تغزَّل بتبدُّلاتِ غُرّتِها، بأساوِرِها وحقائِبِها وأحذيتِها وجوارِبِها والدَّبابيسِ على ياقاتِها وأكمامِها وعقودِها وخواتِمِها ومناديلِها وشالاتِها وقُبّعاتِها. وكانت في كلِّ مرةٍ تجدُ جهةً خامسةً فتدخلُ فيها وتمضي في حالِ سبيلِها.
يلاحِقُها منذُ شُهور.
قالَ لها في يومٍ ساكِنٍ إن شَعْرَها المُتمرِّدَ أجملُ من سعفِ النَّخيل وهي تراقصُ الرّياح.
لم تلتفتْ.
وقالَ لها يوْماً، عندَ موْقفِ الحافِلاتِ العامَّةِ، إنَّ حُمْرةَ خدَّيْها أجملُ من تفتُّحِ الفَجرِ في ربيعٍ على قمَّةِ سيناء. فتجاهلتْهُ ومضَتْ في طريقِها مَشْياً على الأَقدام.
تبِعَها يوماً إلى السُّوق. قالَ لها هناك إنَّ قلادتَها أجملُ من جدائلِ النّوُرِ الذي لم تمسَسْهُ نارٌ. أدارتْ وجهَها وَمَضَت.
تنهَّدَ يوماً، فبعثَ الدفءَ في الشّارع، وقالَ لها إنَّ أظافرَها الطّويلةَ انغرَزَت في قلبِهِ فلا مفَرَّ.
أدارتْ وجهَهَا وانطلَقَتْ بعيداً.
قالَ لها، عندَ مََمرِّ المُشاةِ، إنَّ قِرطَيْها مثلُ طفليْنِ يتأرجَحانِ على الشّرايينِ المُدلّاةِ من قلبِهِ. تراجعتْ إلى الوَرَاءِ وغابتْ في الزَّحَام.
ترصَّدَها.
وفي كلِّ يومٍ كان يقولُ فيها كَلاماً يشبِهُ الشِّعْرَ.
تغزَّل بتبدُّلاتِ غُرّتِها، بأساوِرِها وحقائِبِها وأحذيتِها وجوارِبِها والدَّبابيسِ على ياقاتِها وأكمامِها وعقودِها وخواتِمِها ومناديلِها وشالاتِها وقُبّعاتِها. وكانت في كلِّ مرةٍ تجدُ جهةً خامسةً فتدخلُ فيها وتمضي في حالِ سبيلِها.
في أحدِ الأيَّام، ركعَ في منتَصفِ الرّصيفِ فسَدَّ عليها الطَّريقَ ومدَّ يَدَيْهِ في حالَةِ ابتهالٍ، وقال: أرجوكِ، أَسمِعيني صوْتَكِ الجميلَ ولو مرةً واحدة.
لم تفهمْ.
أخرَجتْ من حقيبتِها قلماً وورقةً، أسندَتْها إلى حائطٍ قريبٍ وكتبتْ:
“ماذا تقول؟ فأنا لا أسمع. أكتُبْ على هذه الورَقة ما تريد، من فضلك.”
وعرضت كلماتِها المكتوبةَ أمامَ عينيْهِ.
لم يفهمْ.
ذلك أنَّهُ لم يتعلَّم القراءة.
اغرَوْرقتْ عيناه.
عادتْ إلى الحائطِ القريبِ، وكتبتْ على ورقةٍ: “أنا صمّاءُ بكماءُ.”
وحينَ استدارتْ لتعرضَ الورقةَ أمامَ عينيْهِ، لم تجدْ سوى دمعتَيْنِ على حجَرِ الرَّصيفِ، وسْطَ غابةٍ من السّيقان المتراكِضة.