في أوائل الخمسينات بدأت البوادر الجادة لظهور حركة تشكيلية في الأردن، ففي عام (1951) أقام “المنتدى العربي” الذي كان قد أسسه المرحوم إبراهيم القطان، ثاني معرض جماعي في الأردن، اشترك فيه: إحسان ادلبي، ورفيق اللحام، ومهنا الدرة، وفي عام (1952) تكونت “ندوة الفن الأردنية”، وكانت أول تجمع للفنانين في الأردن، وقد أسهم الفنانون الأردنيون فيه، لتشجيع العمل الفني الجماعي.
وفي عام (1952) أيضا أسس الدكتور حنا الكيالي معهد الموسيقى والرسم في عمان، وكان المسؤول عنه فنان إيطالي هو أرماندو برونو، وفي أواخر الخمسينيات أرسلت الحكومة أول مبعوثين أردنيين لدراسة الفن في الخارج، وهم: رفيق اللحام، ومهنا الدرة، وأحمد نعواش، وكمال بلاطة، والتحق بعضهم بأكاديمية الفنون الجميلة في روما. وفي عقد الستينيات بدأ الموفدون بالعودة إلى عمان، وممارسة فنهم، وتدريس مادة الرسم في المدارس الثانوية، ومع عودتهم ازداد النشاط الفني، وكذلك أخذ عدد المعارض التي كانت تقام في القدس وعمان يتضاعف، والمحاضرات الفنية كذلك، كما أخذت وزارة السياحة مبادرة المشاركة بأعمال الفنانين الأردنيين في المعارض الدولية، وكان معرض نيويورك عام (1965) أولها، تبعتها معارض أخرى في بغداد ودمشق وباريس وروما وكوبنهاجن وبرلين.
وفي عام (1966) تأسست دائرة الثقافة والفنون، التابعة لوزارة الإعلام، وهدفها دعم الفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقى والأدب وتشجيعها.
ومع بداية السبعينيات تضاعف النشاط الفني في الأردن، ففي عام (1972) أسست دائرة الثقافة والفنون “معهد الفنون والموسيقى” في عمان، بمبادرة من الفنان مهنا الدرة الذي ترأس إدارة المعهد، وقد أراد له أن يكون نواة لأكاديمية فنية، ومدة الدراسة في المعهد سنتان، تعطى فيها دروس في الفن والتصوير والنحت وفن الطباعة والخزف، وقد تخرج منه عدد من الفنانين الأردنيين استطاع بعضهم إكمال دراسته الفنية العليا في الخارج، معتمدين على التأسيس الذي حصلوا عليه في المعهد.
ازداد عدد البعثات الفنية الممنوحة من قبل وزارة التربية والتعليم في السبعينيات، فقد أرسل عدد من الطلبة إلى تركيا والاتحاد السوفيتي والعراق وسورية وايطاليا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وبريطانيا وسويسرا والباكستان والولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام (1977) تحولت دائرة الثقافة والفنون إلى وزارة الثقافة، وتأسست رابطة الفنانين التشكيليين التي عنيت بأمور الفنانين, وأنشأت مقرا لاجتماعاتهم، وقاعة للمعارض والمحاضرات، وفي عام (1979) تأسست الجمعية الملكية للفنون الجميلة، وهي جمعية خاصة وغير ربحية هدفها دعم الفنانين والفنون التشكيلية في الأردن والعالمين العربي والإسلامي، ومن أبرز منجزات الجمعية، تأسيس المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، الذي يضم مجموعة كبيرة من أعمال الفنانين المعاصرين في العالمين العربي والإسلامي، كما أسهمت في توفير بعثات للفنانين التشكيليين الأردنيين، ودعمهم ماديا ومعنويا، كما قامت الجمعية بنشر عدد من الكتب عن تاريخ الفن الإسلامي، والفن المعاصر في العالمين العربي والإسلامي.
في عام (1980) أنشئ في جامعة اليرموك قسم للفنون الجميلة، وكان أول قسم في الأردن للتعليم العالي، يتم فيه تدريس أربعة فنون هي:
- الفنون التشكيلية (تصوير ورسم، نحت، خزف، وتصوير فوتوغرافي).
- الفنون التطبيقية (تصميم داخلي، تصميم صناعي، تصميم جرافيكس).
- الفنون المسرحية (تمثيل، تصميم مسرحي، إخراج).
- الموسيقى (دراسات نظرية وتطبيقية للموسيقى العربية والغربية).
وفي عام 2001م تحول هذا القسم إلى كلية للفنون الجميلة تضم أربعة أقسام أكاديمية، تمنح درجة البكالوريوس في تخصصات الفنون المختلفة.
إن تأسيس الجمعية الملكية للفنون الجميلة، والمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، وكلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك، شكلت خطوات مهمة في مسار الحركة التشكيلية الأردنية، فالجمعية تكرس نفسها لرعاية الفنان الأردني ودعمه، والمتحف يوفر مكانا للعرض على أعلى مستوى مع مجموعة فنية فريدة من الأعمال الفنية، مما يساعد على إرساء قواعد فنية ذات مستوى رفيع للفنان الأردني والعربي، أما كلية الفنون الجميلة فقد أتاحت للطالب فرصة التزود بالأصول والقواعد العلمية للفنون.
وبشكل عام فإن الحركة التشكيلية الأردنية حركة حديثة نوعا ما، لكن على الرغم من ذلك فقد شهدت نهوضاً وتطوراً متواصلين، حيث عدد الفنانين في تزايد مستمر، مما يبشر بمستقبل جيد، ومساهمة فاعلة في الحركة التشكيلية العربية.
النقد الفني
لقد بدأ دور النقد التشكيلي مع بداية تعاظم دور الفنون التشكيلية في الساحة الثقافية، أي أنه بدأ في مرحلة السبعينيات وتطور في الثمانينيات والتسعينيات، وقد انتقل من الوصف والطرح الأدبي في بداياته، إلى النقد الانطباعي، ثم النقد التحليلي العلمي المنطلق من المدارس النقدية المعروفة في العالم، وهذا راجع إلى مرجعية كل ناقد ورؤيته للحياةكما أنه يتناسب مع الأشكال الثقافية والصحفية القائمة، وعليه فان النقد التشكيلي المقروء
ينقسم إلى قسمين:
- نقد صحفي إعلامي مهمته التعريف والإعلان عن المعارض التشكيلية وإجراء الحوارات مع الفنانين.
- نقد ثقافي إبداعي يتبع الضوابط والأصول النقدية.
ويلاحظ المتابع أن كلا النقدين يجدان لهما مكانا في الصحف والمجلات، وهنا يجدر بالذكر أن من أوائل الذين كتبوا في النقد التشكيلي الفنان المرحوم توفيق السيد منذ بداية الستينيات وكذلك محمد البصراوي، ثم الفنان المرحوم رباح الصغير في السبعينيات، وبعد ذلك د. مازن عصفور، ود. إبراهيم أبو الرب، والفنانون محمود عيسى موسى، وإبراهيم السطري، وعدنان يحيى، ومحمد الجالوس، وأحمد كوامله، ومحمد أبو زريق، ومحمد العامري، وغسان أبو لبن، وعبدالرؤوف شمعون، وحسين دعسه وآخرون.
كما ظهرت كتب ومؤلفات حول الفن التشكيلي منها:
الفن التشكيلي المعاصر في الأردن لذيب حماد، بانوراما الفن التشكيلي في الأردن لمحمد أبو زريق وأحمد كوامله، ومتصوفة الفن والجمال – الفنانة الأميرة فخر النساء زيد لحسين دعسه، وكتب الأميرة وجدان علي العديدة ومنها “الأمويون، العباسيون، الأندلسيون” و”الفن المعاصر في الأردن” بالعربية والانجليزية، وكتاب محمود عيسى موسى عن الفنان محمد مريش، وكتاب محمد العامري عن الفنانة سناء كيالي، ومعجم الفنانين التشكيليين الذي أصدرته وزارة الثقافة.
نشاط متزايد
لا شك أن الحركة التشكيلية الأردنية تعتبر من أنشط الحركات الفنية في الأردن قياسا إلى الحركة المسرحية، أو الموسيقية مثلا، فقد شهدت فترة التسعينيات من القرن الماضي والسنوات الماضية من الألفية الجديدة، نشاطا تشكيليا ملفتا للنظر، وقد تجلى هذا النشاط بغزارة إقامة المعارض الفنية للفنانين الأردنيين والفنانين العرب والعالميين، وكان واضحا أن هناك ما يشبه الهجرة للفنانين العراقيين بوجه خاص إلى الأردن منذ بداية التسعينيات أما للإقامة الدائمة، أو المؤقتة في طريقهم للخارج، وهذا انعكس حراكا فنيا واضحا على الساحة الأردنية، وتواصلا بين الفنانين الأردنيين والعراقيين، وجد تعبيراته في ازدياد عدد المعارض الفنية، وإنشاء قاعات العرض الخاصة التي تزايدت أعدادها بشكل كبير، والتي تستقطب تجارب الفنانين الأردنيين والعرب والعالميين مما يشير إلى تنامي الوعي الفني وانتشاره بين الجمهور، كما يؤشر إلى ازدياد أعداد الفنانين الأردنيين، وإقبال العديد من الطلبة على دراسة الفن التشكيلي، مما دفع إلى فتح كلية للفنون الجميلة في الجامعة الأردنية في عمان في عام 2003 تدرس من ضمن تخصصاتها الرسم، الجرافيك والتصميم وغيرها من مفردات الفن التشكيلي وتخصصاته المختلفة إلى جانب المسرح والموسيقى.
وإذا كانت قاعات العرض الخاصة تلعب دورا هاما وأساسيا في ازدياد حيوية الحركة التشكيلية وتطورها فإننا لا ننسى دور مؤسسات هامة تضطلع بأدوار هامة في هذا المجال، ومنها دارة الفنون / مؤسسة خالد شومان، والتي أسستها وتشرف عليها الفنانة سهى شومان والتي تشكل نقطة مضيئة في الحركة الفنية في الأردن، حيث تنظم المعارض الفنية رفيعة المستوى للفنانين العرب والعالميين وتتيح بذلك أمام الجمهور الأردني رؤية أعمال نادرة، كما تعمل على تنظيم دورات متخصصة ومجانية في مجالات الفن والنحت والجرافيك، بإشراف فنانين ذوي سمعة عالية، إضافة إلى إلقاء المحاضرات المتخصصة في الفن وعرض الأفلام الوثائقية عن الفن والفنانين العالميين.
كما تقوم أمانة عمان من خلال مركز الحسين الثقافي وقاعات المدينة المتخصصة التي أقامتها في منطقة رأس العين، برعاية المعارض الفنية للفنانين التشكيليين سواء المعارض الفردية أو الجماعية.
أما وزارة الثقافة فدورها دور رائد وأساسي ومتواصل منذ تأسيس دائرة الثقافة والفنون عام 1966، حيث يسهم مركز تدريب الفنون في تأهيل وتدريب هواة الفن ومحبيه مجانا منذ عام 1972 وحتى اليوم، وقد تخرج من هذا المركز عدد من أهم الفنانين الأردنيين، كذلك فان القاعات التي يحتوي عليها المركز الثقافي الملكي تحتضن بشكل دائم المعارض التشكيلية للفنانين الأردنيين والعرب والعالميين.
كما أن الوزارة تسهم في التعريف بالفن والفنانين الأردنيين من خلال مشاركاتها في المعارض العربية والعالمية بأعمال للفنانين الأردنيين، وتسهم في زيادة الوعي الفني من خلال نشرها الكتب التي تعنى بالفن التشكيلي وأهمها معجم التشكيليين الأردنيين، كما تفتح صفحات مجلاتها للنقد التشكيلي وللحديث عن الفنانين والتجارب الفنية، وقد خصصت منذ عام 1999 أغلفة مجلة أفكار الشهرية في كل عدد لفنان من الفنانين الأردنيين حيث تعرض لوحاته وتقدم معلومات وافيه عنه، في خطوة توثيقية هامة.