*ندوة خاصة في “إعلام” حول حرية الصحافة:
تزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يوافق العاشر من كانون الأول/ ديسمبر، نظم مركز “إعلام” مؤتمراً خاصاً في “مكتبة مي وزيادة” في الناصرة تحت عنوان “حرية العمل الصحافي في ظل الحرب على قطاع غزة والتحولات السياسية”. وشكّل المؤتمر منصة خاصة للصحافيين الذين يواجهون اعتداءات وتحديات وجودية، حيث سلط الضوء على العقبات التي تعترض ممارسة المهنة في ظل تعقيدات المشهد السياسي الراهن في إسرائيل.
وافتتح المؤتمر بجلسة مفتوحة خصصت للصحافيين العاملين في الميدان، الذين استعرضوا معاناتهم اليومية جراء الاعتداءات المتكررة التي طاولتهم في أثناء التغطية الإعلامية، من تهديدات واستدعاءات للتحقيق من قبل الشرطة وجهاز الأمن العام- الشاباك، إلى هجمات الجمهور اليميني المتطرف. وشدد المتحدثون على تصاعد القيود المفروضة على العمل الصحافي في ظل حكومة يمينية تسعى لتقويض أسس حرية التعبير، وعلى الشعور بالإحباط الشديد جراء المجازر التي أودت بحياة صحافيين في غزة، وعلى رأسها المجزرة الأخيرة التي فقد فيها خمسة صحافيين حياتهم.
وتلا ذلك ندوة أدارتها الزميلة الصحافية ميسون زعبي، حيث ناقش المتحدثون الأبعاد الأيديولوجية للتحولات السياسية وتأثيرها على حرية الصحافة. الكاتب والباحث أنطوان شلحت تناول بعمق أوجه التحول التي طرأت على المشهد السياسي، مشيراً إلى أن السياسات التي تقيّد حرية الإعلام ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل هي امتداد لممارسات ممنهجة بدأت في السبعينيات، لكنها بلغت ذروتها في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تطرفاً قومياً ودينياً، والتي ترجمت هذه السياسات إلى ملاحقات سياسية علنية، وتهديدات مباشرة، وتضييق غير مسبوق على الحريات الصحافية.
شلحت سلط الضوء أيضاً على الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام الإسرائيلي في تشكيل الوعي الزائف، مؤكداً أن هذه الوسائل لا تعتمد بالضرورة على الكذب، بل تتقن فن حجب المعلومات وتوجيه الرأي العام، مما يعزز الجهل المنهجي. وأشار إلى ظاهرة الرقابة الذاتية التي أصبحت بمثابة خيار اضطراري للصحافي الفلسطيني، رغم ما تحمله من تناقض مع مبادئ حرية الصحافة. ومع ذلك، ختم شلحت بنبرة متفائلة، معتبراً أن الصحافة المستقلة والبديلة تمثل بصيص أمل، حيث تتيح فضاءات أوسع للكتابة الحرة والإبداع خارج قيود المؤسسات الإعلامية التقليدية.
من جانبه، أشار الصحافي محمد ضراغمة إلى التحديات الوجودية التي تواجه الصحافي الفلسطيني العامل في وسائل إعلام عربية مستقلة، مؤكداً أن هذه التحديات لا تقل خطورة عما يواجهه الإعلام المحلي. ضراغمة شدد على أن الصحافي الفلسطيني غالباً ما يدفع ثمن نشر الحقائق، خاصة تلك التي تتعارض مع السردية الإسرائيلية. ولفت إلى أن اغتيال شيرين أبو عاقلة شكل نقطة تحول مفصلية، كشفت هشاشة البيئة الأمنية للصحافيين الفلسطينيين، وأسهمت في تصاعد الضغوط والتضييقات عليهم.
أما الصحافية المستقلة نضال رافع، فقد قدمت تحليلاً نقدياً لسياسات الإعلام الأجنبي، معتبرة أن “غسيل المصطلحات” أصبح أداة منهجية في إخفاء الحقائق وتزييف الرواية الفلسطينية. وأشارت إلى أن الإعلام الغربي غالباً ما ينحاز إلى الرواية الإسرائيلية، مستخدماً أساليب دقيقة لتأطير القضية الفلسطينية بما يخدم هذه السردية. ودعت رافع إلى ضرورة تبني آليات رقابية فعالة تفضح ازدواجية الإعلام الأجنبي، وتفرض عليه التزاماً أخلاقياً ومهنياً بضرورة التغطية الموضوعية.
في ختام المؤتمر، أعلن مركز “إعلام” عن إطلاق مبادرة “بيت الصحافة”، وهي منصة تجمع الصحافيين الفلسطينيين بانتظام بهدف تعزيز الحوار وتبادل الخبرات. كما أعلن عن استمرار منحة “على درب شيرين أبو عاقلة” للسنة الثانية على التوالي، والتي تهدف إلى تعزيز الصحافة الاستقصائية كوسيلة لمواجهة تحديات الإعلام في المجتمع العربي.