التجاذب بين اليهودية والصهيونية الدينية واهتزاز حكومة نتنياهو


قراءة في المشهد الداخلي : أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
ألحّ ارييه درعي رئيس حزب شاس (اتحاد حفظة التوراة السفاراديم- الشرقي) على رئيس الحكومة نتنياهو بالمضي قدما نحو المرحلة الثانية من صفقة التبادل، وانجازها بالكامل. فيما أكد وزير العمل من حزب شاس بان إعادة المحتجزين تشكل “غاية مقدسة” مرجعيتها هي عقيدة “فداء الاسرى وإنقاذ الأرواح”. بالتزامن مع ذلك، ناشد الوزير غولدكنوفت أحد ابرز قادة يهود التوراة وهو الحزب الحريدي الاشكنازي- الغربي، نتنياهو بشكل مباشر مؤكدا له المضي بالصفقة بكل مراحلها مؤكدا “نحن معك حتى إعادة اخر المخطوفين”.
في المقابل أمهل ارييه درعي رئيس الحكومة نتنياهو مدة شهرين من تاريخ 28/1 للتراجع عن قانون تجنيد الحرديم الالزامي، واعتبر درعي انذاره بأنه الفرصة الأخيرة للحيلولة دون اسقاط الائتلاف الحاكم والدفع نحو انتخابات مبكرة. بل اتهم اقصى اليمين من حزبي الصهيونية الدينية بأنهم يسعون الى استعداء المتدينين الحرديم حفظة التوراة، محذرا من ان الحملة التي يقوم بها سموتريتش وبن غفير ضد الحرديم انما تقود بشكل متسارع الى اسقاط حكومة اقصى اليمين.
في رده على الحرديم وحصريا على درعي، ادان الأمين العام لحزب الصهيونية الدينية يهودا فالد كلا من قادة حزبي المتدينين، واتهمهم بأنهم بموقفهم لصالح الصفقة ولإنهاء الحرب انما يمنعون الانتصار الإسرائيلي والحسم، ويتيحون لحماس البقاء وبناء قوتها من جديد وفقا له. واتهمهم أيضا بالوقاحة بكونهم يفتشون عن “رضى اليسار المستسلم لحماس” بينما شباب الصهيونية الدينية “يقاتلون ويُقتَلون قبل وبعد مجزرة 7 اكتوبر التالية”.
قراءة:
– تعتبر عقيدة فداء الاسرى وإنقاذ ارواحهم من الأسس المتجذرة في اليهودية، ومن هذا المنطلق الديني فالتيار الحريدي يعارض فكرة الحرب المفتوحة طويلة الأمد، وذلك على النقيض من موقف تيار الصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وستروك وبن غفير، والقائل بضرورة الحرب المفتوحة والحسم والابادة والانتصار الساحق. بخلاف الأساس العقائدي للحرديم يرى تيار الصهيونية الدينية بأن دولة إسرائيل وقيامها عام 1948 يشكلان مرحلة ضرورية في “الخلاص” في “ارض الميعاد”، وقد تطورت عقيدة هذا التيار بشكل جوهري بعد احتلال الضفة الغربية والقدس في العام 67، باعتبار الضفة هي درّة التاج في الرابط المكاني اليهودي. وعليه يؤمن بعقيدة الحرب والاستعداد للمخاطرة بالأرواح من اجل المكان والأرض وبخلاف مبدأ “انقاذ الأرواح” الحريدي، الذي يسبق في اولويته الأرض.
– على مدى عقود عديدة تم التعايش بين التيارين في الحياة السياسية الإسرائيلية بحيث انشغل التيار الصهيوني الديني بالاستيطان وفي الخدمة العسكرية العقائدية سعيا لتغيير طويل الأمد في عقيدة الجيش، كما انشغل في الاندماج في الحياة العامة والسيطرة على مرافق أساسية فيها، فيما انشغل التيار الحريدي في إدارة شؤونه ذاتيا وحصريا في إدارة مؤسساته الدينية ومدارسه التوراتية والرقابة على إنفاذ مبدأ الكوشر (الحلال بالمفهوم اليهودي) من خلال منظومة بلدية وقُطرية تشكل مصدر مداخيل هائل وحصريا من صناعات الأغذية والملابس.
– خلال الحرب على غزة والجبهات المتعددة أثار الراي العام الإسرائيلي بمن فيه الصهيونية الدينية مسألة الخدمة العسكرية للشباب الحريديم، وذلك في اعقاب إصرار الجيش على التعويض عن النقص في الجنود وحصريا بسبب اعداد الإصابات بين الجنود والذي أخرجت نحو 15 الف جندي من الخدمة وفقا لآخر المعطيات. ومع قرار المحكمة العليا بإلزامية تطبيق القانون، عادت هذه المسألة لتتصدر الصراعات في المؤسسة الحاكمة. ولا تزال تهدد ثبات الائتلاف اليميني الحاكم، اذ يتمسك الحريديم بضرورة تغيير القانون انطلاقا من عقيدتهم بأن تعلم التوراة وحفظها هو ما يثبّت الوجود اليهودي وليس الجيش.
– أشار درعي ضمن تصريحاته التي هاجم بها سموتريتش الى أن اليمين سوف يُسقِط اليمين، في إشارة الى ان حزب الصهونية الدينية بتهديداته بإسقاط الحكومة في حال تواصلت مراحل الصفقة، وبأنه يريد العودة للحرب في قطاع غزة والضفة والتهجير و”الانتصار الساحق”، وعلى حساب فداء الاسرى والتبادل الذي لا بديل عسكريا له.
– يبدو الصراع داخل كتلة اليمين وحصريا بين الحرديم من جهة والصهيوينة الدينية من جهة أخرى، بات الى حد كبير غير قابل للاحتواء، ومن شأنه ان يتصاعد في الانتخابات القادمة. كما تدرك الصهيونية الدينية ان الحرديم وبسبب وضعيتهم الاقتصادية المتدنية وغير الإنتاجية بشكل عام، يشكلون الجمهور الإسرائيلي الأكثر احتمالية لاستمالتهم للاستيطان في الضفة الغربية وتوفير سكن ومرافق حياتية ملائمة لهم. لقد كشف عضو الكنيست افيحاي بارون ممثل المستوطنين في الليكود، عن فرصة تاريخية متأتية لضم الضفة الغربية بعد القضاء على “جيوب الإرهاب” وتفكيك السلطة الفلسطينية “عسكريا وكيانيا” كما جري تفكيك سلطة حماس في غزة. بناء على بارون والصهيونية الدينية فإن عدم القدرة على اجتذاب مئات الاف المستوطنين الى الضفة الغربية سيعرّض مشروع الضم للخطر، ولا يكفي الاستيلاء على الأرض من خلال “المزارع الاستيطانية” المنتشرة حاليا. ترى الصهيونية الدينية انه في حال حافظ الحريديم على هويتهم الدينية ولم ينزاحوا نحو عقيدة الصهيونية الدينية فسوف يبقون يؤيدون الصفقة ويعارضون الحرب المفتوحة طويلة الأمد التي يروج لها تيار سموتريتش وستروك.
– تشكل دعوة ترامب الى نتنياهو للبيت الأبيض، مصدر قلق في أوساط الصهيونية الدينية ومصدر ترحاب لدى الحرديم. اذ ان طرح تصورات ترامب الفعلية لسياساته الإقليمية وحصريا الاتفاق الذي يسعى له للتطبيع السعودي مع إسرائيل فيما لو حصل، سيعني لهذا التيار التخلي عن حلم الضم واضطرار نتنياهو إما الى اعلان انتخابات مبكرة او تغيير ائتلافه الحاكم باستبدال سموتريتش بغانتس، او حكومة وحدة قومية تبدو حاليا مستبعدة.
للخلاصة:
** من دلالات الصراع المباشر بين تياري الصهيونية الدينية والحرديم ان تكون مؤشرا الى احتمالية نهاية حكومة نتنياهو الحالية والبدائل هي اما انتخابات مبكرة او تغيير الائتلاف الحاكم.
** الصراع بين التيارين المذكورين حقيقي وجوهري وبعد أن انفتح سيكون من الصعوبة بمكان ان يحتويه نتنياهو في اطار حكومته. كل ذلك في ظل الموقف من الحرب على غزة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .