“نحن أبناء السويداء من فعاليات وجمعيات مدنية وأهلية واجتماعية ومن مثقفين وأكاديميين ورجال دين نعلن أن حصانتنا لا تكون إلا بسوريتنا، وان السويداء هي جزء لا يمكن فصله عن سوريا الام. كما نرفض الانضواء تحت اي عنوان لا يكون سوريا خالصا بامتياز وأننا نرفض كل التصريحات التي جاءت على لسان قادة الكيان الصهيوني وادعاءهم الخوف على ابناء السويداء وأننا نعتبر هذا جزء من مخططهم التقسيمي للمنطقة. وهذا ما لم نقبل ولن نسمح به ونؤكد اننا لسنا بحاجة ال احد للدفاع عنا. ونفتخر بكوننا مكونا من مكونات الشعب السوري الذي يسعى ان يعيش مواطنيه بالطريقة الاسمى. كما نعتز ونفتخر بسوريتنا التي هي ضمانتنا الوحيدة وخيارنا الاول والأخير”
هذا ما جاء في بيان أهالي السويداء مطلع الاسبوع حيث وقع عليه كل، واشدد على كل، قيادات السويداء.
اخترت ان افتتح مقالي بهذا البيان لأنه يضع المسمار ألأخير في نعش اكثر من مخطط حاول من حاول تسويقه في الشهر الاخير وهو موضوع هذا المقال.
مخطط “دويلة درزية” او منطقة حكم ذاتي للدروز!!
بعد دخول السويداء الى خط المواجهة في الحرب السورية في مطلع هذا الشهر عاد العديد من القيادات الاسرائيلية والدرزية للتداول بهذا المخطط، وهو مخطط اسرائيلي يعود الى عام 1967 فور احتلال الجولان السوري، حيث افشله يومها اهلنا المعروفيون السوريون واللبنانيون. في مطلع هذا الشهر عاد الشاباك والموساد الاسرائيلي لطرح هذا المشروع بقوة ضمن مشروع أكبر لتقسيم سوريا، وطرح على قيادة اهلنا في جبل العرب ورفضوه جملة وتفصيلا بغض النظر عن موقفهم من النظام.
قبل اسبوعين تقريبا كتبت على صفحتي في الفيسبوك ما يلي “جبل العرب الأشم أعلى بكثير من أن يقرر مصيره في واشنطن والدوحة وتل-أبيب… والبقية ستأتي.. ورد الأهل سيكون في المعركة” وها انا آتي بالبقية.
لم اكتب حينها من فراغ، كتبت هذا بعد يوم من اجتماع في مقام النبي شعيب عليه السلام في حطين، اجتماع حضره فقط رجال دين لأن هدفه الاساسي هو القيام بفروض دينية. ولكن في هذا الاجتماع تم ابلاغهم ان العمل جاري بمسارات مختلفة على اقامة “دولة درزية” ضمن مشروع تقسيم سوريا، هذا المشروع برعاية امريكية وبضمانات اسرائيلية وأردنية وتركية وقطرية وسعودية. هذا ما تم الابلاغ عنه الى جانب ابلاغهم ان وليد جنبلاط شخصيا يجري اتصالات بهذا الموضوع مع اهلنا في الجبل، اضافة الى شخصيات محلية لا اريد ان اذكر اسمائها بهذه المرحلة.
وهنا اريد ان اؤكد ان رجال الدين لم يكونوا جزءاً من المشروع بل فقط تم ابلاغهم وجس النبض لمواقفهم بالنسبة للمشروع. اهلنا في جبل العرب رفضوا هذا المشروع وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا وتمسكهم بالنسيج الاجتماعي لوطنهم، ولذلك رأينا في تلك المرحلة بيانات من كل مشايخ العقل، كل على حدة يؤكدون هذا الموقف. وكذلك من الشيخ وحيد بلعوس الذي اعتقد البعض انه سيدعم هذا المشروع نظرا لانتقاده للنظام، ولكنه خرج هو الآخر بأكثر من بيان ليؤكد رفضه للتقسيم وحرصه على وحدة الجبل خاصة وسوريا عامة لكل ابنائها.
التدخل “السري” الذي لا يستطيع نتنياهو الحديث عنه
التعاون بين اسرائيل وجبهة النصرة بات واضحاً، معالجة ارهابيي النصرة هو الدرجة الأدنى من هذا التعاون. بعد ان تتم معالجة هؤلاء يعودون الى سوريا لمواصلة القتال، ويتم استخدامهم من قبل المخابرات الإسرائيلية كمعاونين لنقل المعلومات وتلقي المشورة العسكرية. السر الذي تحدث عنه بيبي نتنياهو من على منصة الكنيست هو ان تتجنب جبهة النصرة البطش في القرى الدرزية مقابل ان تسلّم هذه القرى نفسها الى جبهة النصرة، وتترك دعمها للنظام. قرية حضر افشلت هذا المخطط وبقيت كشوكة في حلق النصرة في الجبهة الجنوبية، وهي محاصرة منذ عشرة ايام ومع كل يوم يزداد التقدير العسكري بأن الجيش السوري سيعيد السيطرة على التلال الحمر قبل ان تخضع حضر، لأنها وبكل بساطة لن تخضع. وهنا جاء الضغط من بعض ضئيل من “القيادات” المحلية لأن تخضع حضر مقابل ان لا تتعرض لأي اذى. ومما يتناقله اهل حضر أن هذا الضغط جعل اسرائيل تؤمّن دخول قيادات درزية محلية الى حضر، بالاتفاق مع جبهة النصرة لتأمين ممرهم وعودتهم بسلامة، وبالفعل دخل وعاد بعض القيادة الى حضر ولكنهم عادوا بخفي حنين، لان اهالي حضر رفضوا الخضوع ورفضوا الحماية الاسرائيلية. هذا ما اكده أهالي حضر.
وجب التنويه ان لا احد يشكك بان محرك الشخصيات القيادية المحلية هو حرصهم على سلامة اهلنا في حضر، واعتقادهم ان هذه الصفقة كفيلة بحمايتهم. اما محرك اسرائيل فهو مختلف تماماً، فمصلحة اسرائيل هي استمرار الحرب السورية لأطول فترة ممكنة وبهذا يتم انهاك المقاومة اللبنانية وسوريا ويجنب اسرائيل جولة اخرى من الحرب على الجبهة الشمالية، او على الأقل يؤجلها لعدة سنوات.
انا ادّعي ان التقييمات العسكرية الاسرائيلية (عسكرية بمعنى القيادة العامة، الموساد والشاباك) تشير الى ان جبهة النصرة وفي حال دخلت لمواجهة في جبل العرب ستنال الهزيمة النكراء، وذلك لوعي اسرائيل بالموروث النضالي لأهالي جبل العرب الذي يدفعهم للقتال حتى آخر رمق. الموروث النضالي هو عامل اهم من الآليات العسكرية، هذا ما اثبته الفيتناميون في حربهم مع الولايات المتحدة، كوبا في صمودها لأكثر من ستين عام امام الحصار الأمريكي، الشعب الاسباني في قتاله للطاغية فرانكو، الجيش الأحمر في كسره للوحش النازي. للموروث النضالي قوة لا يمكن مقارنتها بقوة الجيوش، ولأهالي الجبل موروث نضالي منذ معركتهم مع ابراهيم باشا وحتى الثورة العربية الكبرى، حين فقد جبل العرب ثلث رجاله في مواجهته للاستعمار الفرنسي، عندما كانت فرنسا دولة عظمى. هذا الموروث محفور في وجدان جبل العرب، وإسرائيل تعلم هذا وتعلم ان اي معركة هناك ستكون نقطة التحول في الحرب السورية وهذا ما لا تريده. اي ان اسرائيل تريد حماية الارهاب التكفيري من جبل العرب وليس العكس.
اهلنا في جبل العرب ارادوا ان يقطعوا الشك في اليقين وأصدروا البيان الذي افتتحت به مقالي مطلع هذا الاسبوع. بيان وقع عليه ليس فقط مشايخ العقل والشيخ وحيد بلعوس، وانما أيضا كل الفعاليات الاجتماعية والسياسية والدينية، ومنها شخصيات دينية من طوائف اخرى تكمّل النسيج الاجتماعي للجبل كالأرشيمندريت اسحاق منصور وغيره.
الاعلام الاسرائيلي وتعامله مع آخر التطورات
كل الاعلام الاسرائيلي يتعامل مع هذا الموضوع بأفكار مسبقة بدون استثناء. ولكنه يختلف بينه. فتسفي يحزكيلي من القناة العاشرة يتعامل مع الموضوع بسطحية وخبث (ضمن برنامج لوندون وكيرشنباوم اتى بتقرير منذ نصف سنة كان قد بثه الاسير المحرر صدقي المقت، وادعى ان هذا التقرير حرض اهالي الجولان على التعرض لسيارة الاسعاف العسكرية. نسي ان يذكر ان هذا التقرير منذ نصف سنة وان صدقي المقت ما زال معتقلا بسببه) اما روني دانيئيل فيتعامل مع الموضوع بحقارة (يجب التمييز بين مواطني الجولان الموالين للأسد ومواطني الجليل الموالين لإسرائيل) وايهود يعاري بعنجهية استعمارية (دولة اسرائيل لن تسمح لنفسها باستقبال مئات آلاف اللاجئين الدروز، من قال لك انهم يعرفون مصطلح اللجوء!). الجميع يعلم ان مراسل القناة الثانية لا يمكن ان يلتقي مع جرحى الحرب السورية في المستشفيات الاسرائلية دون ان يتلقى اذناً من جهاز الأمن العام – الشاباك. وأيضا لا يستطيع ان يبث هذا دون ان يصادق على التقرير من رقابة هذا الجهاز. وقد بث هذا التقرير اقوال ارهابيي النصرة في المستشفيات الاسرائيلية الذين يتوعدون الدروز عند عودتهم لأرض المعركة. لا يمكن لمن يبث هذا التقرير ان يصدم من ردة الفعل!!
هذا الأعلام لا يعرف معنى الموروث النضالي الذي تحدثت عنه، ولا يعرف ان الانتماء الديني هو جزء من الهوية، ولكنه ليس كل الهوية، فالانتماء الأول لأهالي جبل العرب هو انتمائهم لوطنهم سوريا، وفي سبيل هذا الوطن مستعدون ان يدفعوا كل شيء، وقالوها “اما فوق ارضنا بكرامة وإما تحتها بكرامة”، هذا ينبع من ايمان عميق بانتمائهم ومن شعور وطني لا يعرفه من ينقل الصورة في إسرائيل لأنهم ليسوا جزءاً من طبيعة الوطن، فجبل العرب لن يكون جبل العرب بدون أهله بالضبط مثلما البقيعة او بيت جن او ام الفحم لن تكون كذلك بدون أهلها. ولكن، هذا غير صحيح بالنسبة للمستوطنين ومستوطناتهم. فالاصلانية شعور لا يعرفه الا الاصلانيون، اما المهاجرون فمثلما هاجروا الى هنا بإمكانهم الهجرة لأي مكان.