إعلان نتنياهو بجدولة إنهاء الحرب، قناعة أم مناورة؟

تقدير موقف، أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

تقديم:

نشرت صحيفة يسرائيل هيوم 28/4 استنادا الى مصدر أمني رفيع بأن نتنياهو يرمي إلى إنهاء الحرب في غزة في تشرين أول/أكتوبر القادم، وأضاف بأنه وفي حال كانت الظروف مؤاتية وتمّ تحقيق اهداف الحرب، فسوف تنتهي الحرب حتى قبل ذلك”. فيما قال وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر أمام مؤتمر شبكة الأنباء اليهودية الامريكية JNS: “بعد 12 شهرا ستنتهي حرب الجبهات السبع” وبأن “اسرائيل ستنتصر وسيكون الكثير من اتفاقات السلام” وأضاف بأن ترامب سوف “يبتعد عن اتفاق سيء مع إيران ”  أكد كذلك بأن “الاتفاق الجديد لن يبقِ لدى إيران بنية نووية”.

 

تحليل:

تشكل التصريحات المنسوبة لنتنياهو وكذلك تصريحات الوزير ديرمر أول حديث إسرائيلي رسمي عن انهاء الحرب. اذ ان ديرمر هو أقرب المقربين من بين الوزراء الى نتنياهو ويطلقون عليه لقب، وزير خارجية نتنياهو الحقيقي. بناء عليه، لا توجد تصريحات سياسية من ديرمر دونما ارادة نتنياهو.

الا ان ضبابية التصريحات المنسوبة الى الاثنين وتوقيتها تثير عدة علامات سؤال. كما يثير الاهتمام لمن توجه هذه التصريحات؛ هل الى الداخل الاسرائيلي ام الى البيت الابيض وهل هي اعتراف بحدود القوة العسكرية أم أنها مناورة تستبق جولة ترامب السعودية والخليجية. كما ويثار التساؤل هل هي نتاج تنسيق مع واشنطن أم مسعى من نتنياهو لترميم راهنيته في السياسة الأمريكية التي لا تتخلى عن إسرائيل في أي ظرف لكنها ليست ملتزمة بأولويات نتنياهو في كل ظرف.

تفيد تقديرات إسرائيلية غير رسمية عديدة:

إن التحولات في المنطقة بما فيها علاقة الولايات المتحدة مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة تتجاوز إرادة حكومة نتنياهو.

يساور القلق حكومة أقصى اليمين من النموذج الايراني الامريكي، اي المفاوضات التي لا تلتقي فيها بالضرورة الاولويات الامريكية مع أولويات الحكومة الاسرائيلية، والتي قد تحول دون حرب تتورط فيها القوات الامريكية ولا ضمان لأن تحقق أهدافها. والتقدير، إن التباعد بلغ درجة يعلن فيها نتنياهو ان اتفاقا سيئا هو أسوأ من الوضع الحالي.

جوهر التخوف الاسرائيلي هو، أن هذا النموذج ليس لمرة واحدة وليس محصورا في الملف الإيراني، بل من المحتمل أن يحدث في الملف السوري بين ادارة ترامب وتركيا بما فيه من تجاوز لحكومة نتنياهو، وكذلك في شأن الصفقة وإنهاء الحرب على غزة.

موقف كل من نتنياهو وديرمر فيه دلالة على حالة القلق الاسرائيلي الحكومي. إذ بالإمكان تفسيره بأنه اعتراف بحدود القوة والحرب، الا ان ما يشغل هذه الحكومة هو زيارة ترامب الخليجية وما سيخرج عنها وهل بإمكان ترامب ان ينهيها دون انهاء الحرب على غزة.

الصيغة التي يأتي بها ديرمر إنما تتماشى مع رغبة الرأي العام الإسرائيلي الذي تتسع فيه نسبة مؤيدي انهاء الحرب لتصل الى نحو السبعين بالمائة،  والتي تعززت نتيجة حراك أهالي الاسرى والمحتجزين لكون الحرب تعني حكما بالاعدام على ذويهم وفقا لهم، وكذلك لحالة التذمر الواسعة في الجيش واتهام نتنياهو بانه يدير حربا لمصالح سياسية وعقائدية وشخصية.

ما يرفع منسوب القلق لدى حكومة أقصى اليمين هو كيفية إدارة كل من مصر وقطر لمفاوضات الصفقة وحصريا في التحول من أسلوب الإقناع الناعم الى توجيه الضغوط الحقيقية على حماس واسرائيل، ولضمان ذلك، توجيه جل المجهود التفاوضي لدفع إدارة ترامب لتبني الصياغات المطروحة والتي تحرز تقدما ملحوظا وفقا لمعظم التقديرات إلا أنها لم تكتمل بعد، وكذلك القناعة العربية بأن حسم القرار الاسرائيلي يتم في واشنطن.

مهما كان، يضع التصريحان المذكوران على جدول الاعمال الاسرائيلي مسألة نهاية الحرب حتى دون تحقيق أهدافها اسرائيلياً، اذ ان ديرمر كما نتنياهو لا يملك القدرة على ضمان تحقيق أهداف الحرب في هذه الفترة المتبقية وهو ما لم تحققه إسرائيل خلال عام ونصف.

تقديرنا، إن التصريحان يدللان على ترسخ فكرة إنهاء الحرب؛ هذا من جهة، وفي المقابل يتيح مساحة مناورة قد تكون اخيرة لنتنياهو لتجاوز احتمالية املاءات امريكية لا يملك القدرة على مخالفتها وفي حال حصلت سيبدو أمام الرأي العام الإسرائيلي مهزوما، مما سينعكس في نتائج الانتخابات القادمة. بناء عليه لن يكون مفاجئا إذا تراجع نتنياهو عن صيغة الصفقة الشاملة دفعة واحدة ويطرح مجددا فكرة صفقة مؤقتة بينيّة تتيح له المناورة السياسية.

يأمل نتنياهو كما يبدو ان تتيح له جدولة إنهاء الحرب، التخفيف من الضغوطات الداخلية سواء شعبيا ام داخل الجيش لانهائها، وهي فترة قد تكون فارقة في حال نجح بذلك نحو تكثيف الحرب الفتاكة على غزة وتوسيع حيز السيطرة على الأرض والتهجير في الضفة. سياسيا تتيح له مواصلة المناورة لاستدامة حكمه إذ يبدو امام الراي العام الاسرائيلي والضغوطات الخارجية بأنه معني بالصفقة بينما أمام اليمين لا ينهي الحرب رسميا حتى ولو انتهت فعليا.

تجدر الاشارة الى ان تصريحات ديرمر بأن الحرب تحتاج الى اثني عشر شهرا اضافيا، هي من حيث الجدول الزمني تعني إنهاء الحرب مع النهاية القانونية لدورة الحكومة الحالية والاتجاه نحو الانتخابات إن لم يقم نتنياهو بتبكيرها أو حتى تأجيلها بذريعة الحرب.

الخلاصة:

** يتعزز في إسرائيل التسليم بنهاية الحرب، وبعد اقوال نتنياهو وديرمر يتعزز هذا التسليم أيضا في أوساط اليمين وحزب الليكود والحريديم حصريا.

** تشكل جولة ترامب الخليجية هاجسا ومبعث قلق لدى نتنياهو وحكومته، مع إدراك أن الخطوات الأمريكية تسير وفقا لأولويات البيت الأبيض وتتجاوز نتنياهو. وعليه بالامكان اعتبار أقوال ديرمر ونتنياهو بأنها مسعى اضافي لتجاوز مخرجات جولة ترامب واستحقاقاتها.

** التقدير بأن مساحات المناورة المتاحة للحكومة الاسرائيلية تتقلص.

** التوقيت الذي أعلن عنه لإنهاء الحرب على غزة بعد 12 شهرا من الآن، هو تأكيد إضافي على ربط الحرب بالمصالح الانتخابية للائتلاف الإسرائيلي الحاكم.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .