نساء بلا مستشفى ولا حماية: بيتا تداوي جراحها بعيادة متنقلة وسط الحصار

 

بيتا – نابلس | أطباء لحقوق الانسان 

رغم التصعيد السياسي والعسكري المتواصل، انطلقت العيادة الطبية المتنقلة للنساء في زيارتها الثالثة إلى قرية بيتا جنوب نابلس، ضمن سلسلة زيارات مخططة تهدف لتقديم رعاية صحية متعددة التخصصات في بيئة تعاني من شح الخدمات وتضييق على الحركة. نظمت الزيارة مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان بالشراكة مع جمعية “نساء بيتا التنموية” وبمساهمة ميدانية من طلاب وطالبات من جامعة النجاح.

في قلب هذا النشاط الإنساني، برزت نساء بيتا كمحور أساسي في تنظيم اليوم الطبي وتنفيذه، حيث تعكس مشاركتهن عمق الالتزام بالحفاظ على كرامة الحياة، لا سيما في ظل انتهاكات متكررة من قبل المستوطنين، وغياب بنى تحتية طبية تضمن الحد الأدنى من الرعاية الأساسية. وخلال هذا اليوم، استفادت 295 امرأة من فحوصات واختصاصات متنوعة، بينها طب النساء، طب الأسرة، الأعصاب، العلاج النفسي، والعلاجات التكميلية كالوخز بالإبر والعلاج الطبيعي. كما تم صرف 214 وصفة طبية مجانية، في مؤشر واضح على حجم الطلب والحاجة.

بين الزيارة الأولى (177 مستفيدة) والثالثة (295 مستفيدة)، يكشف المنحنى التصاعدي في عدد النساء المستفيدات من اليوم الطبي عمق الحاجة وثقة متنامية في إمكانات المجتمع المدني لسد الثغرات. ومع ذلك فإن هذا الإقبال لا يجب أن يقرأ كمؤشر على استدامة بديل، إنما كنداء واضح يوجه إلى المؤسسة الصحية الرسمية لتحمل مسؤولياتها في ضمان الوصول للخدمات الطبية الأساسية، خاصة في المناطق الواقعة تحت قيود الاحتلال. بموجب القانون الدولي تبقى سلطات الاحتلال مسؤولة عن ضمان الصحة والحماية للمدنيين، كما تقع على الجهات الفلسطينية الرسمية مسؤولية تنسيق وتنظيم هذه الخدمات بشكل منتظم وشامل.

في حديثها قالت رئيسة جمعية نساء بيتا، إن “الهجمات المتكررة على جبل صبيحة، والمساعي لإقامة مستوطنة جديدة هناك، تلقي بظلالها على القرية كلها، وتضيف عبئا نفسيا وجسديا على النساء، اللواتي يجدن أنفسهن في موقع مواجهة والرعاية في آن معا”. وأضافت “الأهالي الذين يحاولون الدفاع عن أراضيهم يحرمون في كثير من الأحيان من أبسط حقوقهم بالعلاج بسبب الحواجز العسكرية، ولا توجد بنية طبية قادرة على الاستجابة محليا”. هذا الواقع حسب قولها جعل من اليوم الطبي محطة حيوية ومتنفسا صحيا وحقوقيا للنساء.

وبحسب انتصار خروب منسقة البرامج الطبية النسائية في مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان فإن “نجاح الأيام الطبية في بيتا دليل على أن الإرادة المجتمعية قادرة على اختراق جدران الإغلاق، وأن الصحة ليست رفاهية، إنما حق أساس لا يتحقق دون عدالة اجتماعية”، وأضافت أن “أرقام المستفيدات المتزايدة يعد مؤشرا على الحاجة الطبية وإيمان النساء بحقهن في تلقي الرعاية رغم كل ما يحيط بهن من خوف وحصار وتجاهل دولي”.

تؤكد انتصار خروب، منسقة البرامج الطبية النسائية في مؤسسة أطباء لحقوق الإنسان، أن نجاح الأيام الطبية في بيتا لا يعد إنجازا تقنيا، بل فعل مواجهة مدنية في وجه نظام يكرس الإقصاء الصحي. الإرادة المجتمعية تقول خروب هي التي اخترقت جدران الإغلاق، لكن هذا لا يعفي أحدا من المسؤولية. الصحة ليست تفضلا ولا رفاهية تمنح، ولكن حق أساسي تنتهك حرمته يوميا في حق النساء الفلسطينيات. وتعكس الأرقام المتزايدة للمستفيدات صرخة جماعية من نساء يطالبن برعاية صحية متساوية، وسط خوف دائم، وحصار ممنهج، وتجاهل دولي مريب”.

أنهى الفريق الطبي زيارته وسط مطالب متكررة باستمرار الزيارات، وتطوير آلية مستدامة لتوفير الأدوية خاصة للمصابين بالأمراض المزمنة، وتوثيق الإصابات النفسية والجسدية. وقالت الدكتورة بتينا بيرمانز أخصائية طب الأعصاب، إن زيارتها لقرية بيتا “كانت فرصة لفهم عمق المعاناة، ولكن أيضا مصدر إلهام لصمود النساء القادرات على حماية أسرهن رغم الغياب القسري للرعاية الصحية النظامية”. وختمت بالقول “الاستماع للنساء هو تذكير لنا جميعا بأن الطريق إلى السلام يبدأ من الاعتراف بالألم كجزء من العدالة”.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .