الأم الثانية / بقلم : مالك صلالحه ـ بيت جن

images

أي بنبي !!

كم كنت أتمنى أن ترعاني كبيرة كما رعيتك صغيرا

كم كنت اتمنى ان تمنحني الحب والعطف والحنان كما منحتك إياه فما بالك اليوم قد تغيّرت .. وتبدّلت .وأمسيت قاسي القلب على غير عادتك !  لا تعرف الرحمة الى قلبك سبيلا.. فلا ترأف ولا تكترث !

أي بني ماذا دهاك ؟ وأنت الذي بالأمس كنت تلاطفني  وتهتم بي وترويني .. وتدور حولي متفحصا أن أكون قد أصبت بعارض أو مرض ، وتختبئ تحت غلالتي وبين أذرعي كما الحمل الوديع !

فعذرا يا ولدي  .. إن انا اثقلت عليك وتماديت في العتاب !

فكما قيل إن العتاب على قدر المحبة !

ألست أنا  التي وهبتك من أضلعها مهدا وأنت صغيرا

ألست أنا الأم التي منحتك من أذرعها سريرا وأنت كبيرا

الست أنا الأم التي سعادتك على بناء بيت يأويك من غدر الزمان وتقلباته

ألست أنا الأم التي أحرقت ذاتها لتُدخل الدفء في البرد القارس من أيامك لتدبّ الحرارة في أوصالك حتى أشتد عودك وأصبحت على ما أنت عليه اليوم من صحة وعافية

الست أنا  التي وهبتك من نفسها يراعاَ لتتعلم القراءة والكتابة ؟ وأعطتك من صميم فؤادها صفحات بيضاء كي تخط عليها أحلامك ومذكراتك وذكرياتك !

ألست أنا التي جهّزت لك من ساقها وأضلعها سريراَ وخزانةَ ليوم زفافك وفرحك

آه منك يا بني ومن غدر الزمان !

فأرحم فؤادي وأرأف بحالي ولا تقسو علي

فمهما قسى قلب الولد على امه .. لا يسعها الا ان تبادله بحب وعطف اكبر

فليس هنالك اقدر من قلب الم على التسامح والغفران والحب !

ألا تذكر يا بني كيف احتضنتك .. وآويتك بين جناحي وخبأتك تحت عباءتي وأطعمتك من نتاج تعبي،  فكم من مرة تأرجحت على أذرعي .. وغفوت تحت غلالتي .. واتخذت من ساقي مسندا لظهرك ، هاربا من حر الشمس الحارقة تارة.. ومن برد المطر القارس تارة اخرى

أبعد هذا كله تكافئني بالهجر في شيخوختي ..ّ! وأحيانا تنهال علي بالضرب دون رحمة.. وتارة بالتكسير والتهشيم وآونة أخرى بالقطع ..لتدب القطيعة بيني وبينك الى الأبد ، فغدا بعد عمر طويل سوف أمنحك من أضلعي تابوتا ترقد فيه في رحلتك الأبدية..!!

 أهذا جزائي عندك يا بني

فأنا كائن حي مثلك أحيا وأتنفس وآكل وأشرب

تتكلم أنت بصوت عال ومسموع وأتكلم أنا بصمت وهمس غير مسموع .. أوليس الصمت أبلغ الكلام !!

فأزرع يا ولدي وإياك أن تقلع

فإن البئر التي تشرب منها ماءً  إياك أن ترمي فيها حجرا هكذا عُلمت ورُبيت.. أم أنك قد نسيت دروس التعليم والتربية

فأرأف بحالي يا ولدي وخذ بيدي في شيخوختي فأنا بحاجة اليك الى حين يحين أجلي ، فما مآلنا أنت وأنا سوى إلى مصير واحد هو الموت والفناء.. ومرجعنا يوما الى ذات الأرض التي نشأنا منها

فأطال الله عمرك يا بني ودمت سالما الى أمك الشجرة !

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .