امير مخول
نجحت حكومة نتنياهو بتوجيه الانظار الى رفح مع بدء العملية “المحدودة” في شرق المدينة، والتي تضمنت تهجير أكثر من مئة ألف من النازحين اليها من الشمال ومنعهم من العودة شمالا. والتي حظيت بإجماع كابنيت الحرب والحكومة الموسعة. وكانت إسرائيل قد أجبرت يوم 11 ايار/مايو نحو 150 الفا من سكان جباليا وحي الزيتون في مدينة غزة على النزوح باتجاه الغرب والوسط. وفي اليوم ذاته تم تهجير نحو مئة ألف من المهجرين من مناطق اضافية في رفح نحو الغرب في مناطق “الامان” التي لا توجد فيها اية مقومات للأمان.
– في بداية الحرب عملت اسرائيل على هدف استراتيجي لتجميع الفلسطينيين من شمال القطاع في رفح نحو تهجيرهم الى الاراضي المصرية في سيناء ومن ثم تنقلهم البارجات الامريكية الى انحاء العالم لاجئين. رفض الفلسطينيون الانسياق في طريق اللجوء وأفشلت مصر هذا المشروع وساندها في ذلك الاردن والسعودية والدول العربية.
– لا يبدو ان اسرائيل قادرة اليوم عن اختراق الحدود المصرية الفلسطينية والدفع بمليوني فلسطيني على الاقل للهجرة، لكن نوايا التهجير لا زالت قائمة وبقوة امام انسداد الافق الاسرائيلي وحكومة نتنياهو غير المعنية بأي حل او مخرج سياسي.
– تسيطر اسرائيل حاليا على معظم قطاع غزة من اقصى الشمال وحتى اقصى الجنوب وتسيطر على المعابر جميعها، ولديها منطقة عازلة داخل القطاع وعلى طول الحدود معها، ولديها أيضا قواعد عسكرية عملياتية امامية للتحرك السريع في معظم المناطق، وقد انجزت بناء ممر نيتسريم العسكري الذي يبتر شمال غزة عن جنوبها والذي كان قائما خلال الاحتلال السابق لغاية 2005.
– قد تكون المنشأة الاستراتيجية الاكثر خطورة في القطاع هي الميناء الذي بناه الجيش الامريكي بحراسة الجيش الاسرائيلي، والذي “تخلى” عنه الامريكان مؤقتا بذريعة “الاحوال الجوية” الواهية، بينما في الواقع بإمكانه ونظرا لقربه من مدينة غزة ومن ممر نيتسريم ان يشكل محطة بديلة عن رفح لتجميع الفلسطينيين نحو تهجيرهم.
– احد المؤشرات في هذا الصدد هو اجلاء سكان جباليا باتجاه الميناء، والى منطقة لا تتوفر فيها اية مقومات حياة ، فإما الموت تجويعا او ترك المكان تهجيرا وتحت مسمى النزوح الطوعي لتقوم البوارج الامريكية بنقلهم الى اماكن اللجوء، وتحت مسمى انقاذ حياتهم.
– وفقا لما يرشح الى الاعلام الاسرائيلي فإن اولويات حكومة نتنياهو قد تغيرت ودونما خطة استراتيجية واضحة، وهو ما يشكو منه الجيش باعتباره يهدر كل الانجازات في السيطرة العملياتية على قطاع غزة، اذ يقدر الجيش بأن ما انجزه ودفع ثمنه غاليا بدأ يتآكل وبتسارع بما في ذلك عودة تشكيلات تابعة لكتائب القسام الى شمال غزة واعادة موضعة نفسها والقيام بعمليات نوعية ضد الاحتلال، بعد ان اعلن الجيش منذ ثلاثة اشهر عن تطهير هذه المناطق من عناصر القسام وكتائب القدس.
– يبدو ان نتنياهو قد تجاوز حاليا وفي الايام الاخيرة الضغوطات الامريكية بصدد تجميد شحن ذخائر هجومية، وفعليا خرج نتنياهو من هذه الضغوطات اقوى امام جمهوره وحصريا اليميني ليظهر امامه بأنه من وقف امام الضغوطات وقام باجتياح رفح رغما عن التحذيرات الامريكية والدولية. ومن اللافت انه وطوال فترة الحرب، فمقابل كل محاولة علنية من قبل ادارة بايدن او الحزب الدمقراطي التخلص من حكومة نتنياهو والدعوات الموجهة للإسرائيليين الى اسقاطها، قد اتت بمردود عكسي وجعلت الائتلاف الحاكم اكثر تماسكا.
– ما يحدث في قطاع غزة اضافة الى ما ذكر اعلاه، هو التحول الى احتلال مستدام والسيطرة على المعابر وعلى دخول المساعدات الانسانية او حظرها، والمسعى الان هو كيفية استخدامها في المرحلة القادمة رافعة لتثبيت سلطة الاحتلال ومساعيه لخلق بدائل لإدارة مدنية في إطار ما يمكن توصيفه بحكم عسكري مستعاد على غزة.
– التوتر المصري الاسرائيلي يبلغ حدا غير مسبوق منذ بداية الحرب بعد سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح ورفض مصر ادخال حافلات المساعدات عن طريق معبر كرم ابو سالم، كما ان تقدم اسرائيل نحو محور فيلادلفيا يمس بشكل جوهري في اتفاقات كامب ديفيد وملحقاتها العسكرية وبضمانات امريكية.
– يضاف الى ذلك التنديد الاماراتي بتصريحات نتنياهو التي زج فيها باسم الامارات في إطار مساعيه لتقرير مصير غزة.
الخلاصة:
- تأخذ السيطرة الاسرائيلية على قطاع غزة شكل احتلال مستدام وقائم على إحداث تغيير جوهري في الجغرافية السكانية والعمرانية التي كانت قائمة لغاية اكتوبر الماضي.
- تكرار فرض النزوح السكاني يخلق بنية اقتلاع وتهجير خارج القطاع.
- الدول العربية مطالبة بمساءلة الادارة الامريكية بشأن الميناء وبشأن محور فيلادلفيا، كما انها مطالبة وحصريا مصر باتخاذ خطوات عقابية تجاه اسرائيل في مسألة اجتياح رفح واحتمالية اجتياح محور فيلادلفيا. والضغط نحو تفعيل الضمانات الامريكية التي تحول دون السيطرة الاسرائيلية.
- كل ماذكر لا يعني ان مشاريع الاحتلال ستنجح بالضرورة الا ان ذلك لا يقلل من مخاطرها
(مركز تقدّم للسياسات)