لقد منحت شركتا غوغل والفيسبوك الإمكانيّة لكلّ من يعرف كتابة وقراءة اسمه الثنائيّ، أنشاء حساب فيسبوك شخصيّ يحمل مواصفاته الحقيقية، متيحةً له التواصل مع باقي المشتركين من أبناء ثقافته، وغيرهم من خلال ما يعرف بشبكة التواصل الاجتماعي بشكل حضاري.
بالرغم من بساطة الأمر-بل حتى التفاهة في سهولة هذا الانضمام وهذا الاستخدام – أصبح واضحًا أنّ المسيطرين على الشبكة الاجتماعية في صفوف أبناء الطائفة الدرزية هم أفراد استطاعوا، من خلال استعمال أسماء رنّانة وصور مثيرة، بناء صفحات قد نظن بأن هنالك الآلاف من ورائها وتُمثل مجموعات كبيرة؛ والحقيقة أنه لا يوجد من ورائها سوى شخص واحد يمكننا وبكل سهولة أن نطلق عليه من اليوم وصاعدًا اسم: “جبان الفيسبوك”.
هذه هي حقيقية الشبكة الاجتماعية في قرانا، حيث أنّ كلّ مشترك جديد في الفيسبوك يتفاجأ من كثرة الحسابات المزيّفة وسيطرة الحسابات الجماعية تحت أسماء مثل: الموحدون الدروز في فلسطين، فرسان الدروز، أسود بني معروف، القياديين الدروز في إسرائيل، والدروز في إسرائيل…. وعشرات أخرى من الصفحات، والتي بعدم مسئوليتها واستهتارها بعقول المشاركين فيها استغلت رغبة أبناء الطائفة بالتّواصل مع أبناء جلدتهم، فقام أفراد بإنشائها بحيث تبدو وكأنّها تُمثل مجموعات كبيرة، في حين أنها لا تمثل سوى شخص واحد استطاع بناء صفحة فيسبوكية خلال أقل من خمس دقائق.
ظاهرة الصفحات الجماعية المزيّفة أصبحت مزعجة لأنها تقوم بدفع أشخاص يريدون المشاركة في الحوار الاجتماعي والسياسي حول مواضيع الساعة والتّعبيرعن رأيهم بشكل شجاع، دون الخوف من الوقوع فرائس لألسن جبناء يختبؤون وراء حسابات مزيفة يعبّرون عن مواقفهم بلغة ومستوى دنيئين، لتقتصر شبكتنا الاجتماعية في الآونة الأخيرة على صور لمناسبات عائلية ولقاءات ترفيهية.
بل أصبح واضحاً بأن شخصيات محترمة تفضّل عدم الخوض في مواضيعنا الملحّة عبر الشبكة الاجتماعية، خوفاً من اتّخاذ مواقف معاكسة اتجاه ما يبدو للوهلة الأولى بأنها مجموعة كبيرة تمثل خيرة أبناء الطائفة. هكذا مثلًا من الصعب النقاش بشكل شجاع وصريح في موضوع تمّ طرحه على صفحة فيسبوكية تعرّف عن نفسها ” الموحدون الدروز”، وكأنها حقًا تضمّ كلّ الموحدين الدروز حول العالم، ومطّلعة على معالم التوحيد وأركانه، في حين يكون الحديث لا يتعدّى شخصاً واحدًا يعيش في وحدة، فقرر بناء صفحة تحت اسم “الموحدين الدروز” كي يخرج من وحدته ولكي نتوحد مع سذاجة آرائه ومواقفه.
هذه الظاهرة الآخذة في الانتشار أصبحت ظاهرة مُقلقة بكل ما تتضمنه من تشجيع العنف والعنصرية اتجاه الطوائف الدينية الأخرى. وهذا ما لمسناه بشكل واضح خلال الأحداث المؤسفة في أبو سنان، والدور الكبير الذي لعبته الصفحات الجماعية المزيّفة في تهييج الناس، حتى بعد أن تدخّل أهل الصلح وقاموا بتهدئة الخواطر. خاصة وأن الكثيرين من شباب الطائفة انجرّوا وراء نداءات خرجت من قبل صفحات “جماعية” مزيفة تعرّف نفسها “أسود بني معروف” ليظن هؤلاء الشباب بأنهم سيتشاركون في ساحة القتال مع “أسود” من أبناء الطائفة، في حين لا يقف وراء هذا النداء سوى “خروف” يجلس في غرفته لأنه يخاف حتى من اللعب مع أولاد الحارة.
يزداد الأمر تفاهة عندما يطّلع المشارك على صفحات تعرّف نفسها ” القيادة الدرزية في أسرائيل” وبين الحين والآخر تطلعنا على ما هو خطأ في القيادة العاملة عند أبناء الطائفة في الماضي والحاضر، وتعرض على القراء سلسلة من الاقتراحات للتغيير، في حين تخاف وتخجل من أن تفصح عن هويّتها الحقيقة. من الواضح بأن الحديث هنا عن إنسان جبان يتكلم عن النواقص عند رجال المجتمع، في حين يخاف من أن يشارك مواقفه اتجاه مواضيع الساعة حتى مع زوجته، وغاب عن ذهنه بأن المبدأ الأول عند القيادي هو الجرأة في التعبيرعن رأيه بشكل راقٍ وصريح دون التستر وراء أسماء لمجموعات مزيفة.
مخجل جداً أنّ تقف شخصيات اجتماعية وسياسية في كثير من الأحيان خلف “الجبان الفيسبوكي” الذي تبنّى لنفسه اسمًا مزيفًا لمجموعة كبيرة، وقد أصبح واضحًا بأن وراء كل رجل مجتمع وسياسة من أبناء الطائفة الدرزية ليس فقط امرأة ناجحة كما يقول المثل، بل أيضاً حساب فيسبوكي مزيف يتكلم باسم مجموعة كالتي ذكرت أعلاه، تهتم في إعلان ولائها لهذه الشخصية كل عدة أيام.
مؤسف جداً أن تتفشى هذه الظاهرة عند عدد من المشايخ من قرى الكرمل والجليل ، والذين قاموا بإنشاء صفحات فيسبوكية تبدو وكأنّها تُمثل جماعات كبيرة، وذلك من أجل رفع نسبة مشاركتهم في القضايا العالقة الخاصة بعالمهم الديني، أو المساهمة في القضايا الطائفية عبر الحدود، وتحديدًا الصراع المستمر في سوريا من خلال هذه الصفحات الجماعية وذلك بدلا من تكون هذة الشخصيات رمزاً للشجاعة والحوار البناء.
من هنا وبهذه المناسبة الكريمة (الزيارة السنوية للمقام) علينا توجيه نداء صريح يطالب بالكفّ عن استعمال الصفحات الفيسبوكية الجماعية المزيفة، التي لا تمثل سوى أفراد تبنَّوا أسماء لمجموعات غير موجودة في الحقيقة، والتي كما وضح أعلاه تعود في الضرر علينا على جميع المستويات. في حين نحن في أمسّ الحاجة إلى شبكة اجتماعية نقية من المزيفيّن حتى يتمكن لنا تطوير حوار صريح وأفكار مختلفة حول مواضيعنا الملحة، في ظلّ التغيرات الاجتماعية الجذرية في بلادنا، والأوضاع السياسية المتردية في المنطقة.