“قمر 14” للكاتبة أصيل عبد السلام سلامة في ندوة اليوم السابع ـ القدس

 

 من ديمة جمعة السمان

استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعيّة الكاتبة أصيل عبد السّلام سلامة من رفح غزة هاشم لنقاش مجموعتها القصصية ” قمر 14 وقصص أخرى” التي صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية 2024.

المجموعة تقع في 103 صفحة من القطع الصغير، وتحتوي على 86 قصة قصيرة جدا، مقسّمة إلى ثلاثة أقسام.                                        

 تأتي مجموعة “قمر 14” كصرخة أدبيّة نابضة بالحياة، تحكي يوميات شابّة عاشت الحرب في غزة بكلّ ما فيها من خوف، نزوح، فقدان، وذكريات ممزّقة بين الحنين والواقع القاسي.

صاحبة المجموعة هي الشّابة العشرينيّة أصيل عبد السلام سلامة من مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة.

 صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية في 103 صفحات من القطع الصّغير، ضمّت بين غلافيها 86 قصة قصيرة تحمل عناوين شيّقة،  رسمت خلالها الكاتبة مشاهد مكثّفة ومؤثّرة، تعكس تجربة الحرب من منظور فردي شديد الإنسانية، بعيدًا عن الخطاب السّياسي المباشر، مما يجعلها أقرب إلى شهادة حيّة تروي مأساة إنسانيّة عابرة للحدود.

تأتي النصوص على هيئة لقطات أو ومضات سريعة، أشبه بصفحات من دفتر يوميات أو شذرات من الذاكرة، تكتبها أصيل سلامة تحت القصف، لتلتقط لحظات لا تُنسى في حياة أسرتها. هذا الأسلوب يضفي على النصوص طابعًا صادقًا، بعيدًا عن الزخرفة البلاغية أو التكلّف في السرد. فالمواقف والأحداث تُروى ببساطة مباشرة، لكنها تحمل في طيّاتها وجعًا لا يُحتمل.

تَظهر في المجموعة مفارقة مؤلمة بين الأحلام البسيطة التي كانت جزءًا من الحياة اليومية، وبين العنف الذي قلبها رأسًا على عقب.

في أحد المشاهد، تستحم الراوية قبل النزوح من المنزل، متسائلة ببراءة: “يا عالم، متى أستطيع أن أستحمّ؟”—هذه الجملة البسيطة تختزل المعاناة اليومية وتحيل القارئ إلى معنى الفقدان المستمر للحياة الطبيعية.

 وفي مشهد آخر، تغلق الأسرة باب الشقة بمفتاح قبل النزوح، كي لا يسرق، على أمل العودة، لتكتشف لاحقًا عبر التلفاز أن منزلها قد تلاشى تمامًا. هذه المشاهد، رغم بساطتها، تحمل رمزيّة عميقة عن الانفصال القسري بين الإنسان وماضيه.

تبرز المجموعة أيضًا الجانب النفسي للحرب، حيث تصف أصيل مشاعرها المتضاربة: الخوف، الأمل، الحزن، والانكسار. مشهد بكائها حين تم ذكر اسمي شقيقتيها مثال على ذلك، فهي ترفض أن تبكي أمام الآخرين، لكن عدم معرفتها يمكانهماّ أفقدها السيطرة على مشاعرها، ليصبح البكاء خيانة غير مقصودة أمام قسوة الواقع.

اللغة في المجموعة تتّسم بالسلاسة والبساطة، لكنها في ذات الوقت مشحونة بالعاطفة والمعاني. فهي لا تحتاج إلى زخرفة لغوية أو استعراض بلاغي، لأن صدق المشاعر المنسكب في النصوص يجعلها مؤثرة بما يكفي. وهذا يعكس طبيعة الكتابة في ظروف الحرب، حيث تصبح الكلمات وسيلة للبقاء والتوثيق، لا مجال فيها للترف أو الاصطناع.

وأقف مليا عند النص الأخير،  إذ أرى فيه بصيص أمل وسط الركام ، فقد جاء بعنوان “أمنية” ليشكّل ختامًا مختلفًا عن باقي النصوص، حيث يبتعد قليلًا عن أجواء الحرب المباشرة، لكنه يحمل في طياته رمزية عميقة تعكس توق الإنسان للحياة رغم الألم.

تقول الكاتبة: في تلك القرية بائعة ورد، زبائنها العشاق، تبيعهم الورد فتظهر ضحكة وتخفي أمنية: ( متى سأهدى وردة)؟

هذا النص القصير، رغم بساطته، يفتح أفقًا جديدًا وسط العتمة، فهو لا يحكي عن الحرب بشكل مباشر، بل عن الحياة التي يحلم بها أولئك الذين عاشوا وسط الدمار.

بائعة الورد هنا ليست مجرد شخصية عابرة، بل رمزٌ للأمل المكبوت، للحياة التي تأجلت، وللرغبة في الحب والفرح التي قُمعت بفعل الواقع القاسي.

في سياق المجموعة التي تفيض بالوجع والفقد، يأتي هذا النص الأخير ليضيء زاوية مختلفة: الحرب لم تسلب فقط الأمان والمنازل والذكريات، بل سرقت من البشر أحلامهم الصغيرة، أبسطها أن تُهدى فتاةٌ وردةً كما يفعل الآخرون. إنها أمنية عادية في زمن عادي، لكنها تبدو مستحيلة في زمن الحرب.

هذا الختام يجعل القارئ يتأمل في فكرة أن الألم ليس فقط في الفقدان المباشر، بل في الحرمان من التفاصيل الصغيرة التي تشكّل جوهر الحياة.

 في النهاية، قمر 14 ليس مجرد مجموعة قصصية عن الحرب، بل هو صرخة إنسانية تقول: “نحن هنا، نحلم رغم كل شيء”.

هذا وشارك في تقديم المداخلات، يعتذر المحرر عن ادراجها، كل من:  محمود شقير، د. عمر صبري كتمتو: د. روز اليوسف شعبان،  المحامي حسن عبادي، وجدان شتيوي، فاطمة كيوان، هدى عثمان، بسام داوود، نزهة ابو غوش د. رفيقة عثمان أبو غوش، ميرا إياد جبارين ونزهة الرملاوي. 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .