اسرائيل تستحث الخطى في غزة ولبنان وسوريا واليمن قراءة في محاولة فرض وقائع جديدة على ترامب والعالم

ورقة سياسات، أمير مخول، مركز تقدم للسياسات

تقديم:

في أواسط كانون اول/ديسمبر سادت في إسرائيل أجواء إيجابية سياسيا واعلاميا مستندة الى ما اتاحت الرقابة العسكرية نشره بصدد حيثيات المفاوضات، أعلن وزير الحرب كاتس بأنها “اللحظة الأقرب الى الصفقة”.  اكدت عائلات الاسرى والمحتجزين الإسرائيليين على تفاؤلها وذلك بعد ان التقوا مع كل من نتنياهو وكاتس. شددت إدارة بايدن على التفاؤل، وفي سياق ذلك زار كبار مسؤوليها ذوي الصلة المنطقة، وأوحوا بحصول انفراج في المفاوضات.

تحدث نتنياهو عن “تطور ما” في المفاوضات بصدد الصفقة، في حين اكد موقع سروجيم لسان حال الصهيونية الدينية في ذات اليوم، ومن باب الإشادة، بأن “نتنياهو قد اضاف بندا جديدا ليتم ارجاء الصفقة”.

ميدانيا: سارت الأمور على نقيض ذلك، تكثفت حرب الإبادة الفتاكة على قطاع غزة، وذروتها استهداف مستشفى كمال عدوان وإجلاء المرضى واعتقال واستهداف الطواقم وحرق البنايات ليتبعه اعلان عملية جديدة على بيت حانون لأخلائه من أي وجود سكاني، يضاف اليه اعلان الجيش بتوجيه قوات إضافية من جبهات أخرى الى قطاع غزة.

 

  • لبنانيا، واصلت إسرائيل غاراتها وانتهاكاتها لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إعلانه لستين يوما، رافقت ذلك تصريحات بالبقاء أمنيا في مناطق لبنانية تشمل البلدات القريبة من الحدود بين البلدين. تسعى اسرائيل الى ترسيخ تدخلها العسكري في لبنان بما فيه الغارات الجوية بما فيها المكثفة على مواقع لبنانية وتحت مسمى منع حزب الله من إعادة بناء قدراته واستنادا لتفاهمات إسرائيلية أمريكية على النقيض من موقف لبنان. وإذ تتزامن فترة وقف اطلاق النار لستين يوما مع دخول ترامب البيت الأبيض، فإن المسعى الاسرائيلي هو التسريع في خلق امر واقع يتيح لها التدخل عسكريا وفرض شروطها على لبنان في حال كانت قادرة على ذلك.
  • في سوريا: بعد سقوط نظام الأسد، تسعى إسرائيل الى امرين جوهريين؛ الاول هو توسيع سيطرتها على الاراضي السورية والاقتراب من دمشق، ولا يغيب عن الخطاب السياسي الاسرائيلي فكرة اقامة اقليم انفصالي موال لها، يشكل امتدادا للجولان المحتل منذ 1967 والخاضع لقانون الضم الاسرائيلي بتأييد من ادارة ترامب السابقة، كما تسعى الى اقامة منطقة عازلة اسرائيلية بين سوريا ولبنان بدءا من نقطة الحدود بين الدول الثلاث وصولا الى البقاع؛ فيما الهدف الثاني هو استعدادها الذي يتردد بالتضحية بالقوى الكردية السورية،  لصالح تفاهمات مع تركيا باعتبارها وفقا لإسرائيل، ستفرض وصايتها على سوريا ونظامها الجديد، وهذا الاتجاه يلتقي مع تصورات في إدارة ترامب تبدي استعدادا للتفاهم مع تركيا، حول مستقبل سوريا في ظل الإدارة الجديدة،  مقابل التخلي عن التحالف مع الكرد والجيش السوري الحر.

فيما ترى قراءات اسرائيلية أخرى، بانه من الصعوبة بمكان بقاء سوريا موحدة كيانيا ولذلك وفي حال تفككها الى أقاليم، تسعى اسرائيل للحصول على أراض سورية واسعة على نمط تقسيمات اتفاقات سايكس بيكو.

الاطماع الاسرائيلية في سوريا لا تنحصر في السيطرة على مناطق واقاليم، او المحاصصة الجغرافية مع تركيا كما تروّج، بل تتعدى ذلك الى السيطرة على سياسات الدولة السورية، اذ ترى تحليلات اسرائيلية ان جبهة تحرير الشام ورئيسها الجولاني، هم امتداد للقاعدة ولأيمن الظواهري ولا يمكن الوثوق بهم، بينما يرى رأي اخر ان طبيعة النظام الجديد مع الوصائية التركية، قد تكون براغماتية وأبعد ما يكون من حالة حرب مع اسرائيل وبأن معظم التصريحات لحد الان تتحدث عن الخطر الإيراني، بينما ترسل رسالة سلام وطمأنة لإسرائيل. وهناك شبه اجماع في التقديرات الاسرائيلية بأن استبعاد هيئة تحرير الشام للقوى السياسية الاخرى الشريكة في اسقاط نظام الاسد، والى ما ذكرناه في المسألة الكردية والتي هدد اردوغان قادتها بأنهم إذا لم يسلموا سلاحهم فان الارض السورية ستكون مقبرة لهم، هي مؤشرات لتفكك سوريا أكثر من الابقاء على وحدتها الكيانية، وليس من المفروغ منه وفقا لهذه التقديرات بأن تستتب الامور في هذا البلد بقيادة الهيئة.

  • شكلت هجمات الحوثيين الصاروخية الأخيرة على اسرائيل وتجاوزها للدفاعات الجوية الاسرائيلية حالة أشغلت المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية؛ وهناك اعتراف من مصادر امنية وتحليلية بأن اسرائيل تفاجأت من القدرات النوعية للحوثيين التي تتفوق وفقا لهذه التقديرات على تكنولوجيا حزب الله وحماس في المجال الصاروخي، في حين ان الاشكالية الكبرى هي المفاجأة الاستخباراتية من هذه القدرات اليمنية الذاتية التي من غير الواضح اذا ما كانت تملك ردا عليها، ولذلك لجأت الى نموذج “حرب الوكلاء” الطوعيين اي القوات الامريكية والبريطانية لتقوم بمهمة استهداف بنية القوات الحوثية اليمنية. ومن المتوقع مع بداية حكم ترامب ان تعود حكومة نتنياهو الى خطاب انها الجبهة المتقدمة للتحالف “الحضاري” و “دفاعا عن الغرب برمته” باعتبار الحوثيين يستهدفون اسرائيل والولايات المتحدة وطرق التجارة المائية الدولية.

 

تحليل:

o بات من حكم شبه المؤكد ان الصفقة بمقترحيها الشاملة والجزئية على مراحل، لم تتحقق في الاسابيع الثلاثة المتبقة لإدارة بايدن. بل ان المشهد يدل على تصعيد احتلالي فتاك في قطاع غزة، ولن يكون من المستبعد ان يأتي ذلك ترجمةً اسرائيلية لتهديدات ترامب ووعده،  بأن الشرق الاوسط سيواجه جهنم اذا لم تبرم الصفقة قبل ذلك، هذا مع التنويه بأن تصريحات ترامب لها اكثر من تفسير ومن بينها ما لا يروق لنتنياهو وائتلافه الحاكم.

o عاد نتنياهو الممسك اسرائيليا بكل مفاتيح القرار الى تكرار المشهد الذي يعود على نفسه منذ اكثر من عام بتعطيل الصفقة اسرائيليا في اللحظة الاخيرة. واعداً الاسرائيليين بالنصر الكبير، ويناور سياسيا لإبقاء ائتلافه الحاكم ووفقا لعقيدته ايضا ما بين تفضيل الصفقة الجزئية على مراحل قد لا تتحقق كلها، وبين صفقة شاملة لا يريدها اذا كانت مبنية على انهاء الحرب والانسحاب.

o كي يتجاوز الضغوطات من مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، يقوم نتنياهو بشكل منهجي باللعب على اعصاب عائلات الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين، بإشاعة الأوهام حول الصعاب، ثم الطمأنة بوجود تقدم وأمل بإبرام الصفقة، ويلي ذلك شروط اللحظة الاخيرة وتعويقها. لدرجة ان عائلات المحتجزين والتي تراجع أثرها على متخذي القرار، تتحدث عن مراجعة خطابها في دورات المفاوضات السابقة لتؤكد انها لن تكترث أكثر لموقف حماس بل ستحاسب نتنياهو على قرارات حكومته التي لا تثق بها، متهمين اياه بأنه يعرقل التوصل الى صفقة.

o يدرك نتنياهو وفقا لكل التقديرات الاسرائيلية بأن الراي العام الاسرائيلي بغالبيته العظمى إما أنه يقبل بأية صفقة جزئية كانت او شاملة او غير مكترث لذلك. الراي العام جاهز للصفقة الا انه لا يكترث لاستمرار الحرب المفتوحة ولا توجد اصوات شعبية جدية تنادي بوقف الحرب، او بوقف اعمال الابادة في غزة.

o تتمثل المرحلة الحالية بحراك يميني استيطاني قوي وهادف تقوده حركة “نحالا” الاستيطانية برئاسة دانييلا فايس احدى القيادات الرمزية لحركة الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ السبعينيات، والتي تحظى بدعم كبير من اوساط داخل الجيش.

o تعود الى صدارة التحليلات الاسرائيلية النقاشات حول حقول الغاز الطبيعي الكبرى في المياه الاقليمية الفلسطينية، والتي تطمع اسرائيل في الاستحواذ عليها وفي توسيع منشئات ميناء اسدود واقامة متروبولين المدينة ليشمل مناطق بيت لاهيا وبينت حانون وجباليا. كمحطة رئيسية في إطار مشروع التجارة المائي -البري، من الهند الى اوروبا مرورا بإسرائيل وعلى حساب قناة السويس.

o فلسطينيا ايضا فإن استهداف الضفة الغربية هو في طليعة اهتمامات واولويات اقصى اليمين الحاكم، والذي يرى انه امام فرصته التاريخية في ترسيخ عقيدة “ارض اسرائيل الكبرى”، بما فيه ضم الضفة الغربية وتقويض الكيانية الفلسطينية والمتمثلة بالسلطة الفلسطينية. هناك تسارع في هذا الاتجاه استباقا لدخول ترامب الى البيت الابيض، اذ يبني اقصى اليمين اماله وتطلعاته على ترامب؛ وفي المقابل يراوده القلق من المتغيرات في المنطقة ومن فكرة التطبيع مع السعودية في حال انجزت والتي تعني ترجمتها الفعلية قيام دولة فلسطين، وهو فعليا انكسار الحلم اليميني العقائدي بتياريه الصهيوديني والعلماني المحافظ. وقد ألمح ليبرمان رئيس حزب يسرائيل بيتينو في مقابلة مع صحيفة يسرائيل هيوم الى هذه الاحتمالية والى امكانية اضطرار نتنياهو لتغيير ائتلافه الحاكم او الاعلان عن انتخابات مبكرة.

o سياسيا يستفيد نتنياهو من الصواريخ الحوثية باتجاه اسرائيل لتأكيد مقولة الحرب المفتوحة وبأن الحرب لا تزال طويلة، مما يخدم إدامة حكمه وارجاء المطالبة سواء بالانتخابات ام بإقامة لجنة تحقيق رسمية والتي تحظى بدعم من رئيس الدولة هرتسوغ ومن بعض اقطاب الليكود وحصريا الوزير ديختر الذي لم يحدد موعدا لإقامة مثل هذه اللجنة لكنه يعارض لجنة تحقيق سياسية.

o استراتيجيا هناك نقاش امني استراتيجي بصدد هل الاولوية هي لمجابهة الحوثيين حربيا ام استهداف ما تسميه اسرائيل “راس الاخطبوط” في اشارة الى ايران التي تشكل راس اخطبوط وحدة الساحات ومحور المقاومة الذي ترى إسرائيل انه قد تم تفكيكه بعد سقوط النظام السوري. في المقابل هناك قلق اسرائيلي واسع النطاق من ان تقوم إيران في حال وجدت انها مستهدفة، بتسريع تطوير مشروعها النووي، او بالتوصل الى اتفاق نووي جديد مع ادارة ترامب لمنع الحرب عليها.

 

في الخلاصة والاستنتاجات:

  • استهداف قضية فلسطين كان ولا يزال الاولوية الاولى لحكومة نتنياهو، فلا مؤشرات لصفقة ناجزة وفي حال انجزت لا مؤشرات لصفقة شاملة ولا لإنهاء احتلال القطاع ولأعمال الابادة والتطهير العرقي، ولا لوجود كوابح تمنع استيطان شمال القطاع اذا بقي الاحتلال.
  • تسعى اسرائيل الى خلق امر واقع في سوريا يتيح لها الاستفادة القصوى من كل الخيارات المحتملة حول مستقبل سوريا.
  • تسارِع اسرائيل الخطى في غزة ولبنان وسوريا من اجل فرض امر واقع يقبل به ترامب او لا يستطيع تجاوزه، وفي حال تجاوزه تكون لديها بدائل. فمقابل الآمال المعلقة عليه إسرائيليا، فهناك قلق يساور اقصى اليمين من انكسار الحلم بالضم وبأرض اسرائيل الكبرى، ومن المحتمل ان يجعل مثل هذا الاحتمال اليمين اكثر دموية وشراسة في كل الجغرافية الفلسطينية وحصريا في الضفة الغربية.
  • اسرائيل تتوسع حربيا وجغرافيا مقابل انسداد أفق غير مسبوق في تاريخها وللمدى البعيد، قد ترتد هذه الاطماع الى نتائج كارثية على اسرائيل نفسها، بما فيه تعميق الشروخ والصراعات الداخلية والقلق الخارجي وانعدام اية مقومات للأمن والامان. وقد تسرع عمليه الهجرة للخارج بما فيها هجرة الادمغة ورؤوس الاموال الاسرائيلية.
  • ترى حكومة نتنياهو بالهجمات الحوثية مبررا لها في مواصلة الحرب على غزة وتوسيعها حتى ايران في حال نجحت في دفع ادارة ترامب لتبني رؤيتها، بينما الاحتمالات محدودة في هذا الصدد.
  • الحرب على غزة لم تتوقف وتزداد شراسة وشعبها الفلسطيني في اقسى واصعب حالاته، ولا تبدو مؤشرات تشير الى احتمالية توقفها في المدى المنظور، كما يجدر التنويه الى ان مفردات “توقف الحرب” او “وقف اطلاق النار” لا تعني الانسحاب من القطاع ولا عودة نازحيه الى شماله ولا اعادة اعمار ما يمكن اعماره.

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .