أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
في 25 مايو أُعلن عن إرجاء بدء العمل مع الشركة الامريكية الاسرائيلية “مؤسسة غزة الانسانية”. المنوط بها قيادة وتنسيق المساعدات الإنسانية.
– تعود مخططات المساعدات الانسانية الى اواخر العام 2023 ضمن ما بدأ يرشح من قيادة الاركان وبالتنسيق مع وزير الامن السابق غالنت في حينه بشأن كيفية ادارة قطاع غزة عسكريا. كان المخطط التجريبي الاول في هذا الصدد والذي بدأ فعليا ببتر قطاع غزة سعيا لتحويله الى مربعات سكنية تبدأ في حي الزيتون في مدينة غزة.
– المخطط الاخر جاء ايضا بمبادرة امريكية اسرائيلية وبالتنسيق بين ادارة بايدن وحكومة نتنياهو، وهو مخطط الرصيف العائم الامريكي على الشاطئ مقابل مدينة غزة والذي تم انجازه يوم 16 ايار 2024. وفقا للناطق العسكري في حينه فإن “الرصيف العائم سيتيح ادخال المعدات الانسانية التي تم تجميعها في قبرص وتنقلها السفن الامريكية، مما يعزز المساعي الاخرى بإدخال المساعدات من البر”. اعتبر الناطق العسكري بأنه “الى جانب العمليات الهجومية الواسعة فإن تعزيز المساعي الانسانية يتيح توسيع الحرب”. بعد اقل من شهرين وبتاريخ 11 تموز 2024 أعلن الجيش الامريكي تفكيك الرصيف بعد ان حالت الرياح والامواج دون عمله، وتم نقله الى ميناء أسدود.
– بتاريخ 23/5/2025 عمم الاعلام الاسرائيلي بأن المنظومة الامريكية للمساعدات الانسانية لغزة والتي تقوم بتنفيذها “مؤسسة غزة الانسانية” GHF لن تبدأ عملها المزمع بتاريخ 25/5 وسيتم ارجاء التطبيق نظرا لعوامل تنظيمية. فيما ان الارجاء هو كما يبدو جزء من سياسة وليس لدوافع فنية، كما انه يعكس الورطة الاسرائيلية الاحتلالية في غزة والتي يتم تدفيع كامل الثمن فيها للفلسطينيين.
– وفقا للمخطط والذي كشفه تقرير الواشنطن بوست 23/5 فإن الغاية هي تشكيل منظومة “انسانية” تشكل بديلا للأمم المتحدة والمنظمات الانسانية التابعة لها. بل يكشف التقرير الهدف الاسرائيلي من وراء هذه المؤسسة والذي تمّ اخفاؤه لتحاشي وضعية “تبدو فيها الولايات المتحدة وكيلا اسرائيليا”. ثم يتضح ان احد رواد الفكرة والمشروع وفقا للصحيفة الامريكية هو ليران تنكمان ضابط الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي السابق وصاحب فكرة التحكم عن بعد مئات الأمتار من خلال التشخيص البيومتري والمعتمد على الذكاء الاصطناعي والتيقن من هوية الفلسطينيين المتدفقين لتلقي رزم الاغذية في مراكز التوزيع المقامة على المحاور العسكرية الاربعة التي تبتر قطاع غزة، والتي يقوم الاحتلال بتسويقها على انها تحول دون عودة الفلسطينيين الى بيوتهم وبلداتهم بما تبقى منها، بحجة “الحفاظ على ارواحهم والى حين يتم توفير الامان” لهم بالعودة.
– يشارك في المخطط ميكل ايزنبرغ رجل الاعمال الاسرائيلي الامريكي، والمعروف وفقا للتقارير بتوجهه العدائي للمنظمات الاممية الانسانية، ويرافقهما مجموعة من ضباط عملوا في مكتب “منسق اعمال الحكومة في المناطق المحتلة” وفي “الادارة المدنية”، وكذلك ضابط كبير في جهاز السي اي ايه الامريكي كان مسؤولا عن فرع افغانستان في وكالة الاستخبارات الامريكية.
– في جوهر بنيتها، لا تختلف المنظومة الامنية لمؤسسة غزة الانسانية عن شركات المرتزقة وأشهرها بلاك-ووتر المؤلفة من ضباط وجنود امريكيين سابقين ممن حاربوا كمرتزقة في العراق وافغانستان على اساس جني الارباح الفاحشة. وفقا للصحيفة الامريكية فإن “مؤسسة غزة الانسانية” نجحت في توفير 100 مليون دولار تبرعات من احد الممولين الاسرائيليين الذي يرفض الكشف عن اسمه، علما بأن هذه التبرعات هي استثمارات تعود على “المتبرع” بالأرباح الطائلة.
– على خلفية التوتر بين ادارتي ترامب ونتنياهو وتصريحات ترامب حول المجاعة والوضع الكارثي في قطاع غزة، وضرورة وقفه، بادر الكابنيت الاسرائيلي يوم 13/5 وبإجماع مغاير للتصريحات بالتصعيد التجويعي الذي سبقته، وأطلق نتنياهو صيغة “المساعدات الانسانية التي تتيح الانتصار الساحق على حماس”. شدد نتنياهو على محاذيره بأن لا تسيطر حماس على المساعدات، وعلى استبعاد المنظمات الدولية وعلى المعايير الامنية باعتبار المساعدات تشكل آلية لإضعاف حركة حماس مدنيا.
– كل هذه المناورات التي تندرج مسألة الجوع القسري باعتباره استراتيجية حربية ، أدت لتصاعد لهجة الموقف الاوروبي باتجاه خطاب فرض المساعدات الانسانية ومن خلال المنظمات الانسانية الاممية ووكالة غوث اللاجئين الاونروا.
– التخوفات الإسرائيلية من ان تتصاعد الضغوطات ، إذا ما اتاحت واشنطن تمريرها ، ان يصدر قرار ملزم في مجلس الامن وفقا للبند السابع بإدخال المساعدات ووقف الحرب. كما تتعزز هذه التخوفات عشية المؤتمر الدولي لحل الدولتين في نيويورك منتصف يونيو وبرئاسة سعودية وفرنسية. فيما تكثر التصريحات الاسرائيلية بضرورة استبعاد فرنسا من اي مجهود دولي تحت مسمى المساعدات الانسانية. كما ياتي مؤتمر مدريد الدولي لاغاثة غزة ووقف الحرب والدولة الفلسطينية 25/5 ليشكل رافعة في الضغوطات الدولية.
– بدورها ترفض المنظمات الاممية الانسانية الانضواء تحت مشروع “مؤسسة غزة الانسانية” وترفض معاييرها في الاغاثة باعتبار ان عاملي المنظمات الانسانية لن يقبلوا مبدئيا وقانونيا العمل الانساني تحت حراسة عسكرية وبالطبع لا يتعاونوا مع منظمات المرتزقة والتي في طبيعتها تقوم على انتهاك حقوق الانسان وحياة الناس مقابل المال، كما ان المنظمات الاممية تعارض التفتيش البيومتري.
– في المقابل يقوم موقف الجيش الاسرائيلي الاساسي على الامتناع عن الانشغال بالمساعدات الانسانية باعتبارها تستنزف طاقاته وتعرض الجنود للخطر، كما ان الجيش يرى بالأمر اعلان حكم عسكري اسرائيلي مستدام دون قرار حكومي بشأن مستقبل قطاع غزة. بل اشار قائده زمير الى انه لا يعرف طبيعة توزيع الادوار بين الجيش وبين الاطر الاخرى الشريكة. وهناك تقديرات امريكية بأن الجيش الاسرائيلي معني بإفشال هذه الالية التي تورطه عملياتياً وقانونيا.
– يبدو ان نتنياهو أخذ يدرك حجم الورطة من وراء مشروع لن يؤدي الا الى تفاقم الكارثة الانسانية المفروضة على غزة، ونتيجة لضغط الجيش والضغط الدولي لا يجد نتنياهو من خيار سوى اعتماد المنظمات الانسانية الاممية، في ادخال المساعدات الانسانية غير الغذائية. وقد بدأت بوادر التعثر الاسرائيلي في خطة المساعدات الانسانية. ولعل أساسها، هو الورطة السياسية الداخلية في الائتلاف الحاكم الذي يعارض اية بدائل.
للخلاصة:
**منظومة “مؤسسة غزة الانسانية” هي في طبيعتها منظومة احتلال وسيطرة وبنية تهجير، ولا تضمن غوث الفلسطينيين ولا انهاء الحرب عليهم بل تشكل آلية لاستدامة بتر قطاع غزة سكانيا وجغرافية حتى الاجهاز عليه.
**الخطاب الدولي والعربي والفلسطيني القائم على اولوية وقف الحرب واغاثة سكان قطاع غزة وانقاذهم من المقتلة بالتجويع والحرب، لا يتوقف عند هذا المطلب بل يتجه نحو السعي الى حل قضية فلسطين.
** معظم التقديرات تشير الى احتمالية كبيرة لفشل المنظومة مما يعني زيادة معاناة الغزيين وفي المقابل تقلص امكانيات اسرائيل على المناورة ومواصلة التهرب من استحقاقات الصفقة ووقف الحرب على غزة.