يمر وسطنا العربي في هذه البلاد بعملية إفقار اقتصادي، تشترك فيها كافة المؤسسات الإسرائيلية بشكل مباشر وغير مباشر منها، ان شركات إنتاج الأغذية اجتاحت المنتجات العربية الأكثر شعبية، إذ نجد مثلًا أن شركة ” تنوفا” قامت بتصنيع اللبنة والجبنة العربية تحت مسميات مختلفة في حين أن شركة “شتروس” قامت بتصنيع” الحمص وأطلقت عليه تسمية عربية ” حمص أحلى” وضمن عملية الإفقار الاقتصادي قامت السلطات بضم الكثير من النباتات التي توفر على المواطن العربي بعض النقود إلى قائمة المحميات الطبيعية وكان أولها نبتة “الزعتر” ذات الشعبية بالغة على مائدة الفطور العربية، وتفتق ذهن السلطات على منع قطف “العكوب” و”العلت” ومن سخريات القدر أن بعض التجمعات الزراعية اليهودية تزرع العلت وتبيعه لنا؟!!
وطبعًا منعت السلطات الوسط العربي بشكل غير مباشر من الزراعة الشجرية المربحة فيما تبقى لنا من ارض ( إلا ما ندر) تحت حجة ” إن هناك تغطية لحاجة الجمهور من هذه الثمار” كما سلبت حقنا الطبيعي في الحصول على مياه الري حسب الكمية التي تقتضيها الحاجة، ونحن هنا لسنا بصدد دراسة عن واقع التميز وإنما نقوم باستعراض سريع لعملية الإفقار التي نتعرض لها والتي منها أيضا عدم إتاحة المجال لتربية المواشي لإنتاج الحليب، وعدم إتاحة المجال لتربية الدجاج لانتاج البيض وعدم إتاحة المجال لبناء برك لتربية الأسماك، وغيرها وان كان منعنا من كل هذه المجالات غير معلن عنه، ولكن ذلك يظهر بوضوح.
لم تتوقف سياسة الأبرتهايد عن أي مجال ففي الجامعات مثلًا يعمل 7000 محاضرًا منهم 30 محاضراً عربيًا فقط؟َ!!
ووصلت سياسة الإفقار إلى مؤسسات ( العدالة) فالأبحاث تبين بان العربي يُغرم على نفس الجناية التي يرتكبها اليهودي إضعاف ما يُغرم عليها الأخير، وجنبًا إلى جنب منعت الأقلية العربية من العمل في الكثير من المجالات فتفاقمت البطالة وأفرزت الكثير من الشوائب الاجتماعية، وقد بين تقرير “أدفا” بأن الفقر يستفحل بين العرب، ويشير أيضا التقرير الصادر من مؤسسة التأمين الوطني الصادر العام الماضي 2013 بان أكثر من نصف الأطفال العرب من شريحة الفقراء والمعوزين وهي بنسبة 66%.
لعل أكثر الشرائح العربية معاناة جراء هذه البرمجة هي الطائفة الدرزية، حيث أغلقت الكثير من مجالات العمل إمامها لأسباب عدة منها انسيابًا مع ما خطط لها، ومنها ما هو ذاتي؟!! (في حق علينا.. تزعلوش يا من تدورون في فلك السلطة)
والسؤال: ماذا فعلت القيادة في مواجهة هذا الواقع؟
قبل كل انتخابات تنزل علينا الوعود مثل زخ المطر.. يعترفون بالغبن ويعدوننا بإصلاح الوضع “شاول موفاز” وصل إلى الكنيست بجهود الأخ أكرم حسون حيث حاز على ما يقارب ال30 % من أصوات عسفيا ودالية الكرمل وقد حضر “موفاز” إلى دالية الكرمل وشكر من منحه الثقة وتحدث بأروع الكلام؟!! ولكن على ارض الواقع كان الوفاء لهذه الشريحة 0%، تنكر واضح وفاضح وسافل لمن أوصله إلى الكنيست؟!! في حديث لي مع الأخ أكرم قال لي انه يضغط بشدة على موفاز كي يساعد من موقعه في توفير مصادر رزق محترمة لشبابنا ولكن موفاز يقول له: “إن الوضع لا يتيح ذلك؟!!
والحقيقة مغايرة لذلك كليًا، فلو القينا نظرة على واقع القادمين الجدد وخاصة القادمين من إثيوبيا نجد أنه انتشرت بين الجمهور الإسرائيلي الشائعات الظالمة تقول بان الإمراض الجنسية تفتك بهم، وهنا عملت الحكومة على محو هذه الشائعات بسرعة فائقة وتم تأهيلهم للعمل في كافة المجالات وبمساعدة الشركات والمؤسسات المختلفة وخاصة مؤسسة التأمين الوطني، وكانت وما زالت ضمن عملية تغير نظرة المواطن الإسرائيلي لهؤلاء، حملة إعلامية مكثفة، حيث نجد مثلًا أن شركة “تنوفا” تنشر على الباصات والجسور صورة لطفل إثيوبي وأخرى لطفل ابيض اللون وتكتب تحتهما:
” واحد شكولاطة وواحد فنيل”.
وهو نفسه ما تفعله شركة” ستروس” كما تُنشر الإعلانات على الباصات، صورة شاب أثيوبي وأخر ذو لون ابيض وهما ذاهبان إلى الجامعة، وهم اليوم يؤهلون إثناء العمل في حين أن من هو مؤهل عندنا لا يقبل لكثير من المجالات، وحتى لا نفهم خطأ نحن مع مساواة المواطنين ونرغب أن تتاح شتى المجلات أمام الجميع، ولكن كما هو واضح تمامًا هناك مخططات عنصرية يتم بموجبها استيعاب اليهودي غير المؤهل وإقصاء العربي المؤهل وهنا يتم التركيز على الشاب العربي الدرزي تحديدًا، المعلومات التي لم تعد سرية تفيد بان الشاب الدرزي يُرفض من قبل إدارات الكثير من الشركات دون غيره بطلب من المؤسسات الحكومية؟!! ليبقى ضمن حظيرة السلطات كي يضطر إلى العمل ضمن قوى الأمن. ولا يخفى على أحد المناهج الدراسية المتدنية في المدارس الدرزية ذلك لان السلطات تدرك مدى ترابط المستوى التعليمي مع المستوى الاقتصاد.
معلومات أخرى تقول بان طائرة قامت برش حقول العنب التابعة لقرية ” بيت جن” بالمواد المبيدة؟!! وهكذا يقع على هذه الشريحة الاضطهاد الكبير والمضاعفً،ً وهنا نعترف نحن التنظيمات العاملة ضد سياسة السلطة (لجنة المبادرة الدرزية) و”جمعية الجذور” ولجنة التواصل” وجمعية الحضارة العربية” باننا لسنا في قوة الدولة، نحن لا نستطيع لوحدنا الانتصار على هذه السياسة التي تجند لها السلطات الموارد الضخمة.
القيادة الفلسطينية تدرك ذلك جيدًا، ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئًا، في لقاء لنا مع الشهيد ياسر عرفات وقف الشاعر نايف سليم وقال:
إن من يتجند من الطوائف العربية تطوعًا هم أكثر ممن يتجند إجباريا من أبناء الطائفة الدرزية فرد عليه الشهيد قائلًا:
” أنا مدرك لواقع الطائفة الدرزية في إسرائيل فليس فيها المهندس ولا الطبيب ولا المحامي ولا حتى المهني بما فيه كفاية، والشعب بدو يعيش يا أخوان”
لقد استعرض الشهيد واقعنا بشمولية ودقة متناهية، شفق علينا، وسخر منا في آن واحد ومن خلال كلمات معدودة.
إننا نقول أن واقعنا بحاجة إلى دراسة لاستخلاص العبر واتخاذ الخطوات العملية اللازمة.. بحاجة إلى مساندة شعبنا بدلًا من العتب والتخوين.
في المقال القادم سوف نناقش جمعية ” ارفض.. شعبك بحميك” ترى هل هناك من يستطيع حماية الشاب الدرزي الذي يرفض هذا الواقع، أم انه شعار فارغ من معناه؟