في خطوة تعكس التزامًا عميقًا بتقديم الرعاية الطبية للمناطق المهمشة في الضفة الغربية، نظّمت “أطباء لحقوق الانسان” يومين طبيين مكثفين في كل من قرية جبع بمحافظة جنين ومخيم عسكر للاجئين شرق نابلس، لتلبية الاحتياجات الصحية الملحة لسكان هاتين المنطقتين.
في قرية جبع، الواقعة جنوب مدينة جنين، شهد المركز الطبي المحلي يومًا طبيًا استثنائيًا استقبل خلاله الفريق الطبي 401 مريض، من بينهم 62 طفلًا. رئيس المجلس المحلي، محمد بداد، أكد أهمية هذه المبادرة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، موضحًا أن القيود المفروضة منذ أكتوبر الماضي منعت عمال القرية من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر، مما فاقم معاناة نحو 13 ألف نسمة. وأضاف بداد: “نعاني من نقص حاد في الخدمات الطبية، إذ لا يتوفر سوى عيادة حكومية صغيرة وطبيب عام يأتي ليوم واحد أسبوعيًا، ونقص دائم في الأدوية”. وأشاد بالنشاط التطوعي غير الربحي لتقديم الرعاية مجانًا.
أما في مخيم عسكر، فقد عالج الفريق الطبي 530 مريضًا، بينهم 40 طفلًا، في يوم طبي استضافه مبنى اللجنة الشعبية للخدمات بالتعاون مع الجهات المحلية. رئيس اللجنة، ماجد أبو كشك، وصف المخيم بأنه أحد أكثر المناطق فقرًا في الضفة الغربية، حيث يعاني أكثر من 18 ألف لاجئ من انعدام فرص العمل وتقليص خدمات الأونروا. وقال أبو كشك: “في ظل الاقتحامات المتكررة للمخيم وما تخلفه من قتلى وجرحى، قمنا بإنشاء نقاط إسعاف أولية وتدريب شباب على تقديم الإسعافات الأولية، لكن الحاجة إلى الدعم الطبي تظل أكبر من قدراتنا”.
أوضح الدكتور صلاح الحاج يحيى، مدير العيادة المتنقلة في منظمة أطباء لحقوق الانسان “تستهدف هذه الأيام الطبية الوصول إلى المناطق الأكثر تهميشًا لتقديم خدمات صحية مباشرة وملموسة. في جبع وعسكر، لمسنا حجم المعاناة، من الفقر إلى القيود المفروضة على الحركة، مما يجعل حصول السكان على الخدمات الطبية الأساسية تحديًا يوميًا”. وأشار الحاج يحيى إلى المعاناة المزدوجة التي واجهها الفريق الطبي بسبب الحواجز، قائلاً: “تعطلنا ساعات على حاجزي دير شرف وبيت فوريك، وهو ما يعكس جزءًا من المعاناة اليومية التي يواجهها الفلسطينيون في تنقلاتهم”.
التزام مستمر رغم التحديات
ضم الفريق الطبي الذي أدار الأنشطة الإنسانية في قرية جبع ومخيم عسكر نخبة من الأطباء المتميزين في تخصصات متعددة، شملت طب العيون، وطب الأطفال، وطب الأمراض الداخلية، وطب العظام، وطب الأسرة، بالإضافة إلى فريق تمريضي متمرس وصيادلة ومتخصصين في العلاج الطبيعي. وتنوّعت الخدمات المقدمة بين الفحوصات الطبية العامة، والتشخيص المتقدم، ووصف الأدوية، وتقديم استشارات صحية فردية، مع التركيز على تلبية احتياجات المرضى من الفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأطفال وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
وشملت الجهود أيضًا تقديم علاجات مباشرة للمرضى، إلى جانب توفير الأدوية الأساسية لمن يحتاجها، وهو أمر كان له أثر إيجابي مباشر في تخفيف معاناة العديد من الأسر التي تواجه صعوبات في الحصول على العلاج بسبب الفقر أو القيود المفروضة على الحركة والتنقل. كما ساهمت خدمات العلاج الطبيعي في تقديم دعم علاجي ونفسي للمرضى الذين يعانون من أوجاع جسدية مزمنة أو اضطرابات عضلية، ما عزز من شمولية الرعاية المقدمة. وأظهرت هذه الفعالية بوضوح كيف يمكن للجهود الطبية المتكاملة أن تصنع فرقًا كبيرًا في حياة الناس، خصوصًا في المناطق التي تعاني من انعدام الخدمات الصحية الأساسية، حيث تظل المراكز الصحية المحلية عاجزة عن تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان.
من جهة أخرى، سلطت الأنشطة الضوء على أهمية التضامن الإنساني كجزء من الحلول الموجهة لتخفيف الأعباء عن المجتمعات المهمشة. فقد عكست هذه الجهود نموذجًا ملموسًا للشراكة بين المنظمات الإنسانية والمجتمع المحلي، مع التأكيد على ضرورة الاستمرارية في مثل هذه المبادرات لضمان تحقيق أثر دائم ومستدام. وإلى جانب الأثر الصحي المباشر، مثلت الأنشطة رسالة أمل للسكان المحليين، مفادها أن التضامن والإنسانية يمكن أن يتغلبا على تحديات الواقع القاسي. تظل مثل هذه المبادرات ذات أهمية بالغة، ليس فقط في تقديم الدعم الصحي، بل أيضًا في تعزيز روح التضامن والتكاتف بين أفراد المجتمع.