د. خالد تركي ـ حيفا
تقع قرية المغار على منحدرات جبال الجليل الشّرقي، على سفح جبل حزّور، وتطلُّ على بحيْرة طبريّا التي تغنّى بها الشّاعر المتنبِّي بزئير الأسد الهدَّار الوارد إلى البحيْرة طلبًا للشُّرب حين قال:
وَرْدٌ إِذا وَرَدَ البُحَيْرَةَ شَارِبًا وَرَدَ الفُرَاتَ زَئيرُهُ والنِّيلا
وتُطِلُّ كذلك على سهل حطّين الذي أخضبت دماءُ جند النّاصر صلاح الدّين الأيّوبي ترابه بعد أن أنتصر على الفرنجة، في القرن الثّاني عشر، في معركة فاصلةٍ سُمِّيَت على اسم القرية وسهلها بمعركة حطّين حيث كان السّهل شاهدًا على دحر جنود الفرنجة، فكتب النّاصر في وصيّته أن يُدفن في القبر مع سيفهِ الذي جاهد به ليكون خير شاهد وشفيع أمام ربّه يوم تقوم السّاعة ويُحاسب..
تُعْرَف قرية المغار الجليليّة بقرية مغار حزّور، حتى نُميِّزها عن بقيّة
أخواتها من قُرى فلسطين اللواتي يحملنَ نفس الاسم كقرية مغار الرّملة ومغار غزّة..
تتبع قرية المغار لقضاء طبريّا، وتقع شمال غرب مدينة طبريّا حيث تبعد عنها حوالي إثني عشر كم وتحيطها القُرى التّالية: الرّامة، كفر عنان، فرّاضية، دير حنّا، ياقوق، عيلبون والشّونة. كذلك تحيطها مدن كبرى كالنّاصرة وصفد وعكّا ويمرّ في جنوبها وادي التُّفَّاح متَّجِهًا إلى الشّرق ليصُبَّ في نهر الأردن، لكنّ مياه النّهر نضبت بعد أن بدأوا بضخّ مياهه إلى النّقب لإحياء مشروعهم الصّهيوني في توطين الصَّحراء، حيث تشتهر القرية بإنتاج الزّيتون والزّيت والتي تُضاهي عدّة قرى بجودة زيتونها ونقاوة زيتها..
يقول الشّاعر:
رُبَّ أَخٍ لَكَ لَمْ يَلِدْهُ أَبُوكَ
وَأَخٍ أَبُوهُ أَبُوكَ قَدْ يَجْفُوكَ
ويقولُ آخر:
أَخَاكَ أخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخَا لَهُ
كَسَاعٍ إِلَى الهَيْجَا دُونَ سِلاحِ
وَابْنُ عَمِّ المَرْءِ فَاعْلَمْ جَنَاحَهُ
وَهَلْ يَنْهَضُ البَازِي دُونَ جَنَاحِ
سأُحدِّثكم عن صديق ظننته دائمًا أنّه عضوٌ في الحزب الشّيوعي منذ أن تأسّس في قرية المغار، وقد زاد من قناعتي بعضويَّته تكريم حزبنا لرفاقه القُدامى قبل سنوات خلت في مدينة النّاصرة، وحين قابلته للحديث معه وجدته صديقًا حميمًا وأخًا شقيقًا وابنَ عمّ لحزبنا منذ أن قرأ أوّل مرّة صحيفة الاتّحاد، فكلمات هذه الصّحيفة ودرب حزبها تجري في عروقه وترهف أحاسيسه، إنّه الصّديق / الرّفيق حنّا حبيب شحادة، أبو ناجي، حيث يعتبر نفسه ملازمًا وملتزمًا في كلّ خطوة يخطوها الحزب، وأنّه مع هذا الخطّ وعلى هذا الطّريق إلى أن يأخذ الله وديعته.
وُلِدَ رفيقنا أبو ناجي، في قرية المغار عام ألفٍ وتسعِمائةٍ وثلاثين، حيث أنهى دراسته الابتدائيّة فيها، وحاول من بعدها الهجرة إلى المدينة طلبًا للعمل في مصنع مصافي البترول في حيفا، الرِّفاينري، فقد قدّم
امتحانات الدّخول باللغة الانجليزيّة بنجاح بارز، لكنّ حاجة والده له في زراعة وفلاحة الأرض حالت دون هجرته إلى المدينة كانت القرية الوادعة تعيش حياة هادئة بانسجام وتجانس تامّ بمسلميها مسيحيّيها ودروزها، حيث كان المسلمون والمسيحيّون يسكنون في حارة واحدةٍ والدّروز في حارتين، الغربيّة والشّرقيّة، وكان أهل القرية يتزاورون دائمًا في الأفراح والأتراح وخصوصًا في الأعياد، حيث كان التّعصُّب الطّائفي والدّيني غريبًا ومنبوذًا من قبل أهل البلد، وكانت صفة الخلافات عائليّة أو حمائليّة وكان يجري حلّها بعقد معاهدات صلح عشائريّة. وحين كانت تضيع بقرة أو حصان من راعي القرية تجد أهل البلد يهبّون هبّة الرّجل الواحد للعثور على المفقود وكذلك المساعدات المتبادلة كصبّة باطون السّقف وغيره..
كانت بيوت القرية مبنيّة من الطّين حيث كانوا يجدّدون تطيين السّقف كلّ سنة منعًا ووقاية من تسرّب مياه الأمطار إلى البيوت وكنتَ تجد أعشاب البابونج تنبت على سقوف البيوت بغزارة، لقد كان البيت في القرية مقسّمًا لثلاث مصاطب حيث استُعملت الأولى لإيواء الحيوانات ولخزن المنتوج الزّراعي، بينما استُعملت الثّانية للطّبخ والطّهي ومصطبة ثالثة للنّوم واستقبال الضّيوف، وكانت جدران البيوت مشتركة للجميع لدرجة أنّه كان بإمكان الشّخص أن ينتقل من أوّل الحارة لآخرها من على سطوح البيوت، وكانت ليالي السّمر بين الجيران على أسطح منازلهم، وكانت النّسوة تُحضِرن الماء من النّبع لأيّام عدّة حيث ينقلنها على الدّواب إلى البيت بعد أن يقمن باكرًا
لإحضار الماء خوفًا من الوقوف المطوّل بين جمعِ النّساء المنتظرات دورهن، وكان توقيت أهل البلدة حسب سقوط أشعّة الشّمس ومغيبها وحسب ظهور الهلال واكتماله..
يذكر الرّفيق حنّا حادثة جرت لفرقة من ثوّار السِّتّة وثلاثين حين نصبوا كمينًا للجيش الانكليزي في منطقة قرية فرّاضية، نجحوا في اصطياد الجنود البريطانيّين لكنّ الثُّوّار عادوا مع جريحين، الأوّل تداوى وتعافى والجريح الثّاني من قرية سخنين لا يذكر اسمه، حيث كانت جراحه بالغة، وقد قرّرت قيادة فصيل الثّوّار إرساله إلى الشّام للعلاج، لكنّ الثّائر استشهد في الطّريق نتيجة جراحه البالغة ودُفن مكان استشهاده شرقيَّ القرية.
لَم تكن في القرية فصائل من أهل البلدة بل كان المقاوِمون يمُرُّون بالقرية، وكان المُختار عبده العايدي مؤازرًا شجاعًا وعنيدًا للثّوّار حيث كان بيته محطّة استراحة يأوي فيه رجال المقاومة ويهتم بتدبير كلّ احتياجاتهم لمتابعة سيرهم ويقول رفيقنا أبو ناجي: كنّا نحن الصّغار، ندلّهم على الطّريق ونزوِّدهم بحاجيّاتهم، والتقينا، مرّةً، ثائرًا من حطّين كان قد وقع في حفرة مليئة بأشواك الصّبر، أخذناه وآويْناه وخدمناه وألبسناه وأخذتُ بندقيّته وأخبأتها في التّبّان وبدأ يشعر بتحسُّنٍ في وضعه بعد ثلاث ليالٍ حيث استرجع سلاحه وتابع مسيرته لقد أجبرت قوّات جيش الإنقاذ أهل القرية شراء أسلحة واستعمالها داخل القرية فقط إن كانت هناك حاجةٌ له لأنّ جيش الإنقاذ مسؤول عن الدّفاع عن القرية من الخارج، كذلك أجبروا السُّكَّان على حفر الاستحكامات داخل البلدة بعد أن كانوا يرجعونهم من حقولهم مُكرهين وحظر عليهم الاشتراك في الحرب وقد مُنعوا من حمل السِّلاح خارج القرية ويكتب الأستاذ جريس طنّوس ما قاله والده في كتابه ذاكرة الأيّام ص 209 : الفلاحون فقراء لا يملكون ثمن بندقيّة، وفي كلّ البلد لا يوجد سوى بنادق معدودة، والعدو يمتلك المدرعّات والطّيّارات والمدافع الرّشّاشة. وفي ص 214 يكتب الأستاذ جريس طنّوس ما طلب جيش الإنقاذ من أهل القرية: على كلّ فلاح أن يشتري بندقية وذخيرة حتّى لو باع أرضه..
لقد كانت الطّائرات تحلّق فوق سماء القرية وبارتفاع منخفض لدرجة أنّه كان بمقدور أيِّ قنّاصٍ إصابتها وإسقاطها، وكانوا يرمون براميل البارود ومواد حارقة من الطّائرات على بيوت النّاس العُزّل، وقد رأى الأستاذ جريس طنّوس في ذاكرة الأيّام ص 246 : شاهدْتُ قرب الجثث امرأتين تنحنيان عليها وأيديهما في شعريهما والصّرخة تُدوِّي. كلّ منهما تدّعي أنّه ابنها. كلّ أمّ تنادي وتندب ابنها. نظرتُ جيّدًا وإذ بالامرأتين هما أمّ صديقي وأمّي أردتُ أن أصرخ وأن أبلّغ أمّي أنّني حيّ ولم أمت ولم أتمكّن من الصّراخ بسبب الرّعب الذي شلّ صوتي، كيف لا وإثنان من أبناء حارتي ممدّدان على الإسفلت ودماؤهما تسيل .
وجد أهل القرية جثّةً مدفونة في أرض على حدود القرية لشخص لَم يتعرّفوا على ملامحه وفي جعبته علبة سجائر مكتوب عليها اسم شخص من القرية وحين ظنّوا أنّه اسم القتيل ذهبوا لإعلام أهله بخبر الاستشهاد فوجدوا صاحب الاسم جالسًا في بيته فقصّوا عليه أنّ اسمه على علبة سجائر ذلك القتيل، تذكّر أنّه أعطاها لأبن قريته عاهد العايدي فتوجّهوا إلى دار أهل الشّهيد لإخبارهم بهذا النّبأ المُفجع..
ويتابع ذكرياته كان الرّفيق داود تركي يأتي إلى القرية من حيفا في أواخر سنوات الثّلاثين وكان يُجمّع أترابه في الحقل بين أشجار الزّيتون ويعلِّمهم الأناشيد الوطنيّة ويُلقي عليهم محاضرات عن الوطنيّة وحبّ الوطن، لقد كان ابن المدينة أوعى وأفطن بكثير من ابن القرية، حيث وجدنا فيه إنسانًا يعرف الكثير بينما كنّا نحن في القرية نجهل الكثير وقد كان أبو عايدة أوّل أراه ويعود له الفضل الكبير في تأسيس الفرع في شيوعيٍّ أَراه في قريتنا.
حين حضرت قوّات الهجناة القرية لاحتلالها نادوا على أهلها، خاصّةً الرّجال، بترك بيوتهم والتَّجمهر في ساحة المدرسة، وجلس الرّجال في أرض ساحة المدرسة كتلة واحدة متجانسة، لا تستطيع أن تفرّق بينهم، من أيّ حارة هذا وأيّ ديانة ذاك، وحين صاح القائد العسكري بالرّجال أن يتفرّقوا بحسب انتمائهم الطّائفيّ بعد أن أراد إرسال عددٍ منهم لجلب المياه، لينصب لهم كمينًا لقتلهم، لإرهاب أهل القرية، وإذ بشاب يافع أسمر البشرة، مرفوع الهامة واسمه حسين وحش عرايدي، من حارة الدّروز، يتصدّى للقائد المحتلّ لا توجد في قريتنا طوائف، نحن جميعنا طائفة واحدة، إمّا أن نبقى جميعًا وإمّا أن نرحل جميعنا وصمت القائد الصّهيوني وعاد المعتقلون إلى جميعًا وإمّا أن نرحل جميعنا بيوتهم. ورأى قتل رجل وزوجته من الحارة الشّرقيّة، برصاص الغدر، كانا يطُلان من النافذة لرؤية ما يجري في القرية.
يُقال مع التأكيد أن والد حسين عرايدي، واسمه وحش، كان من رجال القرية وزعامتها وقد آوى مرّةً سيّدًا من لبنان واسمه فؤاد علامة، الملقّب بالشَّقيِّ الشَّريف، قاطع طرق أشبه بفصيلة القرامطة،حيث كان مطلوبًا للدّرك الانجليزي بسبب ضلوعه في بعض التّجاوزات حيث كان يأخذ المال والمأكل والمشرب من الأغنياء ويُعطيه للفقراء، وكان يحترم حرمة النّساء ولا يقربهن أو يأخذ ممّا يملكن حتّى لو كان معهن مال سرسق، وقد لقّبته مسافرة إلى بيروت من آل الخيّاط بهذا اللقب الشّقيّ الشّريف. وعندما حضر الانجليز بيت السّيّد وحش، بعد وصولهم إخبارية عن مخبأ هذا الشّقيّ عنده، استقبلهم وأحسن وفادتهم وحين سألوه عن فؤاد علامة أقرّ بوجوده عنده وطلب منهم تهريبه على أن يعود للبنان للحؤول دون اعتقاله، فكان له ما أراد بعد أن خجلت العين من أكل الفم..
قبل أن يتعرّف سكّان قرية المغار على صحيفة الاتحاد تعرّفوا على الشّيوعيّين من خلال منشورين وُزّعا في فترة النّكبة كان الأوّل بيان الشّيوعيّين العرب، في الأقطار العربيّة الذي يفضح تآمر الحكّام العرب وتواطُؤَهم مع الصّهيونيّة ومع الانكليز للحول دون قيام الشّعب الفلسطيني بتقرير مصيره، حيث وُزّع في جميع الأقطار العربيّة وبتوقيت واحد، وكذلك وزّع منشور أصدره شيوعيّو فلسطين، كان قد كتبه الرّفاق في مدينة حيفا، توفيق طوبي وعصام العبّاسي ويوسف عبده، يدعو إلى عدم الرّحيل من الوطن ويحثّهم على البقاء في أرض الآباء والأجداد وعدم استبدال الوطن بآخر ..
بدأ الرّفيق أبو ناجي قراءة صحيفة الحزب، الاتّحاد، منذ أن سطع نجم الحزب في سماء جبل حزّور يبشّر أهل قريته، مغاره، بأنّ الأمل كبير بالتّحرّر وعودة اللاجئين وذلك بالعمل المثابر والوحدة الوطنيّة، قرأها منذ أن تأسّس الحزب في القرية، حين كان يوزّعها الرّفاق سرٍّا وما زال
إلى يومنا هذا قارئًا مثابرًا للاتّحاد وقد أصبحت الجريدة توزّع بالعلن وعلى الملأ شاهرةً سيف الحقّ والحريّة والعدالة الاجتماعيّة..
يقول الرّفيق حنّا كنتُ وحيد الوالدين لذلك كان والداي يخافان عليّ حتّى من نسيم الهواء العليل والشّافي، لذلك حين أحضرت صحيفة الاتّحاد لأوّل مرّة إلى البيت لم يهدأ بال والدي لخوفه على ابنه لوحيد، الأمر الذي أرعبه وحذّرني من مغبّة هذا الطّريق، لكنّ هذا لم يثنني بل تابعت دربي بمؤازرة الشّيوعيّين إلى يومنا هذا، وحتّى أصبح والدي يناديني لأقرأ له صحيفة الحزب بعد أن لقد فعلوا هذا كي يصمّوا آذان الحيطان وآذان العملاء نُقفل الأبواب والشّبابيك.. فقد كان العملاء يسيرون ليلاً مثل الخفافيش يسترقون الكلام أحيانًا وأخرى كانوا يرمون بيوت الشّيوعيّين بالحجارة ويهربون، كي يتراجعوا عن طريقهم، لكنّ الخوف والوجل لم يجد طريقه إلى الرّفاق، ويقول رفيقنا أبو ناجي
لأنّهم شجعان وجدعان ومثالٌ في المروءة وعزّة النّفس والتّضحية لقد كان عملاء القرية يصوِّرون الشّيوعي بصورة شيطان على الأرض بغية
التّحريض عليه وإبعاد النّاس عنه وتخويفهم منه التي يحاولون فيها، بائسين وفاشلين تصوير الشّيوعيّين وكأنّهم وحوش، كفرة، شياطين، عديمو الأخلاق لا يفرّقون بين الحلال والمحرّم، والأمر الصّحيح هو أنّ الشّيوعيّين مجبولون من طينة أخرى، طينة من أعماق الأرض إن لم تكن من نواتها، مرطّبة ومعطَّرة من مياه ينابيع الكرامة والعزّة والقوّة والتّضحية والصّمود..
يذكر مرّة أنّه خلال اجتماع جماهيريٍّ خطابّي، للرّفاق توفيق طوبي
وحنّا نقّارة قام نفرٌ من عملاء السّلطة بالهجوم على هذا الاجتماع بهدف إفشاله حيث عمل الرّفاق على إنجاح الاجتماع وسحبوا الخطباء من ساحة الاعتداء إلى مخبئ حتّى يرتّب الرّفاق أمور استمرار الاجتماع لكن رجال الشّرطة كانوا في انتظار هذه اللحظة حيث اعتقلوا الرّفاق وتركوا المعتدين يذهبون أدراجهم بعد أن أنهوا مهمّتهم….
لَم أحصل قطّ على تصريح للعمل وذلك لانتمائي للحركة الوطنيّة ومعرفتهم بدعمي للحزب الشّيوعي لكنّي اشتغلت بعدّة أماكن بما فيها شركة سوليل بونيه وميكوروت بدون تصريح ولم يتوقّع أحد منّي أن بدون تصريح..
كان رفيقنا أبو ناجي وغالبية رفاق فرع المغار من معتقلي يوم الأرض الأوّل وعندما أرادوا توقيعه على رسالة تعهّد بعدم القيام بأعمال شغب رفض التّوقيع والتّهمة وأنكر تهمة التَّحريض على الإضراب والتّجنّد لإنجاحه، حيث التجأ إلى ذريعة ناجحة أوجدها مقنِعًا المحقِّقين بصدقه وبصدفة تواجده هناك، الأمر الذي حرّره من المعتقل وبدون أيّ إجراء قضائي..
علاقتي بالأرض كعلاقة رئتيَّ بالهواء، إذا لم أفلح أرضي أو أسقي زرعي.
حين لا أكون فيها يومًا أشعر أنّ شيئًا ينقصني وكذلك أشعر بتعب وإرهاق، بهذه الكلمات يُلخِّص وحين يُفتِّش أهلي أو أولادي عنّي يجدونني في الأرض، أبو ناجي علاقته بأرضه متينة..
لقد أرادت السُّلطة الاستيلاء على الأرض والإنسان فقد قامت
بمصادرة الأراضي لتهويدها واعتقال كلّ من يمكن أن تعتقله للسّيطرة
على فكره ومبدئه..
كيف يمكن لرجال السّلطة أن ينجحوا في خطّتهم حين يكون رفاق الحزب الشّيوعي الواجهة المركزيّة في الدّفاع عن الجماهير والتّصدِّي للمؤامرات..
الرّفيق حنّا حبيب شحادة، أبو ناجي، من أصدقاء الحزب ومناصريه ومسانديه منذ أن تأسّس في قرية المغار وما بدّل طريقه وما حاد عن ربه، فلاحٌ مثقّفٌ وثوريٌّ منذ أن رأت عيناه نور دربنا القويم والمستقيم ومعاضدٌ للحزب الشّيوعي وجبهته الدّيمقراطيّة إلى آخر ثانية في حياته.
لقد قامت قيادة الحزب، قبل عدّة سنوات، بتكريمه مع كوكبة كبيرة من الرّفاق من جميع مناطق الوطن وفروعه، هذه الكوكبة التي زرعت لنجني وجنَيْنَا ونتابع نحن بمشروع الحياة هذا فنزرع لتجني أجيالنا الصّاعدة ثمار الحريّة والتّحرّر والعدالة الاجتماعيّة، ولأبي ناجي وجميع أفراد عائلته الكريمة ألف وألف تحيّة معطّرة بماء أزهار الجليل مع خالص الأمنيات بالصِّحَّة والعافية والعقل السّليم والعطاء الذي لا ينضب..