الوقفة الأولى… عمل همجيّ.
التعرّض للجرحى التي كانت تقلهم سيّارة الإسعاف الإسرائيليّة العسكريّة في الجولان هذا الأسبوع، عملّ همجيّ حتى لو كان الجرحى من الأسوأ في إرهابيّي جبهة النصرة، ومنقولين توّا من خنادق الاعتداء على قرية حضر (القرية السوريّة المحاصرة في شمال الجولان)، وتوّا بعد أن تلطّخت أياديهم بدماء أهل حضر.
هذا هو الموقف المبدأي والقيميّ الإنسانيّ، الذي يجب أن يميّزنا بالذات نحن، من كلّ شرائح شعبنا، الذين دعمنا وندعم سوريّة، بشعبها وجيشها وقيادتها في وجه العدوان الهمجيّ الذي تتعرّض له على يد كل همَج الكون، ويطال حجرها وشجرها وبشرها.
ولكن هذا الموقف لا يُعفينا من جملة من التساؤلات، وأولها وأصعبها لماذا وقف الجنود المرافقين للسيّارة موقف المتفرّج ؟! ولماذا أصلا لم يرَ المنفذّون في الجنود الهدف إذا كان هدفهم الاحتجاج على دعم المؤسسة الإسرائيليّة لجبهة النصرة، والجنود في سياقنا أدوات للمؤسّسة؟! ولماذا عبرت السيّارة في هذا المسار بالذات، وكل من يعرف جغرافيا الجولان يعرف جيّدا أن هذا الطريق ليس أقصر الطرق لا لمستشفى صفد ولا طبريّا ولا نهريّا؟! ولماذا…؟! ولماذا…؟!
الوقفة الثانية… حرْف النقاش.
تناولت وسائل الإعلام العبرية الموضوع غداة الحادث بتوسّع منقطع النظير، وخرج المراسلون العسكريّون من جلودهم وهم يؤكدون في تقاريرهم، أن الجرحى كانوا مواطنين عاديّين، متناسين أنّ زملاءهم نقلوا وفقط يومين قبل الحادث، وفي أوسع البرامج الإخباريّة، مقابلات مع عدد من الجرحى في المستشفيات، والسؤال المركزي كان: “عندما تعود ماذا يمكن أن تفعل عندما تواجه درزيّا أو علويّا أو شيعيّا؟!”، والردّ كان دون تأتأة: “أقتلهم!”.
لا أسوق هذا الكلام تبريرا، فلا تبرير لهذا العمل، ولكن هنالك من يعمل على حرف النقاش، فالإعلام الإسرائيلي العبري لم يبخل بمقابلات للكثيرين من “أزلام” المؤسسة الدروز، وعلى حسب علمي مكتفيا بصوت واحد في مقابل كل هذا الكم، هو صوت الموقع أدناه وفي البرنامج وسيع الانتشار “الكلّ ملتهب” في إذاعة الجيش الإسرائيلي. كان الواضح أن الأزلام يدأبون على إعفاء المؤسسة الإسرائيلية من كل مسؤوليّة، ويذهبون إلى حدّ نشر “أفضالها” التي لولاها لكان الدروز في سوريّة وأهالي حضر عينيّا منذ زمن في عداد المفقودين. ويلقون بالمسؤوليّة على “حزب الله ونظام الأسد” الذين يحرّضون مثل هذا النفر القليل، لا بل أكثر من ذلك يدفعون الأموال لهذا البعض. طبعا كلّ ذلك نقلا مُخلصا ودقيقا للتلخيصات الدوريّة التي تتم في الغرف الظلاميّة.
لو استوردت المؤسسة الإسرائيلية كلّ “رتوش باريس” وكل “عطورها” وزودت بها كل أبواقها، لن تزيل قُبح وجهها ولا نتانة رائحتها، على الساحات العربيّة وعينيّا السوريّة وعلى حساب كل شرائح الشعب السوريّ.
الوقفة الثالثة… القيادات الدرزيّة.
“القيادات الدرزيّة” جسم فضفاض يضمّ المجلس الديني ورئاسته ورؤساء المجالس المحليّة وأعضاء الكنيست سابقين وحاليّين وقليل من شخصيّات أخرى، يلتئم في حالات خاصّة، ولكن يخطيء من يعتقد أن القرارات تؤخذ في هذا الجسم.
نحن “الحركة الوطنيّة للتواصل” نُدعى لاجتماعاته ونشارك أحيانا حسب الموضوع وجدول الأعمال، وفي اللقاء الأخير في مقام النبي شعيب (ع) حول العمل موضوع وقفاتنا هذه، شاركنا بموقِفنا المتمايز عن الغالبيّة والمُعلن من على منصّته وبصوت واضح جهوريّ، وفي صلبه تحميل المسؤوليّة الأولى للمؤسسة الإسرائيليّة، والتحذير من أي عمل يهدف إلى دقّ الأسافين في وحدة الدروز في سوريّة ومع أبناء شعبهم وجيشهم ودولتهم بقيادتها، من منطلق أنه لا يحمي الدروز في سوريّة إلا وحدتهم ومع أشراف الشعب السوريّ من كلّ الشرائح، ومع جيشهم العربيّ السوريّ ودولتهم وقيادتها.
البيان الذي صدر عن اللقاء جيّد، فهنالك إجماع بين الحضور وغالبيّة أبناء الطائفة، على ما جاء في البيان عن الاعتداء على الجرحى، ولكن يجب أن نقرّ ونعترف أن هنالك اختلافا في تحميل المسؤوليّة ولذا خلا البيان من ذلك.
حتى لو كانت بعض “القيادات” مقتنعة داخليّا بما تطرح عن دور المؤسسة الإسرائيليّة في سوريّة عامّة وبين الدرز خاصّة، فالغالبيّة الشعبيّة لها موقف آخر ولا “تشتري هذا الكلام حتى ببلاش”.
الوقفة الرابعة… مرّة أخرى عن القوى الوطنيّة.
القوى الوطنيّة بين العرب الدروز في البلاد لها مكانتها سياسيّا واجتماعيّا وثقافيّا كيفا وكمّا، ولكنها تفتقد إلى آلية عمل مشترك ولأسباب في غالبيّتها شخصيّة، فمقابل القوى المتساوقة مع السلطة التي تتوحّد رغم خلافاتها واختلافاتها عند كلّ حدث، تفتقد القوى الوطنيّة لهذه الوحدة وأقصد الوحدة العمليّة… إنني أدعو الأديب محمّد نفّاع شخصيّا أن يبادر إلى لقاء تشاوريّ يجمع كل القوى هيئات وأفراد، فالتطورات تستأهل مثل هكذا لقاء… واليوم قبل الغدّ.