*المؤامرة التي استهدفت درعا والقنيطرة وكل الجنوب السوري فشلت وسقطت. وكان لنشامى الطائفة المعروفية الكريمة دور كبير في دحر هذه المؤامرة، التي راهن عليها الكثيرون، من عرب وغير عرب. وكان طبيعيا ان تسقط ورقة نتنياهو في التلاعب على هذا الوتر الحساس*
بقدرة قادر تعلن اسرائيل انها لن تسمح باستهداف دروز سوريا من قبل الجماعات المسلحة. كذبة كبرى اطلقها المسؤولون الاسرائيليون حتى تجد من يصدقها، ولكن لا احد يمكن ان تنطلي عليه هذه الكذبة، وهذه اللعبة التي مارستها اسرائيل مع الآخرين في ظروف اخرى واوقات سابقة. هل تذكرون حين اشترت اسرائيل بعض الضباط اللبنانيين المحسوبين على الطائفة المارونية الكريمة، امثال سعد حداد وانطوان لحد، وادّعت انها ستحمي مسيحيي لبنان؟! وصدّق هذه الكذبة وقتها حزب الكتائب، وحزب الاحرار التابع لكميل شمعون، وتعاون بشير الجميل مع شارون حين غزا لبنان عام 1982 ونصّبوه رئيسا لساعات قليلة قبل ان يتم استهدافه وازاحته نهائيا عن المسرح..! وقد قلنا وقتها ان اسرائيل لا يهمها مسيحيو لبنان ولا غيرهم، وانما تسعى لخدمة اهدافها. فكان تشكيل الجيش العميل او ما يسمى بجيش “جنوب لبنان”، كذراع للمحتل الاسرائيلي. وحين اجبرت المقاومة اللبنانية الباسلة هذا المحتل على الانسحاب من الجنوب عام 2000، تحت ضربات المقاومة، حمل الاحتلال عصاه ورحل تاركا وراءه العصابات العميلة، التي التحق بعض قادتها بالجنود الاسرائيليين المنسحبين على عجل، وتحت جنح الظلام. فالاحتلال اراد انقاذ نفسه، ولم يعمل حسابا للمسيحيين الذين ادعى انه حاميهم. وحتى انه ترك عملاءه ولم يأخذهم في اعتباره او حساباته، لانهم لم يكونوا اصلا ضمن دائرة الاعتبار.
ومسيحيو لبنان، وخاصة ابناء الطائفة المارونية، استوعبوا الدرس، وفهموا الاسرائيلي على حقيقته، وهم اليوم اشد عداء لإسرائيل من طوائف لبنانية اخرى. فقد رأوا كيف تنكّر لهم هذا “الصديق”، والقى بهم حين فقدوا الاهمية بالنسبة له. ولسان حالهم يقول: “رمتني بدائها وانسلّت”. والذي يعرف الاسرائيلي جيدا يلاحظ ان السياسة الاسرائيلية ومنذ زمن بعيد تتلاعب بالاقليات الاثنية والطائفية في العالم العربي لمصلحتها. فقد دسّت أنفها مع اكراد العراق، ليس حبا بهم وانما لإضعاف هذا البلد العربي وتمزيقه، ونجحوا في ذلك الى حد كبير، ودسّ الاسرائيلي أنفه في جنوب السودان، وساعد المتمردين على الحكومة المركزية، وافلح هنا ايضا حين تم سلخ الجنوب عن باقي اقاليم السودان.
واليوم حين يدسّ الاسرائيلي أنفه، بحجة الدفاع عن دروز سوريا، واضح تماما ان هذا المحتل لا يذوب عشقا في حب الدروز، ليس في سوريا فقط وانما في الجليل والكرمل ايضا. فقد عمل هذا المحتل، ونجح الى حد ما في محاولاته سلخ اخوتنا الموحدين الدروز عن عروبتهم، وفرض عليهم قانون الخدمة العسكرية الالزامية تحت المسمى الكاذب “حلف الدم”. واستفاد على مدار نصف قرن من هذه اللعبة القذرة، لكن النشامى من ابناء الطائفة المعروفية العربية الاصيلة لم يسلّموا بالامر الواقع. وقامت اللجان التي تعارض التجنيد، وقاوم المئات هذا القانون الجائر ودخلوا السجون، برفضهم ان يكونوا تابعين لجيش الاحتلال. ولم يشفع للدروز انهم دفعوا ثمنا غاليا من خيرة ابنائهم في حروب اسرائيل العدوانية. فالتمييز ضدهم لا يحتاج الى دليل، فقد صودرت ارضهم مثل اخوتهم باقي الجماهير العربية، ولم يحصلوا على حقوقهم المدنية كاملة نتيجة التمييز ربما اكثر من غيرهم، فكيف لهؤلاء الذين اكتووا بالنار ان يصدقوا اكاذيب والاعيب اسرائيل في الدفاع عن دروز سوريا، في حين ان الجماعات الارهابية التي تهددهم، وتهدد باقي السوريين، هي عميلة لاسرائيل، سواء كانت جبهة النصرة او الجيش الحر، او اي مسمى آخر؟! وهي التي تداوي جرحاهم ليعودوا مرة اخرى الى سوريا من اجل اضعافها و تمزيقها.
والإخوة المعروفيون يعرفون هذه الحقائق، ولا تنطلي عليهم الاكاذيب والألاعيب، فالموحدون الدروز في الهضبة السورية او في جبل العرب، في السويداء او حضر، هم عرب سوريون ومن نسيج المجتمع السوري، وابناء بررة لوطنهم الذي ما خانوه يوما وانما كانوا حماته والمدافعين عنه. وهم قبل غيرهم ثاروا على المستعمر الفرنسي في الثورة السورية الكبرى، بقيادة الوطني المجاهد الكبير سلطان باشا الاطرش، احد اهم الرموز القومية العربية في عصرنا الحديث. ان المسلمين الموحدين الدروز في سوريا ليسوا بحاجة الى احد للدفاع عنهم، فالجيش العربي السوري هو جيشهم، والدولة السورية هي دولتهم، والوطن السوري هو وطنهم، والذي نعرفه عنهم انهم اشداء في الدفاع عن هذا الوطن، كما كانوا على الدوام. فهم الذين هبّوا مؤخرا، رجالا ونساء، مع جيشهم في الدفاع عن مطار الثعلة، وكسروا امواج الارهاب هناك. وهم الذين تصدّوا مع جيشهم في مواجهة ما سمي “بعاصفة الجنوب”، وتمكّنوا جيشا وشعبا، من سحق الموجات التي تلاحقت، وهي الاعنف منذ خمس سنوات وتم كسر المهاجمين، وتدمير اوكارهم، وقهر قياداتهم، وخسروا المئات من القتلى، ومئات اخرى من الجرحى واندحروا تماما، وهزموا شر هزيمة.
وفي ظني ان قادة اسرائيل اسقط في ايديهم بعد اندحار هؤلاء العملاء المرتزقة، بعد ان راهنوا عليهم. فالمؤامرة التي استهدفت درعا والقنيطرة وكل الجنوب السوري فشلت وسقطت. وكان لنشامى الطائفة المعروفية الكريمة دور كبير في دحر هذه المؤامرة، التي راهن عليها الكثيرون، من عرب وغير عرب. وكان طبيعيا ان تسقط ورقة نتنياهو في التلاعب على هذا الوتر الحساس.
والشيء الغريب في السلوك الاسرائيلي البائس لجوء جيش الاحتلال لنقل جرحى الجماعات المسلحة من قلب بلدة مجدل شمس في الهضبة المحتلة. وكان هذا استفزازا لمشاعر ابناء الجولان السوريين الابطال. وحدث ما حدث لاثنين من هؤلاء الجرحى، والاحتلال وحده هو المسؤول عما اصاب هؤلاء الخونة، وليست الجماهير الغاضبة التي استفزت في شرفها وكرامتها. كما ان مظاهرة نشامى حرفيش في الجليل الاعلى كانت في الاتجاه الصحيح. فليس معقولا ان تدعي اسرائيل حرصها على الدروز، وفي نفس الوقت تساعد وتنقل جرحى هؤلاء الذين يهددون الدروز. ان ازدواجية المعايير لم تنطل على اخوتنا المعروفيين، سواء في الجليل او في الجولان او في جبل العرب. اما الذين تباكوا على ما حدث مع جرحى العصابات المسلحة، سواء كانوا من مشايخ الطائفة او غيرهم، واستنكروا ما حدث، فقد كان اولى بهم ان يوجّهوا لومهم وغضبهم للذين زجّوا بأنوفهم في هذا الأتون الملتهب، فالذي حدث كان نتائج وليس اسبابا. واذا كانت اسرائيل حقا تريد مصلحة الدروز، او الامن والاستقرار في المنطقة، فان المطلوب منها ان تسحب أنفها من الازمة السورية والتدخل بالشأن السوري. واذا ارادت الاستمرار بالاصطياد في المياه العكرة فهي وحدها التي تتحمل كل المسؤوليات المترتبة على الزج بالأنف في هذا المستنقع.
ولا يسعني في نهاية هذه الحديث الا ان احيي الروح الوثابة لدى اخوتنا العرب المعروفيين في الكرمل والجليل، فقد عادت لهم الروح العربية الاصيلة، وقد استيقظوا من سبات ليكونوا سندا لشعبهم، مثلما شعبهم هو السند الباقي لهم في كل العقود والقرون المقبلة. وسيبقون الجوهرة الثمينة واللؤلؤة الغالية في عقد الامة. فلقد فشل مخطط “الدرزنة” الاسرائيلي الهجين، فهذا المعدن الثمين يثبت، بما لا يدعو مجالا للشك، كم هو ثمين حقا..!!
الأثنين 6/7/2015