حيفا- الموقد الثقافي- دعا المركز الأرثوذكسي الوطني في حيفا، يوم الخميس الماضي، لأمسية ثقافية أقيمت على شرف الكاتب محمد نفّاع، تكريما له ولإصداره الرّوائيّ الجديد، بعنوان: “فاطمة”. وقد شاركه الدعوة، اتحاد “الكرمل” للأدباء الفلسطينيين، ممثلا برئيسه، الأديب فتحي فوراني، و”معهد إميل توما للدراسات”، ممثلا برئيسه الأستاذ عصام مخول، ومجلة “الإصلاح”، ممثلة برئيس تحريرها، الكاتب مفيد صيداوي الذي أدار الأمسية وافتتحها بكلمة أشاد فيها بمحمد نفّاع ومسيرته في مجالي السياسة والأدب. تلاه الأستاذ فتحي فوراني، فأكّد على ما جاء في الكلمة السابقه، وأسهب في الحديث عن محمد نفّاع وإبداعه في مجالي القصة القصيرة والرواية. أمّا الأستاذ عصام مخّول فتحدّث عن مسيرة نفّاع السياسيّة وفاجأ الجمهور بقدرته على التحليل الأدبي.
محمد نفاع تحت مجهر النقد
في مداخلته قال الدكتور محمد هيبي: إنّ الكاتب محمد نفّاع، هو واحد من أولئك المبدعين الصادقين، الذين استطاعوا أن ينفضوا عنّا اليأس، وأن يشحذوا عزيمتنا، وأن يزرعوا فينا روح الأمل. وهو قائد سياسي وأديب مبدع، أجاد في السياسة والأدب. وبحنكته استطاع في أدبه عامة، وفي روايته “فاطمة” خاصة، استطاع بحنكته أن يستعيض عن الوجه القبيح للسياسة، بالوجه الجميل للأدب. وقد انعكس فكره التقدّمي في أدبه الذي متح أفكاره وموضوعاته من الوطن وهموم شعبه، ومن ناسه وتُراثهم.
وعن رواية “فاطمة”، قال إنّها جاءت بكل أناقتها، كتابا ورواية وشخصية ورمزا، بلغة نفّاع المميّزة، بل الفريدة، التي قال إنّه لا يعتقد أنّ كاتبا آخر يستطيع أن يبني بها ذلك الكون العامر المدعو “فاطمة”. وقد قدّم نماذج من الرواية، تُظهر تقنية السخرية التي تعوض القارئ وتعبّر عن ألم الكاتب، وتعرّي المجتمع وتفضح واقعه. كما أنّ نفاع عرف بلغته كيف يجعل الغصّة تتنامى في حلق القارئ، ثم يُدخِل مكانها البهجة والفرح. ففيما قدّمه في أدبه، قهر وحزن، ولكن، فيه أيضا بهجة وفرح. وقد ختم كلمته بأنّ “فاطمة” هي استشراف لمستقبل أفضل، مستقبل مشرق يرجو نفّاع أن يصل إليه هو ومجتمعه والإنسانية كلها.
وفي مداخلته قال البروفيسور إبراهيم طه: إنّ النقد عندنا أصبح أقلّ تسامحًا من ذي قبل ومثّل لذلك برواية المتشائل لإميل حبيبي التي نشرت عام 1974، وكان النقد حينها قد تقبّلها قبولا حسنًا متغاضيًا عن بعض الهفوات الجدّية في بنيتها العامّة. وقال: لو نشرت هذه الرواية اليوم لما سومحت مثلما سامحها السلف. وفي السياق نفسه قال أيضًا، لو نشرت فاطمة، رواية محمّد نفّاع، آنذاك لتجاوزت المتشائل في بنيتها وعمقها الفكريّ رغم ما فيها من هفوات محدودة في بنيتها. وحتى لا يلقي الكلام على عواهنه أكّد الأستاذ إبراهيم طه بأنّ رواية فاطمة هي نموذج للأدب النسويّ ولرواية الشخصيّة، بخلاف رواية الحدث، حين أقام نفّاع النصّ كلّه على شخصيّة فاطمة وجعل المرأة بطلة الرواية وجعل الرجال كلهم يلهثون وراءها ويطلبون رضاها. وهي إلى جانب ذلك، نموذج للأدب البيئيّ (Ecoliterature) حين جعلها صاحبها تموضع البيئة والطبيعة العامة في بؤرة النصّ. وهي نموذج للأدب التوثيقيّ الذي يسجّل عاداتنا وأصولنا بلغة خاصّة تليق بها لتترك القارئ في حنين مستمرّ إلى تلك الأيّام الحلوة بمرارتها. وهي إلى جانب هذا وذاك، هي رواية أيديولوجيّة جعلت الأيديولوجيا بكثير من الذكاء والحنكة جزءًا من مركّباتها النصيّة غير مقحمة، على نحو ما ظهر في بعض قصصه القصيرة في السبعينات.
اختتم الأمسية، المحتفى به، الأديب محمد نفاع، معربا عن شكره للجمهور والمتحدّثين والمبادرين إلى الأمسية، ثم تحدّث عن مفهومه للإبداع ودوره في حياة المجتمع. وتمنّى أن يكون جديرا بما قيل عنه. وبكل ثقة وتواضع وموضوعية، طالب النقّاد أن لا يرحموه، وأن يتوقّفوا عند الجوانب السلبية قبل الجوانب الإيجابية في أدبه.
وجدير بالذكر أنّ الكاتب في نهاية الأمسية، وقّع عددا كبيرا من نسخ الرواية، ما يُؤكّد تأثير المتحدثين في مداخلاتهم حول الرواية، على الجمهور، حيث جاء في مداخلة د. محمد هيبي مثلا: إنّ من لا يعرف محمد نفّاع أديبا مبدعا، فقد خسر كثيرا. ولكنّه يستطيع أن يُعوض خسارته الآن، بأن يصطحب “فاطمته” وأخواتها الصغار إلى بيته، ويُباشر بالقراءة.