قلب العقرب للشاعر الفلسطيني محمد حلمي الرريشة في ندوة اليوم السابع
في لقاءات الوديان
15/08/2014
القدس: 14-8-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “قلب العقرب-سيرة شعر “للشاعر الفلسطيني محمد حلمي الريشة والصادر عام 2014،عن بيت الشعر الفلسطيني. ويقع الكتاب الذي صممت غلافه نغم الحلواني، وقدم له الراحل علي الخليلي، والدكتور محمد سمير عبد السلام في 354 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:
قرأت لغة الشاعر المجدّد وهي تنحت في اللغة تارة، وتجانس بين الكلمات في اختلاف المعنى تارة وفي تقويته تارة أخرى.
اللغة هنا في كتابة الشاعر الريشة لغة خاصة بوقعها، وأبعادها، وموسيقاها، فالشاعر يكتب النثر بلغة الشعر وروحه، كما يكتب الشعر بلغة النثر التي أسماها (القصيدة بالنثر). وهو يقدّم توثيقا لمسيرته الشعرية التي سيستفيد منها السائرون على درب الإبداع؛ من الإصرار على التجديد، والثقة بالمنتج، والإصغاء للمعلم المرشد والاستجابة لنصائحه، والسعي لإمداد لغته بالمزيد من الثراء بالمطالعة.
(قلب العقرب) هنا وهو يعجب بالغموض الجميل يقدّم قيمة لغوية، وتوثيقية، ومؤسساتية، وسياسية، ووطنية، وإبداعية.
سيرة الشاعر مع القصيدة هنا تعتبر لونا جديدا خاصا بالشاعر في حدود معرفتي لم أطلع على هذا التخصيص وحده في السيرة الذاتية التي كانت تشمل الإبداع في ثناياها. هنا تخصص الشاعر في نقل سيرته الشعرية وهو يطلق على نفسه إمعانا في التجديد وربما التحدي لقب (شعريار) في إشارة إلى (شهريار) المعروف في (ألف ليلة وليلة).
(قلب العقرب) كتاب محمد حلمي الريشة يستحق القراءة والتحليل والتوقف عند محطاته المتعددة والاستفادة من خبرة كاتبه.
كتاب تساءلت بعد صفحاته الأخيرة بأسى: كم يحرم الذين لا يعشقون القراءة من متع باقية!
وقال جميل السلحوت:
صدر كتاب “قلب العقرب-سيرة شعر “للشاعر محمد حلمي الريشة عام 2014،عن بيت الشعر الفلسطيني. ويقع الكتاب الذي صممت غلافه نغم الحلواني، وقدم له الراحل علي الخليلي، والدكتور محمد سمير عبد السلام في 354 صفحة من الحجم المتوسط.
عندما قرأت ” طفولتي” للأديب الروسي مكسيم غوركي “28 مارس 1868 – 18 يونيو 1936″أذهلني بصدقه، وحديثة عن الطفولة الذبيحة التي عاشها، والتي هي أكثر قسوة وحرمانا من طفولتي وأبناء جيلي من أبناء شعبي، ولاحقا قرأت “كيف حملت القلم” للروائي السوريّ المبدع حنّا مينا، ووجدتها تشكلّ انعطافا في كتابة أدب السيرة عند العرب، لمصداقية كاتبها وحديثه عن الحرمان الذي عاشه، ويبدو أنّني حينها وجدت نفسي أمام تساؤلات كبيرة، خصوصا وأنّني قد قرأت في سنّ مبكرة الكثير من السِيَرِ الشعبيّة لأبطال شعبيين، مثل “الزير سالم” و”عنترة بن شدّاد” و”معن بن زائدة” و”أبو زيد الهلالي” وغيرهم، كما قرأت الكثير من مذكّرات وسِيَر بعض الأدباء والسياسيين عربا وأجانب، وجميعها ملأى بالبطولات الخارقة، وتنقصها المصداقية.
وفي اليومين الماضيين انصببت على قراءة “قلب العقرب-سيرة شعر” للشاعر الفلسطيني محمد حلمي الرّيشة، فوجدت نفسي أمام انفجار بركان شعر وثقافة، تخطّه ريشة الشاعر الرّيشة الهادئ بطبعه، والذي يرضى بما تيسّر له، دون المزاودة على أحد، أو الصّدام مع أحد، لكنّه يختزن في ذاكرته بما له وما عليه، ويبدو أنّ قلبه الذي تعب من المعاناة قد أملى عليه بأن يبوح ببعض من مكنوناته.
واللافت هنا أنّ شاعرنا لم يكتب سيرة ذاتيّة، وإن تخلّل كتابه شيئا من ذلك، لخدمة الهدف الرئيس وهو كتابة “سيرته الشعريّة” وهذا تَفَرّد للشاعر، وهناك شعراء تكلّموا بشكل عابر عن ملكتهم الشعريّة وعلاقتهم بالشعر في سِيَرِهم الذّاتية، أو في مقابلات صحفية، لكنّهم لم يكتبوا سيرتهم الكاملة مع الشعر-حسب معلوماتي المتواضعة- وإن كان هناك من فعل ذلك فإنّه لأسفي لم أطّلع عليه، وهذا بالتأكيد قصور منّي. ومع ذلك فإنّ الشاعر محمّد حلمي الرّيشة قد كتب عن بدايته وحتّى بدايات العام 2014، وهو لا يزال في أوج عطائه، ويواصل مشروعه الشّعريّ مستفيدا من تجربته ومن تجارب غيره أيضا.
والقارئ ” قلب العقرب-سيرة شعر “سيجد نفسه يعوم في بحر هائج من اللغة الجميلة السّاحرة، وقد استغلّ الكاتب مخزونه اللغويّ الثريّ بشكل جيّد، ليؤكّد من جديد مقولة “أنّ الشعراء هم أفضل من يكتبون النّثر” وشاعرنا ذو اللغة الشاعريّة الجميلة في نثره، لم يقصر سيرته الشعريّة بالعزف على أوتار جماليات اللغة فحسب، بل تعدّاها الى الكتابة عن فلسفته الشّعريّة، مستفيدا من غزارة ثقافته واطلاعه على تجارب شعراء ومفكّرين وفلاسفة وأدباء كثيرين من عرب ومن عجم، ولولا سعة اطّلاعه لما تأتّى له أن يكتب ما كتب. وتجربته هذه تشكّل مدرسة للشعراء والكتاب الشّباب عليهم أن يستفيدوا منها. فالموهبة وحدها ليست كافية لنبوغ شاعر أو كاتب، ولا تنمو المواهب إلا بزيادة المعرفة.
وفي مسيرته وسيرته الشعريّة يعترف شاعرنا بخيباته أكثر من نجاحاته، ولا ينكر جميل من وجّهوه وأخذوا بيده مثل الشاعر الكبير الراحل علي خليلي، وغيره أيضا.
وسيرة شاعرنا الشعريّة لا ينقصها عنصر التشويق، رغم جدّيّة موضوعها، وبعدها عن عناصر الاثارة، وهذا يدفعنا لسؤال الشّاعر عن سبب عدم كتابته للرّواية حتى الآن.
و” قلب العقرب” هذه تدفعنا أيضا الى سؤال وزارة الثقافة عن دعم تبنّيها للمبدعين أمثال الشاعر محمد حلمي الرّيشة؟ ولماذا لا توفّر لهم عملا يضمن لهم حياة كريمة، فشاعرنا يعمل في بيت الشعر في رام الله، وينام على كنبة في المكتب بعيدا عن أسرته التي تسكن نابلس؟
وكتب عبدالله دعيس:
عندما تنظر إلى غلاف الكتاب للوهلة الأولى، وتتفحص عنوانه الغامض؛ قلب العقرب …. سيرة شعر، تدرك، على الفور، أن التوغل في قراءته سيكون مضنيا. فالشاعر محمد حلمي الريشة، الذي يعتقد أن الكتابة الشعرية هي التي تقرأ بوعي وبمخيلة إنسانية فاعلة حتى لو لم تكن مفهومة للقارئ العادي، والذي هو على استعداد أن يخسر القارئ بدل من أن يخسر الجمال في شعره لحساب قارئ لا يستطيع سبر غور القصيدة، لن يبوح لنا بأسرار حياته وسيرته الشعرية بيسر ووضوح!
فرحلة القارئ في هذا الكتاب ليست سهلة، تماما كرحلة الكاتب في عالم الشعر، فولادة القصيدة عند الشاعر، الريشة، تضاهي ولادة الطفل في قسوتها وشدتها! فالشاعر يصف حالته النفسية عند كتابة القصيدة على أنها غيبوبة ومعاناة. والشاعر، محمد حلمي الريشة، يعيش للشعر؛ فقد اندمج الشعر في كيانه، فهو يعيش حياة عنوانها الكلمة والفكرة. وبمقدار صعوبة حياة الشاعر، واضطراب مشاعره، حيث أنه يتنقل في بحر متلاطم من الأفكار والعواطف، يحاول أن يجعل القارئ يعيش هذا الجو بأسلوب كتابته، بلغة شعرية رائعة، لكنها لا تخلو من الغموض والغرابة.
خلال قراءتك للكتاب تلمح ابداعا، وتفانيا في سبيل الكلمة، وبالمقابل تلمح ضياعا بين الشعر والأنا والوطن؛ نكران للذات في سبيل صناعة القصيدة، واعتزاز كبير بالنفس، وحاجة ماسة للتكريم وإبداء الشكر والعرفان من أبناء الوطن.
يقودنا الكاتب مع حياته ومسيرته مع الشعر، حيث كانت بداياته مع ولع شديد بالقراءة منذ نعومة أظفاره، تبدو آثاره واضحة جلية بثقافته واطلاعه الواسع على الأدب العربي والعالمي، والذي يبدو جليا في كتابه. يستعرض الكاتب أسماء الشعراء والمبدعين الذين ألهموه في بداياته، وكذلك الذين واكبوه وأيدوه في مسار حياته الشعرية، ولا يقلل من فضلهم عليه. ربما كان الشاعر علي الخليلي أكثر من أثر به ودفعه قدما باتجاه عالم الشعر والأدب، وكان الشاعر حسين البرغوثي أحد ملهميه، والذي تألم كثيرا لغيابه المبكر. لكنه، في الوقت ذاته، يعتقد أن الشاعر لا يحتاج لقدوة أو لمن يتبناه، وإنما ينمو الشاعر بموهبته وبقوة الدفع الذاتي لديه. وهنا يظهر اعتزازه بنفسه وثقته بقدراته الإبداعية، بنوع من النرجسية، والتي صاحبته منذ بداياته عندما كان يمعن النظر في اسمه عندما نشرت أولى قصائده في الصحيفة.
يعتقد الكاتب أن هناك أزمة في الابداع والمبدعين في فلسطين، ويرى أن أزمة الابداع هي أزمة في ذات المبدع، وأن العلاج من المبدع نفسه. ويعزو ذلك إلى عدم وجود القارئ الواعي وضعف التواصل بين المبدعين، وقلة التواصل مع العالم الخارجي، ويرى أننا بحاجة إلى ثورة حقيقية لتخطي أزمة الإبداع.
الشاعر محمد حلمي الريشة، لا ينتابه الشك بأصالة موهبته وقدرته الإبداعية حتى ولو لم يكرّم من أبناء وطنه. فهو يشعر أنه لم يحصل على التكريم الذي يستحقه في وطنه على الرغم من إخلاصه وعمله الدؤوب حتى في أحلك الظروف، حيث آثر أن يبقى في بيت الشعر الفلسطيني أثناء إنتفاضة الأقصى بعيدا عن عائلته، معرضا نفسه للخطر. وقد كرم وعرف قدره في بلدان عدة، ونال جوائز عالمية، وسميت جوائز أخرى باسمه، لكن وطنه وأبناء وطنه تنكروا له ولم يعطوه حقه. وفي هذا السياق يسوق ما كتبه بعض النقاد عن شعره، والذي يظهر مكانته المرموقة في عالم الشعر على مستوى العالم العربي والعالم. لكنه يعتقد أن الإبداع الشعري تحتكره بعض الأسماء المرموقة في فلسطين، ولا يتم الالتفات إلى الذين تتفتق قرائحهم بالشعر ويعيشون به ولأجله.
شاعرنا وكاتبنا الرائع، محمد حلمي الريشه، هو تماما مثل نجم “قلب العقرب” والذي وإن كان يقبع بعيدا ، عاليا، مترفعا في قلب السماء إلا أنه من ألمع النجوم، يبدو متوهجا في عتمة الليل ولا يغطيه حتى ضوء القمر ليلة البدر.
وقال عماد الزغل:
سيرة الشاعر محمد حلمي الريشة، مخاض الشعر والشاعر. تكمن أهمية السيرة الشعرية للشاعر محمد حلمي الريشة في أنها من الأعمال النادرة التي يرصد فيها شاعر طقوس ولادة الشاعر وميلاد القصيدة، إذ أن الريشة كان رقيبا على نفسه أمينا في رصد خلجاتها، بارعا في تصوير لحظة الميلاد للشاعر وللقصيدة في آن معا، ولم يخف عن القارئ نضوب معين شعره في سنوات عجاف بين الأعوام 1982 – 1985 التي هي في نظري سنوات نمو وانضاج أكثر منها سنوات جفاف للذائقة الشعرية، أو غيبوبة لربة الشعر عنده، لقد توقف نقاد العرب القدماء طويلا أمام أسباب تدفق الشعر وانثال المعاني وبروز الموهبة، فربطوها بشيطانة الشعر حينا وبالإلهام حينا آخر، وحاروا في ذلك في أزهى عصور العلم والمعرفة، ولا شك أن الشعر لحظة ولادة ابداعية ملهمة لا يمكن استحضار وقتها أو زمانها، ولكنها لحظة تأمل يعقبها تأثر وطرب وهياج النفس بالمعاني كثورة بركان دون انذار مسبق. أما عن توقف الشاعر عن شعر الغزل بعد زواجه من فاتن، فقد ذكرني بقول الأصمعي (ان الحبّ اذا نكح فسد ).ان الشاعر محمد حلمي الريشة يرفض مبدأ الالتزام في الشعر مثله كمثل الأديب طه حسين الذي يرى أن الالتزام يحّد من موهبة الشاعر وابداعه، ولذلك فلم يرض أن يفرض أحد عليه موضوع قصيدة، وأبرز هذا في سيرته حيث لامه البعض على إكثاره من الغزل وإقلاله من الشعر الوطني، وربما التقى هذا مع رأي محمود درويش في أواخر عهده بأنه من الأفضل لدى الشاعر أن يعبر عن تجربته الوجدانية الذاتية من أن يعبّر عن القضايا العامة. إنّ هذا الكتاب ليس سيرة فحسب بل هو كتاب نقدي أيضا، تناول فيه الشاعر حال شعراء الجيل الرابع أو الجيل الضائع كما سماه من شعراء الأراضي المحتلة الذين ولدوا شعريا أوائل القرن العشرين؛ فظلموا ولم يلقوا ذلك الانتشار العربي كما حدث مع شعراء فلسطين في المهجر، والذين وجدوا المنتديات التي ساعدت على انتشارهم وذيوع شعرهم، وربما أحدث هذا شيئا من النقمة في نفس الشاعر عندما عاد بعض هؤلاء الشعراء الى الأرض المحتلة بعد اتفاقية (أوسلو )حيث سيطروا على المشهد الثقافي، وحاولوا فرض الهيمنة على المؤسسات الثقافية الرسمية في الضفة الغربية، وكما يظهر في هذه السيرة فإن ثلاثة من أعلام الشعر والأدب والصحافة قد شكلوا شخصية الريشة الثقافية وهم : عبد اللطيف عقل استاذه في المدرسة الثانوية وفي الجامعة، وعلي الخليلي الذي تردد على مكتبته طويلا وتأثر بكتاباته في (الفجر الأدبي)وفدوى طوقان شاعرة الأرض المحتلة التي كان يختلف إليها بحكم قربها المكاني في نابلس .وهؤلاء وجهوه الى شعراء الفحولة والأدب وعلى رأسهم فيلسوف الأدباء أديب الفلاسفة ((أبو حيان التوحيدي)).
ان ولادة الشاعر محمد حلمي الريشة كانت تقليدية كأي شاعر آخر، فقد كان يترنم على سماع الشعر وأغاني فيروز فوّلد ذلك في نفسه أوزانا وايقاعات صادفت تفجر مشاعر الحب والغزل لديه؛ فبدأ يعرض الشعر على غير وزن ثم تعلم البحور الخليلية، وأخذ ينظم على أوزانها الخفيفة حتى أصبح شاعرا، وقد كاد استاذ التربية الإسلامية أن يطفئ جذوة شعره لولا تشجيع الآخرين له على اكمال مسيرته الشعرية، ثم أخذ شاعرنا ينحو منحى شعر التفعيلة وأبدع في ذلك الى أن وصل منتهى ذلك في قصيدة النثر. لكنني اختلف معه في القول ان موسيقى الشعر تنبع من ائتلاف الحروف والأصوات وايقاعاتها فحسب، معللا ذلك بنظرية النظم لدى الجرجاني، فنظرية النظم عند الجرجاني خاصة بالقرآن الكريم وليس للشعر علاقة بها، ولو كان ما قاله الشاعر صحيحا لقالت العرب قصيدة النثر منذ زمن بعيد، فلماذا لم يحد الشعراء قيد أنملة عن ميزان الشعر وبحور الخليل على الرغم من كل محاولات التنويع في الاوزان الموسيقية .
وقد احتج الشاعر بأقوال لأبي العتاهية عن شعر لم يخضع للأوزان الخليلية، وليته ساق أمثلة على ذلك لنرى مدى التجديد في هذا الشعر .
أمّا عن مفهوم الشعر والشعر المفهوم، فالشعر ابداعٌ لا يخضع للمنطق ولا للعلاقات المباشرة كما يقول الشاعر، ولكن في رأيي أن هناك خيطا لا بدّ أن يربط بين المشبه والمشبه به، وبين المعاني الحقيقية والمجازات لا على سبيل المباشرة، ولكن على سبيل التصوير، وليس من الغريب أن يرى الشاعر أن اللغة وظيفتها الإيحاء وليس المباشرة، فهوَ ابن عصره وبيئته وهذا مذهب الشعر في العصر الحديث، القائم على الرمزية وليس المباشرة.
وقالت رشا السرميطي:
عندما أمسكت كتابًا لشِعر يار فلسطين شعرت بالرَّهبة، الرَّغبة، والمزيد. لم تكن سيرة ابن مدينتي بعاديَّة، سيرة شعرٍ وليست سيرة شاعر، حملت عنوان: قلب العقرب. هي منذ بداية العنوان غريبة، مريبة، ماذا يصل بين الشَّاعر والعقرب، وما شأن الشعر بذاك الوصال؟ ربما هي فلسفة تحتاج للفهم وفي نهايتها ستكون رصينة، كيف لا تكون كذلك وهي مكتوبة من شاعر حقيقي ولد في مدينة نابُلس، لكن السؤال الملهم: هل هناك شعراء وهميُّون؟
حقًا في زماننا كم نفتقر للشِّعر؟ وأنا التي لا اطلاع كبير لدي في ذاك العالم، ولا صلة لي في بحوره الشِّعريَّة، ونظم أبياته، لكنَّني مؤمنة بقدرتي كقارئة على انتشال الأجمل، الأفضل، والأبقى من مقطوعات الكلمة، وموسيقى البوح المترَّنح على رفوف الورق المبَّلل بشتاء عاشه شاعر متناسي مظلَّة الوقت. لقد جمعنا الشاعر محمد حلمي الرِّيشة والظلال على ضوء الأمل. في هذه المسيرة نقرأ ما بين دفتَّي عمر أحد، وفاء للشِّعر. عندما تكون كاتبًا وقارئًا ويحتويك الشُّعور لأن تقترب من كتاب لذي قامة أدبيَّة عالية، حتمًا تغتالك رغبة الاختيار ويقضم الشَّغف رغبتك بالاطلاع على المزيد، التعلُّم، والاهتمام أكثر وأكبر. هو الذي ما وعد أحدًا بأن يكون شاعرًا، لكنَّه ولد هكذا، شِعريار السبعينات حاضر اليوم في قلب عقرب يحاكي الواقع بشعريَّته وينتقد وقائع أحداثه، يصرخ، يبكي، يتألَّم، يأمل، يؤمن، ويمضي غير مكترث إلاَّ برعاية الشِّعر، أيكون الحافظ رغم ما نشهده اليوم من نهب ثقافي واستغلال أدبي؟ ربما
بدت سيرة الشاعر سرديَّة مشوِّقة ومتينة، وجدتُّ اللغة عالية وبها من التوصيفات البلاغية والأدبيَّة ما أعجبني، وقد استقليّْتها كقطار سريع حملني من محطة للأخرى بذات الرِّضى ووافر النَّهم، فما برحت أن بدأت قراءة الكتاب حتى أكملته، وما انتهيت! هي وقفات عديدة ومواقف متنوِّعة مرَّت على ذاك الإنسان الذي قاوم وناضل في مسيرته والقلم عند ذاك الدرب الشائك الذي لم يمهَّد للمثقَّف منذ زمان بعيد، لم ينهكْ الرِّيشة باختلاف آفاق التَّحديات التي حلَّقت بها أوراقه، وتتابعت ورقة تعلو ورقة تبرعمت على ذات غصن بوحه مؤمنة بنموِّ أزهار معانيها، حالم بأن يقطف الثَّمر مهما تعسرت ولادة المواسم النَّضرة.
قلب العقرب؛ لقد حاولت تحليل هذه التسميَّة والإمساك بتلابيب غاية اختيارها عن غيرها، وقد قلبَّت غلاف الكتاب مرَّات ومرَّات حتَّى وجدت تفسيرًا ربما كان سليمًا، فالعقرب من الحشرات غير المميتة نسبيا للبشر لأن لسعاتها تؤثر محليًا من ألمٍ وتورم فقط، ولكن مع العقرب الأسود الذي تشكل بصورة متماهية على غلاف الكتاب فالخطورة تزداد إلى أقصى حد، لأنَّ السمَّ الذي يحتويه هذا العقرب مزيج قوي يؤدي إلى ألم غير محتمل ثمَّ حمى تليها غيبوبة، تشنُّجات شلل ثم الموت المنتظر من البداية! ومن المعروف أيضًا أنَّ الأطفال الصِّغار وكبار السِّن هم الأكثر تخوفا من هذه العقارب عن البالغين. ولكن ما يربط هذا بالشعر؟ وهنا تأتي الحنكة والحبكة في اختيار العقرب الذي يصوِّره شاعرنا في معظم أطروحاته، فهو يتحدَّث لنا بأنَّ الشعر ليس مشاعر، إنَّما هو السُّم الذي يصيب روح الشَّاعر، فتصيبه الحمَّى ليهذي ويخرج عن وعيه مستحضرًا ذاك الكلام غير العادي؛ ليسقط الغيبوبة على روحه، وينسِّق موسيقاه البكر التي لم يأتِ بمثلها شاعر قبله، يتشنج القلم لتولد الكلمات ثم يصل الموت، موت الشاعر لأجل الفكرة، وينتهي مفعول ذاك السُّم بعدما باح به الشَّاعر، تموت القصيدة لا من حيث خلودها وإنَّما فكرة تكوينها، وهنا أشار الشاعر إلى ضرورة عدم التقليد، فالشعر ابتكار وتجربة، وليس الشِّعر مشاعر لنصيغها بطرق مختلفة. وأيضًا تأثر الشاب بالسُّم الشِّعر والطفل والشيخ ربما حمل اشارة إلى العمر الذي ينضج به الشعر في عمر صاحبه. لماذا قلب، وليس ذيل أو مقص؟ ربما يقصد الشاعر بأن الشعر هو قلبه، فقد صوَّر الشعر بأكثر من موضع بأنَّه حياته، والانسان بلا قلب تنتهي حياته، ولماذا قلب العقرب، قد يكون الشاعر من مواليد برج العقرب وهنا تكون المسيرة الشعريَّة التي قدمها هي قلب و” حياة ” محمد حلمي الرِّيشة.
الغلاف الذي حمل اللَّون الذَّهبي، وهو لون ذو دلالة عن الآلهة، قديمًا كانت تصنع التماثيل والمجسمات التي تعبر عن إله من الذَّهب، وهو يعني التَّفرد، والذَّهبي أحد اشتقاقات اللَّون الأصفر، والأصفر لون يبعث السعادة ويرفع المعنويات، وهو مرادف لفصل الصَّيف، الشَّمس والضِّياء، ولون الزُّهور الصَّفراء ينعش الرُّوح بعد شهور الشِّتاء القاسية والباردة، الأصفر الذَّهبي علامة الازدهار وحصاد ثمار جهد طويل ومضنٍ. ويرمز إلى الطَّاقة الخلاَّقة، الفكر، الذِّكاء، القُّوة والثَّراء، كل تدرجات الأصفر تقريبا تُضفي النور إلى أكثر الغرف ظلمة ووحشة وبرودة، في ما يتعلق بتدرجات الأصفر الغامق كلون الخردل واللَّون الذَّهبي أو النُّحاسي، فهي ألوان دافئة تضفي جوا راقيا وحميما ويمكن مزجها مع ألوان أخرى تتناسق معها، ومعظم تلك المعاني والدلالات اللَّونيَّة كانت حاضرة بوضوح فيما قدَّمه الشاعر لنا في مسيرته الشِّعرية
إنَّ أكثر ما حضر فيما قدَّمه شاعرنا هو تلك الأبواب التي جاءت متلألئة كالنُّجوم تسبح في سماء الثَّقافة.
1- سفن الرُّوح؛ كانت الحاضرة والملهمة في معظم ما كتبه شاعرنا، هو لم يكتفِ بالجسد ولا ما هو ملموس، إنَّما تعدَّى بقصائده حدود العادي المألوف، وارتفع بنبض فكره بعيدًا، لم يخشَ عسر الغريب والغائب، بدا مستَّعدًا للتَّحدي منذ أوَّل صدٍّ من معلم التربيَّة الإسلاميَّة، وتخليِّه عن كليَّة الآداب برتابة طرحها الجامعي للغة وفنونها، روح الشاعر تعلَّقت بالقراءة أولاً ثمَّ الكتابة، وربما ذاك النَّهج القوي الذي كان سببًا في قوة منتوجه الشِّعري، فمهما كان لدى الكاتب قوة أفكار وآراء، ومهما امتلك من حنكة الكلمة وأصالة المعنى، تبقى القراءة هي القنديل الذي لا يجب أن ينتهي زيته، كي لا ينطفئ نور الحرف وتغرف الذَّاكرة منه مزيدًا. يقول الشَّاعر في مقطع من قصيدته “سيرة ذاتيَّة لما لم يأت بعد”، في صفحة (37): .. وأرى فيما أرى/ حلمًا أرى في الجفن هل يأتيه صدق/ ثمَّ هل يبقى طويلا/ عندما أبدو سماويًا/ تدخل الأيَّام في عمري/ تخرج الأوراق من سطري/ وقد ألقى سبيلا.
عمق التَّجربة ووجع الوطن؛ تغلغل الكاتب نحو بحر الحياة دون خوف ودلالته الجرأة والإقدام، بدت آلام فلسطين كما الوشاح الممتَّد على عنق شاعرنا بدءًا من أمس (م) الأديب بلوغًا لشِعريار اليوم، هل يعقل لمفاجأة أن تخلق صرحًا لا يفنى؟ كيف لا ومعظم العلماء صاروا كذلك عن طريق الصُّدفة حينما اكتشفوا ظاهرة ما، سلوك ما، تفاعل ما؟ ربما (ما ) الشعريَّة هي أيضًا محض حظ وصدفة يكتشف بها الانسان نفسه أو روحه، وقد يرعى ذاك الاكتشاف أم يُرعى وربمَّا يزول للفناء العتم دون عناية كل الزروع تبلى، الشعر، كما اللغة، إن لم نعتن بها ستجف، وتصير قشًا يابسًا ينتثر مع الهواء من غيره، أو تضيع الموهبة في الهباء، أعتزُّ بما كتب الشاعر صفحة (63) لـ ” كارل ساندبرج”: الشِّعر يوميات يكتبها كائن بحري يعيش على البر حالمًا بالطيران. يقول الشَّاعر: “الموهبة نظام صارم وصبر طويل” أورد الشاعر في صفحة (64) الفرق بين كتابة الشِّعر وكتابة المشاعر، ويردف:” القصيدة تجربة وليست مجرَّد مشاعر”
آهات التاريخ الفلسطيني؛ تطرَّق لها الشاعر من خلال بعض الأحداث عن الفترة التاريخية الممتدة من سبعينات القرن العشرين حتى وقتنا الحالي محاكيًا الأحداث السياسية والاجتماعية فقد ورد ذكر للانتفاضة الأولى عام (1987م) وما جرى من تحولات في القيادة المجتمعية وكيفية تربع السياسي على مقعد القرار ما بعد أوسلو، بالمقابل عزل المثقف وتنحيته بعيدًا، رغم قدرة الحركة الثَّقافيَّة على الخلق والابتكار والتغيير وكذا التطوير في المجتمع، يذكر حواره مع الشاعرة فدوى طوقان عندما أشار عليها بسؤاله صفحة (71): من حفظ الوطن أكثر؛ الثقافة أم البندقية؟ فكان جوابها الثقافة ثمَّ البندقية، وتخللَّ ذلك نقاش غياب أدب المقاومة، وامتدَّ الشاعر بطرحه حتى يومنا هذا وغياب دور المثقَّف تمامًا من المشهد الوطني، حتى أنه قد أشار لدور المثقف في افساد المشهد الثقافي بتكبير الصغير وتصغير الكبير، وما آلت إليه العملية الترويجية ومكافأة الكاتب ومنح الجوائز ولجان التحكيم، إن ما جاد به شاعرنا من فترة ثمانينات القرن العشرين لم يزل لليوم على حاله، وإن تجرَّأنا لنسأل أنفسنا: لماذا؟ ستكون الإجابة: لا أحد غيَّر ساكنًا، ربما الكل راضٍ، البعض، الأقل أم الغالبيَّة المتفرِّجة، الممتعضة، المغموسة، المعنيَّة بالتجهيل! أوسلو حسب رأي شِعريارنا كان فسادًا وطنيًا وثقافيًا.
بداية المبدع وأستاذ معاون (علي الخليلي) أم وفاء الطالب للمعلِّم؛ رغم تحدُّث الشاعر بأكثر من موضع في الكتاب بأنَّ الابداع مجهود فردي، وبأنَّه لا ضرورة للأب الثَّقافي كي يكبر الطفل المثقف ويصير رجلاً صلبًا في المجال، إلاَّ أنني أعتبر ومن منظوري الشخصي بأنَّ ما ذكره من أسماء وكبار في الأدب ما هو إلا الوفاء لمن عاصر هو من آباء اللغة، لكنَّ الفرق في الجيل الذي يتحدَّث عنه شاعرنا والجيل الذي أعاصره أنا، كما الفرق بين السَّماء والأرض، حيث أنَّ الأب يحتاج لابنه كي يعكزَّه في مسيرتهما الثَّقافية، وهنا لا أعمم فهناك أبناء شبه مثقفين يظنون أنفسهم عمداء وقادة للثقافة، وأستغرب من هؤلاء حقًا من هشاشتهم والخواء الذي بهم، كيف لا يخجلوا وينسحبوا من المشهد كله؟ يقول شاعرنا صفحة (68) لمعلِّمه خازن الأدب في خوابي القلب- علي الخليلي: “يا أمير النَّقاء، كم يكلِّفنا الوفاء؟ بل كم أتلفنا عدم الوفاء”. حقًا كلمات لؤلؤيَّة، وكم أتلفنا عدم الوفاء؟ من أجمل التعريفات التي ورد في سيرة الشاعر، تعريف القراءة “فعل تنويري، تثقيفي، كاشف، فاضح لا تغطى فضيحته ورقة من كتاب”، “الكتابة فرح”، “اللغة لعبة الشاعر في تجليات غير مسبوقة”.
من هو الشاعر، مفهوم الشِّعر أم الشِّعر المفهوم؟ نهج قدَّمه الشَّاعر في قراءة الشعر وفهمه وتحليل أبياته، لقد وضَّح الشاعر طبيعة مهاجمة كل جديد وعدم قبوله لأنه يعارض الأقدم، كما وأشار لكيفية بقاء الجديد ليفرض نفسه، ووجوده، وتطرَّق للمنعطف الهامّ في تحوُّل الشِّعر لنوع جديد وهو النَّثر الحر الذي يعتبرونه شعرًا، يقول في صفحة (144): “إنَّ القصيدة بالنَّثر وليس قصيدة النَّثر، وأي قصيدة يجب أن تنبني من إيقاع اللغة الأصيلة”. الشاعر في سيرته قدَّم سبلا بسيطة وغير سهلة، تمكِّن السَّالك لها من غايته في صيرورته للشِّعر ذاته. ويشرح مسهبًا ذلك في قصيدته صفحة (147) بعنوان: نتوءات مائيَّة. حيث كانت القصيدة بالنَّثر الميلاد ثمَّ بعدها تابع الشَّاعر كتابة عدة مجموعات من هذا النَّسق.
الشِّعر المائيُّ، غزَّة والقصيدة الأولى بالنَّثر، مصر ووجه النِّيل؛ بدا واضحًا عمق تجربة شاعرنا وأدباء وصحف كانت هناك، كما في المقطوعة التي تحدَّث خلالها عن زيارتة لمصر بعد عناء طويل، كأنَّه الشِّعر المسافر عبر الماء على متن ظهر شاعر ربَّان، لقد بدا خلال سيرة محمد الريشة مراحل انطلاقه، اصراره وثباته مع المثابرة، بلوغًا لموانئ القفزات الفرديَّة التي نجح بها تباعًا، مرورًا بتجاربه في الترجمة، وقوفًا عند سيرته التي وضعها الآن بين أيدينا دونما توَّقف، بقي هذا الانسان يرعى أزهار الكلمات لأجل تأمين الرَّحيق لنحل الشِّعر فيه. يقول صفحة (113): “النَّيل بللني، لأظمأ ثانيَّة/ النِّيل يشربني، لأقرأ صوته/ النِّيل يكتبني، على البردِّي منسابًا إلى رئتي، إليه/ فالماء لفظته، وآيته الشَّفق/ لمَّا يزْل/ ينساق في جسدي/ كأنَّا واحدٌ/ نحو الغرق.
وليمة دسمة المذاق؛ السيرة الشعرية بدت روائية سردية، متسلسلة في اضرام نيرانها، ومشوِّقه في اقتحام أبوابها، أنيقة في تتويج كلماتها، رصينة في اختيار أماكن حديثها، ذاك الأمر الذي يدفعني للتَّساؤل: إن كان ذاك هو محمد حلمي الرِّيشة وسيرته الشِّعريًّة ( نموذج) لم لمْ يُحتذى به داخل فلسطين حتَّى الآن؟
لقد أخبرني الشاعر بأن الكتاب ” قلب العقرب” سيرة شعره سيدرس في جامعة المغرب بعد أن أطلقت مسابقة باسم الشَّاعر، تتوالى اغداقتها وتعتمد الكتاب كمخصص أكاديمي! وفي استراليا كرِّم الشَّاعر وشعره كشخصيَّة عام، وتلا ذلك التتويج في استراليا وجائزة المهاجر العالمية للفكر والآداب، لكن هذا يسوقني لما أفاض به الرِّيشة في صفحة (195) ما يسرُّ القلب من الغرب، ردًا على أحد الحساد كما وصفه الذي استكثروا على شاعرنا التكريم بجائزة تسمى باسمه في كلية تطوان، يقول: “يبدو أنني لم أعرف بعد بأنني لم أزل موظفًا أتنقل يوميًّا، لأكثر من أربع ساعات، بين مدينتين هما (نابلس) و (رام الله) في فلسطين المحتلَّة، عبر كمائن جيش الاحتلال وحواجزه”.” هنا في فلسطين المحتلة، لم أعدم ردود أفعال انفعاليَّة فصاحبنا في مدينة الضَّباب هناك، حيث انعدام الرؤى والرؤية”. كل ذلك يعيدنا للعبارة الكافيَّة: ” خسارة؛ قيمتنا الثَّقافيَّة خارج فلسطين أكبر”، أهو الغياب أم التغيِّيب المقصود لأجل فلان وفلانة.. لا أدري.
رصانة اللغة جعلتها عالية الأنفاس؛ نقيَّة، واعيَّة، مترفِّعة عن المبهم، مألوفة للمبتكر والمبدع، كل ذاك التكوين وحرص الشَّاعر على اخراجها بلا أخطاء لغويَّة ونحويَّة جعل هذه السيرة تزداد بريقًا، وتؤكد ضرورة اعتماد شِعريار فلسطين عنوانًا علنيًا عندما نتحدق عن شعر هذه الأيام.
الفلسفة الخاصة؛ بدت هذه سمة منسابة على كافة أطروحات الشاعر خلال سيرته، إذ كانت له دلالتها المميزة مثل: الطَّمث الشعري، يسرُّ القلب من الغرب، الجائزة تفوز بي، مفهوم الشِّعر أم الشِّعر المفهوم، زجاج عينيه، سيرة شعرية وليس سيرة شاعر، وغيرها.
بيت الشِّعر والمحطَّة غير الأخيرة؛ 14 عامًا عمل ويعمل محمد حلمي الريشة في بيت الشعر الفلسطيني، وقد بيَّن شاعرنا المهام الموكلة إليه وطبيعة حياته بعد وجوده في هذا البيت الذي ربَّما كان قد علَّق على سطحه العديد من الآمال، لكن، ما أضاف بيت الشِّعر لشِعريار إلا أسماء أخرى كبيرة في المجال، وكذا تجارب وأفكار عميقة في الشِّعر وغيره، كسائر الأمكنة، أينما تحل تستفيد، وقليلاً ما لا تستفيد، فقط إذا عرفت أين تتجه، ولمن تكون الوجهة؟ كما تطرَّق الشَّاعر للصداقات الأدبية في فلسطين اليوم وقارنها بالصَّداقات أمس، ومايز بالفروقات الكبيرة بين الفترتين، إذا عدَّ الثَّانية أفضل، لأنَّها مثمرة. يقول عن هموم المبدع الفلسطيني صفحة (245): “أنَّ المبدع الفلسطيني لا يزال أسيرًا لحاجاته الضَّروريَّة، ولايزال غير قادر على امتلاك حقه من الحرَّية الإبداعيَّة، لا يزال حيِّز الطِّباعة ضيِّق جدًا وهو في الأغلب على حسابه الشَّخصي، لازال غير قادر على العيش من ابداعه للتفرُّغ له. أحداث كثيرة يمرِّرها الشاعر هنا عن سيرته الذَّاتيَّة، وعن الحصار في الانتفاضة الثَّانية وعزل رام الله عن نابلس، وعزل المثَّقفين أنفسهم لأنفسهم.
الملحقات من صفحة ( 273 ) إلى صفحة ( 350 )؛ تلك النُّصوص الشعريَّة مررت عنها لأستزيد من حلو ما يطرحه الشاعر، فوجدت في البعض شوقًا وغزلاً لزوجته، حبيبته، رفيقة ألمه، فاتن، القصائد لطيفة ذات لغة فنيَّة، رقيقة ومتماسكة، أذكر مما أعجبني: نجمة البنفسج، الصَّدى، غربة الآهات، لستها قالت أحد! وغيرها. يقول صفحة (290): إلى متى أظلُ عاشقًا لروحها، بدون أن تكون لي؟/ إلى متى يغيب قربها، وينجلي فراقها، بدون أن تكون لي؟ إلى متى أظل حائرًا كقطرة من النَّدى/ أموت بالضِّياء/ أعود للسَّماء/ بدون.. أن تكون .. لي؟
يقول صفحة (327): “من زمنٍ لم تكتب في الحبِّ قصيدة! / قالت لي العرَّافة يومًا وأجبت بصمتي/ هل خذلتك الدُّنيا أم سيقت للشِّعر هموم/ أقرأ أنَّك ترحل/ ترفُل بالصَّمت وبالأحزان/ والنَّبع قريبٌ/ أقرب من وجعٍ في الشِّعر/ اغسل ذهنك من شوقٍ جارف/ تفسلها الرُّوح/ وتغسله جسدك”. بدا الشاعر في قصائد الملحق متعلِّقًا بمحبوبته فاتن التي رافقته طيلة حياته وتكبَّدت مشاق البلوغ لهذه السيرة التي فاح لها من خلالها الوفاء، مع ملاحظة قدم هذه القصائد التي لولا ذاك الدَّفتر وفاتن لما كنت بين يدينا.
2014-08-15