موقع الوديان
احتضنت مدينة الخليل أمس الاثنين، المهرجان التأبيني، لشاعر المقاومة، شاعر فلسطين، سميح القاسم، بدعوة من القوى الوطنية والأطر الثقافية في الخليل ومحافظتها، وبحضور النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ومحافظ منطقة الخليل كامل حميد ووفد لجنة المبادرة الدرزية وعائلة الراحل، وأكد النائب بركة، أن خارطة فلسطين باتت ناقصة برحيل القاسم، ولكن باحتضان الخليل وغيرها من ربوع الوطن، ذكرى ابن الرامة والجليل، يكون قد اكتمل نقص الخارطة.
وعقد المهرجان في قاعة مركز إسعاد الطفولة، بحضور شخصيات تمثيلية وسياسية من الخليل ومنطقتها، ووفد لجنة المبادرة الدرزية، ممثلا برئيسها غالب سيف والكاتب نمر نمر، كما كان بين المشاركين، الكاتب عصام خوري، وسكرتير منطقة ام الفحم للحزب الشيوعي غازي القاسم، وعدد من أبناء عائلة الراحل الكبير.
والقى محافظ الخليل كلمة قال فيها، لقد ودعت فلسطين الشاعر الكبير، سميح القاسم، الذي كنا وما نزال نحتمي بشعره ونضاله، فهو من كان يبث رسائل المحبة، لشباب فلسطين، وكانت قصائده تبعث فيهم روح المقاومة.
وتابع حميد قائلا، إن الشعب الفلسطيني خسر الشاعر سميح القاسم، لما كان له من دور كبير في نشر معاناة الشعب الفلسطيني، والقاسم كان يمثل كل حر يدافع عن وطنه، وأنه يجب السير على خطى القاسم، و العمل على استمرار مهرجانات التأبين من أجل ابقى روح الشاعر خالدة فينا.
كما ألقى اسماعيل أبو هشهش كلمة القوى السياسية، فأكد فيها على مكانة شاعر المقاومة القاسم لدى الشعب الفلسطيني، والشعوب المناصرة له، والقى الكاتب نمر نمر، كلمة نثرية، رسم فيها بكلماته الابداعية، لوحة تربط خيوط جغرافية فلسطين، من أعالي جبال الجليل، التي باتت تحتضن جثمان القاسم، وصولا الى أعالي جبال الخليل.
والقيت في الحفل، قصيدتي رثاء، من الشاعر الفلسطيني سميح محسن، ومن الشاعرة الواعدة أسيل تلاحمة، والقت كلمة لجنة التابين عضو بلدية الخليل رغدة دويك، التي أعلنت عن أن البلدية ستطلق اسم القاسم على جدارية أو شارع في مدينة الخليل.
خارطة فلسطين
وكانت الكلمة للنائب بركة الذي افتتح كلمته قائلا، ليس لنا في سميح أكثر منكم، لأن سميح هو ابن الشعب الفلسطيني كله، وابن الأمة العربية، وابن كل ما هو خير في هذا العالم، نحن نحيي ذكرى قاسم اليوم، في واحدة من قلاع الصمود والعزة والكرامة الوطنية الفلسطينية في خليل الرحمن، هذه المدينة التي تضم كواكب من المناضلين الذين قضوا، وكواكب من المناضلين الذين ما زالوا يقبضون على جمرة النضال، على درب التحرر التام من كيد وظلم وظلام الاحتلال.
وتابع بركة قائلا، إن سميح كان متحيزا لشعبه الفلسطيني بكل جوارحه، وإن سألته مرّة، ما هو سلم الأولويات في القضية الفلسطينية كان يجيب، بدون شك، الوحدة الفلسطينية ثم الوحدة الفلسطينية، وشدد على ضرورة تدعيم مقاومة الاحتلال، من خلال تعزيز الوحدة التي بدأت خيوطها تلوح في الاشهر الأخيرة، وأيضا في ظل العدوان الشرس على قطاع غزة.
وقال بركة، كما يبدو فإن الايام المقبلة لن تكون أبهى من الاتي سبقتها، ولربما أن حبل الظلام الذي يلف حياة الفلسطيني في هذه الفترة، لربما انه الظلام الذي يسبق طلوع الفجر، والمشهد الذي رأيناه في غزة، مشهدي البطولة والصمود من ناحية، ومشهد الجريمة والكارثة التي ألحقها المحتل الفلسطيني بنا، تحتم علينا أن نسير حثيثا، وموحدين نحو الدولة.
ما أعظم الشعب الذين يحتفي قادته بمثقفيه، الذي يحتفي زعامته بالمبدعين، الذي يحتفي السياسيون بالشعراء، هكذا كانت قيادة شعبنا الفلسطيني عندما رحل محمود درويش، وقفت وقفة واحدة، ليس من أجل أن يؤدي الشعراء يمين الولاء لبلاط الزعماء، وإنما ليؤدي الزعماء يمين الوفاء لقامة الشعراء، وهذا مشهد وطني نعتز به، بالحادثتين المفجعتين، اللتين حلتا بنا في السنوات الأخيرة، رحيل محمود درويش ورحيل سميح القاسم، ولكن سبقهما رحيل توفيق زياد وإميل حبيبي وفدوى طوقان ومعين بسيسو وناجي العلي، والكثير الكثير من خيرة هذا الشعب.
سميح القاسم كان شاعرا ومتحديا وملهما، ولكن كان أيضا مناضلا وطنيا وسياسيا، كان لا يتعفف عن المشاركة في العمل الجماهيري، وكان شعبيا، ويكتب المقالة السياسية التحريضية، ونحن أبناء شعبه في الداخل مدينون له، ولرفاقه بصنع مأثرة، وهي واحدة من اثنتين، في التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني بعد النكبة، الأولى بقاء هذا الجزء من الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، رغم أنف الغاصبين، رغم أنف الصهيونية.
والمأثرة الثانية هي قيام منظمة التحرير الفلسطينية، كاطار جامع للشعب الفلسطيني، القاسم كان شريكا في صنع المأثرة الأولى، مأثرة البقاء في الوطن، ونحن نقول، إنه لو لم يبق أي فلسطيني في العام 1948، لكانت الصهيونية قد نجحت في مسح كل ما يؤكد هوية فلسطين، فنحن نجحنا أن نكون الشاهد والدليل على هوية الوطن، ونحن هناك بفعل هذه المأثرة، نضاليا وسياسيا وأدبيا وشعرا.
ونحن نقول إن خارطة فلسطين أصبحت ناقصة برحيل سميح القاسم، لكن شعب فلسطين، كفيل بأن يعبئ هذا النقص في الخارطة، وعندما نلتقي اليوم لنحيي ذكرى سميح القاسم، فعمليا نكمل اليوم النقص في خارطة فلسطين، فحينما تحتضن الخليل ومحافظة الخليل، ابن الرامة والجليل وحيفا والساحل والفلسطيني، نقول اكتملت الخارطة، وهذا خير وفاء لفلسطين.
فداء للوطن
والقى كلمة العائلة، نجل الراحل، وطن القاسم، الذي قال في كلمته، لقد أمضى القاسم حياتَه فداء للوطن ولقضيتنا العادلة وللإنسانية أجمع. ورغم كل الصعوبات التي واجهها في حياتِه من اعتقالات وتضييقات وطَرد مِنَ العمل بسبب مواقفِةِ ومبادِئِه، إلاّ أنه لم ينحنِ يوماً ولم ينكسرْ أبداً، وعاشَ مُتشبِّثاً بأرضِ الآباءِ والأجداد، مُجسداً مقولته الشهيرة: “يا عدو الشمس.. لكنْ لن أساوم.. ولآخر نبضٍ في عروقي سأقاوم”.
آمَن سميح القاسم بعدالةِ قضيّته وصِدقِها، فواجَهَ المحتلَّ وجهاً لوجْه رافضا أنْ يترُكَ أرضَه وبيتَه ليحل مكانه قادمٌ جديد من روسيا أو أثيوبيا أو من أي مكان آخر. وإلى جانب المواجهة الجسديّة، أيقَنَ سميح القاسم أنَّ الكلمةَ سلاحٌ في وجه الأعداء، وفي وجه الظّلم والقَهر، فكَتب القصيدة والرواية والمسرحية والمقالة الصحفية، ليدويَ صوتُهُ في كُل بقاع العالم مُدافعاً عن دَمعته كما كانَ يقول.
وتابع القاسم قائلا، قاومَ سميح القاسم حتى الرَّمَقِ الأخيرِ. وكُنّا وكانَ عشرات الآلاف من أبناء وبنات شعبِنا وأحرارِ العالم يشاركونَه لحظات انتصارِه على الموت وعلى الاحتلال. سميح القاسم باقٍ في قلوبِ أبناءِ شعبِنا العظيم. ونحن عائلته الصغيرة نعدُكُم أنْ نصونَ الإرثَ الذي ترَكه لنا ولشعبنا وأنْ نستمرَّ في الطريق الذي خطَّهُ بكلماتِه وأشعارِه ومواقفِه ومبادئِه إلى أنْ يزولَ الاحتلالُ الغاشم وينعمَ أبناءُ شعبِنا والأجيالُ القادمةُ بالحُريَّةِ والاستقلال.
