أثار الكاتب محمد علي طه في عدد الاتحاد 25 /1/2015 سؤالاً مهمًا، في مقالته “من هو صاحب القصيدة؟ وذلك بعد قراءته مقال الكاتب اللبنانيّ إلياس سحّاب في مجلّة “دُبيّ الثّقافيّة” عدد 68 ، وهو عن الفنّان اللبنانيّ فيلمون وهبي ، حيث أن الكاتب سحاب يذكر أنّ فيلمون وهبي “استقرّ في فلسطين منذ بداياته الفنيّة الأولى في أواخر عقد الثّلاثينيات من القرن العشرين عندما كانت فلسطين تشتعل بالثّورة الشّعبيّة 1936 – 1939 ، وكان فيلمون وهبي يمارس في فلسطين الغناء على مختلف مسارحها” .
يقول الأستاذ سحّاب: “كتب فيلمون وهبي تفاعلا مع القضيّة الفلسطينيّة أغنية وطنيّة يخاطب فيها أحد كبار مسؤولي الانتداب البريطانيّ في فلسطين قائلا:
يا حضرة المستر دلْ لا تظن الأمّه بتخلْ
لكن انت سايرها يمكن عن يدك بتحلْ
ويضيف الأستاذ سحّاب معتمدا على ذاكرة وهبي:
“ وبعد أن لحّن فيلمون وهبي هذه الأغنية أنشدها المطرب الفلسطينيّ المعروف في تلك الأيّام نوح إبراهيم” .
…
- وقد استغرب الصديق محمد علي طه هذا القول، وله الحق في ذلك.
…..
- وجدت القصيدة مثبتة في كتاب نمر حجاب “الشاعر الشعبي الشهيد نوح إبراهيم”. عمان: اليازوري- 2006، ص 227.
وثمة مصادر أخرى تثبت أن النص لنوح إبراهيم، فقد وردت القصيدة في كتاب أبي سلمى: “كفاح عرب فلسطين”، ونقل عنه خالد عوض في كتابه “نوح إبراهيم”. الناصرة: فينوس- 1990، ص 27، وكتب عن القصيدة وعن الشاعر توفيق زياد دراسة مميزة في عدد الجديد أيار 1971، ص 4-6، كما كتب عنه عبد العزيز أبو هدبا: “الشاعر نوح إبراهيم، بالكلمة المنغمة أرخ للثورة الفلسطينية، 1935- 1938″، مجلة الزاوية، العدد3- 4، شتاء- ربيع 2003.
…
في كتاب نمر حجاب الذي جمع قصائد نوح وكتب دراسة عنه- يكتب المؤلف في حاشية النص:
” كان دل قد عين حديثًا قائدًا للجيش البريطاني في فلسطين، وقد عهدت إليه بريطانيا إخماد الثورة الفلسطينية، وقد سمع القصيدة وكان اسمه يتردد فيها، فسأل عن الشاعر الذي كتبها وينشدها، فقيل له: “إنه نوح إبراهيم”، وقد كان نوح وقتها في سجن المزرعة، فطلب دل أن يجتمع بالشاعر الذي نظم القصيدة، فاجتمع به، وأعجب بذكاء نوح، وأوعز بإطلاق سراحه.
…..
إليكم النص الذي يحسه الفلسطيني في أعماقه:
*******
يا حضرة القائد “دل” = لا تظن الأمة بتمل
لكن انت سايرها = بلكي على يدك بتحل
دبرها يا مستر دل!
…..
إن كنت عاوز يا جنرال= بالقوة تغيّر هالحال
لازم تعتقد أكيد= طلبك صعب من المحال
دبرها يا مستر دل!
…….
لكن خذها بالحكمة= واعطينا الثمن يا خال
و نفذ شرط الأمة= من حرية و استقلال
دبرها يا مستر دل!
……
جيت فلسطين الحرة= حتى تقمع الثورة
و لما درست الحالة= لقيت المسألة خطرة
دبرها يا مستر دل!
…………………
بدنا تفهّم بريطانيا= حتى تكفينا شرها
و تصافي الأمة العربية= بمنع البيع و الهجرة
دبرها يا مستر دل!
………..
ما دمت صاحب السلطة= حل هالمشكلة و هالورطة
و نفذ وعود الشرف= حتى تمحي هالغلطة
دبقرها يا مستر دل!
ونفذ وعود الشرف= حتى نمحي هالغلطة
للدولة هذا شرف=و احسن مشروع و خطة
دبرها يا مستر دل!
******
وجدت هذين البيتين أدناه زيادة في كتاب خالد عوض ص 27 – وهما إضافة لما ذكر:
…
ما دمت رجل خطير= وقائد عسكري كبير
و قضيتنا كلها فهمتها= ما بلزم إلك تفسير
دبرها يا مستر دل!
…
فهّم لندن باللي صار= و اللي بعده راح يصير
العرب أمة إصرار= صداقتها لازمتكو كتير
دبرها يا مستر دل!
دبرها يا مستر “دل”= يمكن على يدك بتحل
…….
ولد نوح إبراهيم في حيفا سنة 1911 في وادي النسناس. كان عضوًا في كشافة تدعى”عز الدين القسام”، وقد شارك في ثورة سنة 1936 .
فأجأه الإنجليز مع فرسان آخرين سنة 1938 بالقرب من طمرة الجليلية (مكان اسمه صنيبعة)، وقد ألقى الإنجليز جثثهم في بئر ماء، حتى انتشلهم أهالي طمرة ودفنوهم في المكان الذي سقطوا فيه.
أقامت لجنة مبادرة مع المجلس المحلي في طمرة نصبًا تذكاريًا للشاعر الشهيد.
الشاعر توفيق زياد يقف إلى جانب ضريح نوح إبراهيم.