جيداّ ان الحسد والحقد هما مطية ضعيفة ، نعم مطية ضعيفة كل الضعف لانها نابعة عن ايمان ضعيف، عن نوايا خبيثة وغير سليمة، نابعة ربما عن كراهية لا مكان لها، نابعة عن شوائب لا تمت الى الانسانية بصلة وربما تكون سبباً في إحتقان ضغائن قد تؤدي بالتالي الى عواقب خطيرة، هو نفسه والمجتمع كله بالغنى عنها وبالتالي المتضرر الوحيد فيها على الغالب هو نفسه فقط.
والأفضل ان يضرب المرء عرض الحائط انواع الحسد والحقد مهما بلغت مقوماتها وذروتها وسلبياتها واستبدالها بالحيوية الايجابية وبالتسامح والنوايا الطّيبة لان في ذلك صلاح النفس والافراد والاسر والمجتمع برمته.