غصّ مقر جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في الناصرة بأهالي مدينة بيسان الفلسطينية، في أول لقاء لهم بعد 67 عاماً من التهجير، شارك فيه وفد من إدارة وأعضاء الجمعية. ووسط تبادل ابتسامات الفرح بهذا اللقاء، وتبادل الأسئلة عمن مضوا ومن لا يزالون على قيد الحياة، التحم أهل المدينة الواحدة بمحبتهم لبعضهم البعض ولبيسان، أصل الرواية.
قبلات وعناق وأيادي تمتد لتبادل السلام الحار. عيون تشع أملاً وألماً وشوقاً وحنيناً، تستعيد بجرأة وحرقة تاريخاً وذكريات، وقلوب مؤمنة بالعودة مهما طالت السنين. لقاءٌ جمع الأهل والأصدقاء والأنسباء والمهتمين، جمع الأجيال الأول والثاني والثالث بتناغم قلما يحدث.
افتتح اللقاء، المحامي واكيم واكيم، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق المهجّرين، وتطرق في حديثه لعمليات الذبح والتهجير الممنهج التي عانى منها أبناء 531 قرية فلسطينية. هذه العمليات التي زرعت الخوف والرعب في قلوب الفلسطينيين في تلك الفترة، لكنه أكد على ضرورة كسر حاجز الخوف هذا، والعمل من أجل عودة جميع اللاجئين بحسب قرار 194 للجمعية العامّة للأمم المتّحدة، والذي تقرّر بموجبه “وجوب السماح بالعوده، في أسرع وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم.” وقدم واكيم استعراضا لتجارب مشابهة في تجميع أهالي قرى وبلدات مهجرة أخرى.
مشاركات الأهالي برواياتهم الشخصية وتفاصيلها أدخلت السامعين الى قلب الحدث، وكأن القصة حدثت البارحة، حاضرة بكل تفاصيلها في وجدان المهجّرين، لا تمحوها السنين ولا الألم ولا الخوف من الطغاة. لكل قصته وصور لا زالت ترافقه منذ التهجير الأول الى اليوم. وكان ملفتاً للنظر إصرار أبناء الجيلين الثاني والثالث بعزيمة أكبر على العودة وإحقاق الحق.
من بين الحاضرين، تحدث القس نعيم عتيق مشاركاً بقصة تهجير عائلته، وبذكرياته البيسانية وايمانه وسعيه لعودة المهجّرين. وتحدّث الحاضرون عن حضور بيسان في بيوتهم وقلوبهم على مدار السنين، وكيف أن قصّة التهجير عاشها الجيل الثاني من خلال الأهل والأجداد.
وخلال اللقاء تم اختيار أعضاء لجنة المبادرة الذين سيقومون بترتيب فعاليات وبرامج للأهالي. وفي نهاية اللقاء، قدّم السيد بهاء شحادة لإدارة جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين لوحتين تاريخيتين لبيسان، وشاهد الحضور على الشاشة لوحات وصور تاريخية للمدينة على وقع الصوت الفيروزي في أغنية “خذوني الى بيسان”، فبرز بوضوح كم حيّة هي الذاكرة في وعي أهل البلد الذين لا يزالون يحفظون خارطة بيسان عن ظهر قلب. “هذا هو الحاووز”، “هنا كان بيتنا”، “هذه مدرسة البنات”، “هذا هو المدرّج في وسط البلد”، “هل هذا هو المشرع؟” “أين كان بيتنا نحن؟ هل تذكر؟”. أصوات وتساؤلات نطقت بها الشفاه بحنين حيناً، وبدمعة سالت من عين تستعيد المشهد بألم، حيناً آخر.
هذا اللقاء أكبر مما يلوح به للوهلة الأولى، هو إغلاق لدائرة الغربة الفردية التي لحقت التهجير، وفتح لدوائر العمل المشترك من أجل بيسان الفلسطينية. هو تثبيت إضافي للإنتماء الأول المحدد كإنتماء لفلسطين الأم. هو حمل لراية الحق، ووعد العودة من أبناء الجيلين الأول والثاني وحتى الثالث، وعهد الا تتوقف هذه السلسلة حتى العودة.
دمعة في القلب من وجع الذكريات والحنين للبيت والبيارة والمدرسة والمسجد والكنيسة، واخرى من شدة الفرح لحلم بالعودة أصبح مشروعا بحجم الوطن.
بيسان الإصرار، بيسان العزيمة، بيسان الأمل والجمال والحب والحياة البسيطة الرغيدة الجميلة الهادئة.
ودّع الحاضرون بعضهم بعضاً ولسان حالهم يقول: إنّا لمدينتنا عائدون، لأشجارها وينابيعها وشمسها الحارة وسمائها الهادئة.
27.3.2015 سيُحفر في الذاكرة البيسانية تاريخاً للولادة الجديدة لبيسان الأهل.
هنا بيسان!