“آلام الولادة” هو معرض جماعي يضم 50 عملًا فنيًا من إبداع 27 فنانًا، ضمن صالة العرض في چڤعات حبيبة يقدمون من خلاله رؤى عميقة ومؤلمة وواعية عن مفاهيم الولادة، الحياة، الموت، الشفاء، والتغيير. هذه المواضيع تتجلى بوضوح خاص في ظل الواقع الأليم الذي نعيشه اليوم.
منذ السابع من أكتوبر والأحداث التي أعقبته، بات من الصعب فصل الفن عن سياق الحرب والواقع المؤلم الناتج عنها. الألم لا يزال حاضرًا، ومع كل يوم تضرب مأساة الحرب بقوة أكبر، تقتل وتدمر بلا هوادة. نسمع يوميًا عن الوضع الإنساني الكارثي في غزة، ونعلم أن المختطفين لا يزالون هناك، ونُصدم من تزايد الجرائم داخل المجتمع العربي. في ظل هذه المآسي، نجد أنفسنا غير قادرين حتى على تخيل إمكانية بناء مجتمع صحي ومستقر.
مجتمعنا في هذه البلاد، وفي هذا الوقت تحديدًا، هو مجتمع يعيش فيه الجميع حالة من الألم. الأزمات النفسية اليوم ليست فقط فردية، بل تمتد لتشمل البعد الاجتماعي-النفسي. نحن نعاني من غياب التماسك والارتباط، ومن شعور متزايد بالعزلة وانعدام الانتماء.
في العام الماضي، عشنا لحظات صعبة جعلتنا ندرك، نحن في صالة العرض والمركز المشترك للفنون في چڤعات حبيبة، أن هذه الدولة تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صوت نسائي يحمل رؤية مختلفة؛ صوت لا يتحدث عن القتال، بل عن التغيير والشفاء. هذا الصوت يمكن أن يساهم في ولادة مجتمع جديد أكثر إنسانية وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.
“آلام الولادة” هو انعكاس لهذه الرؤية. إنه معرض يحمل مشاعر الإلحاح، الفقدان، والصدمة التي يمكن أن تتحول إلى طاقات هائلة للشفاء والإصلاح، مسلطًا الضوء على الطريق الطويل نحو التعافي، بينما لم تعالج الجروح بعد.
يتحرك المعرض بين ثلاثة محاور رئيسية: الخوف، التغيير التحولي، والولادة، وكلها تدور حول محور الحياة والموت. بعض الأعمال تركز على محور واحد، وأخرى تعالج اثنين أو الثلاثة معًا. وتتنوع زوايا النظر في الأعمال بين الشخصي والاجتماعي، السياسي والجندري، العلاجي والنفسي-الاجتماعي، مما يخلق تداخلات معقدة تعكس تشابك حياتنا.
نحن في لحظة تحول: الصفائح التكتونية تتحرك. نحن على أعتاب مرحلة جديدة، حيث يمكننا، وفقًا للعديد من الرؤى، خلق توازن جديد بين الأدوار النسائية والرجالية التي شكلت المجتمع عبر العصور.
في هذا السياق، سعينا من خلال المعرض إلى تقديم سردية معقدة وشاملة. تلقينا 70 طلبًا من فنانين وفنانات للمشاركة في المعرض من خلال نداء مفتوح. هذا الإقبال الكبير يعكس التعطش في إسرائيل إلى أصوات تتأمل بجرأة وتعمق في تقلصات الولادة الجماعية التي نعيشها.
“آلام الولادة” ليس مجرد معرض، بل هو دعوة للتفكير والعمل نحو مستقبل أفضل.
المعرض مفتوح حتى 14.12.2024 في غاليري چڤعات حبيبة
_____________________________________________
الفنانات المشاركات من المجتمع العربي:
مي دعاس
مي، عمرها 33 عامًا. تعيش في الطيرة وتعرّف نفسها كـ”امرأة، أم، ابنة، شريكة حياة، عربية فلسطينية، مسلمة وفنانة”. في فنها، تتناول مي القوة النسائية واللحظات “قبل الكارثة الوشيكة”، مثل العمل “بلا عنوان”، حيث ترسم 5 نساء مستلقيات إحداهن على الأخرى وممسكات ببعضهن البعض فقط من خلال بنية استنادهن، وبدونها لا يمكنهن البقاء كوحدات. تحت القوس، وللبنية النسائية في جوهرها، يتشكل غبار مزعج محذر من العاصفة الوشيكة.
في عمل آخر، اسمه “خريطة”، نرى امرأتين متكئتين على بعضهما البعض، وفي الفراغ بينهما يتشكل نيجاتيف لخريطة البلاد. وفوقهما تحوم سماء مهددة على شكل نبات الصبار – رمز فلسطيني ورمز الصبار الإسرائيلي المغروس هنا.
في العمل “بلا عنوان”، وهو عمل مبكر لمي، نرى امرأة فلسطينية مغطاة بالحجاب، يخفي حتى فمها، دون القدرة على التعبير عن نفسها. وللتأكيد على الألم والصمت، غرست مي دبوسًا مخصصًا للحجاب في حدقة عين الشخصية.
نردين سروجي
نردين فنانة متعددة المجالات ولدت في الناصرة وتعيش في حيفا.
في “الام الولادة” تعرض نردين 3 أعمال مختلفة جدًا. في عمل الفيديو الخاص بها، “حياكة – فك”، تتألق غرزة ال X الحمراء للتطريز الفلسطيني المعروف، الذي تشارك فيه النساء فقط، في دعوة لفحص إنشاء (وتصفية) التحركات الطبقية والثقافية.
في عملها الثاني، تعرض نردين شخصية مقصوصة موضوعة داخل بنية معمارية على شكل قوس، صورة ظل لإمرأة باسطة ذراعيها. في النظرة الأولى تبدو الشخصية مصلوبة، ولكن في النظرة الثانية تبدو كمن تسبح بهدوء في بركة. القاع يملأها وهي حاضرة-غائبة في تلك اللحظة الروحانية. نردين سباحة بنفسها، وكذلك فهي تصور المرأة الفلسطينية كشخصية قوية، تسبح في مياه عاصفة من أجل التغيير.
في العمل الثالث، تتواصل نردين مع عالم الفن وتنتقده لأنه غالبًا ما يستخدم القصة الفلسطينية والصدمة الجماعية كمنتج استهلاكي: تعرض 3 صناديق شفافة ولامعة، واقفة على قواعد ملونة ساطعة، كعرض تجاري لاذع.
داخل كل صندوق توضع الصدمة الفلسطينية – بقجة بيضاء رقيقة، مصنوعة من الجبس، ترمز إلى النكبة التي أجبرت الفلسطينيين على التحميل بسرعة والهرب. هل يمكن لمؤسسة فنية إسرائيلية، تتساءل، عرض فن فلسطيني سياسي دون أن يتم تلميعه و”تبييضه” لصالحها؟ المعرض في جفعات حبيبة يحاول الإجابة بنعم على هذا السؤال.
سناء فرح بشارة
سناء من الناصرة مواليد 1964، تنحت تماثيل نسائية من البرونز. نساؤها غالبًا ما يكن حسيات، حرائر، كونيات وفخورات، يبدو ظاهريًا بلا توجه سياسي. في “تقلصات الولادة” تعرض سناء عملين مختلفين عن أسلوبها المعروف – عمل مصغر لطفل من البرونز، مستلقٍ داخل ورقة صبار، عمل يُعرض في المعرض بجانب لوحة “خريطة” لمي دعاس.
الطفل الرقيق واللطيف في الواقع يتحول في هذا العمل إلى طفل برونزي صلب، وورقة الصبار اللحمية والشائكة تتحول إلى مستوى رقيق يحتضن الطفل الرقيق المعروض للعالم. من هذا الطفل؟ ما هي هويته؟ إلى أي عالم جاء؟ تحوم فوقه أسئلة شخصية واجتماعية ثقيلة الوزن.
في فضاء آخر، تعرض سناء عمل تركيب يتكون من عشرات الشخصيات النسائية، جمهور نسائي تجمد في صرخته. العمل، المسمى “صرخة هادئة”، يشير إلى القوة الجماعية للنساء اللواتي يصرخن معًا نفس الصرخة – يحتججن ويطالبن – لكن صوتهن لا يُسمع. إنها صرخة استغاثة وليست تهديدًا، كما يبدو للوهلة الأولى، حيث أن التركيب في الأصل يتكون من 48 شخصية نسائية كإشارة إلى السنة التي فُرض فيها الصمت على النساء الفلسطينيات. سماتهن النسائية والجنسية سُلبت منهن وأفسحت المجال لأشباح تحمل الصدمة غير المداواة، كشهادة ذاكرة.
سومة قعدان
سومة قعدان فنانة متعددة المجالات شابة من باقة الغربية، تعمل في المساحة النسائية، والحرف القديمة والطب الشعبي. كلها تتلاشى مع السنين والمعرفة الكامنة تختفي معها.
في “تقلصات الولادة” تعرض سومة 4 أعمال من مواد غير تقليدية – ثعبان لعبة من البلاستيك، ضفائر اصطناعية مجدولة، زجاجة رضاعة مع شعر مخيط على فوهتها، مهد من أسلاك شائكة، كرسي مبطن بكرات قماش ومخيط بشعر نسائي. كل عمل يقدم جمالية خاصة تثير عدم الراحة، والنفور والرفض للأنوثة والأمومة معًا. الخوف من الموت والاختناق، والطعن والألم يميز جميع الأعمال، حيث يتم في العمل الذي يعرض زجاجة رضاعة – على سبيل المثال – استبدال الزجاجة اللطيفة المخصصة للرضاعة بشيء عديم الاستخدام فوهته مخيطة ومغلقة بواسطة شعر نسائي، شعر سومى، والفكرة في إدخال هذه الفوهة في فم طفل تخلق شعورًا صعبًا.
في عمل “مهد”، بنت سمى مهدًا لطفل من حديد صلب وأسلاك شائكة، معلقة فوقه جوربًا تتدلى منه 3 ضفائر اصطناعية كثيفة، تحاكي محمل معلق لطفل غير موجود.