قراءة اولية
من دلالات الهجوم الإيراني الصاروخي وبالمسيرات على إسرائيل:
• هجوم معلن مسبقا ومحدد الغاية ومتوقع وتم ضبطه دون سقف الحرب ولذلك لم يحتو على عنصر المفاجأة، بل إظهار القدرة والإرادة بناء على تقدير مسبق للمدى الابعد الذي بالإمكان السيطرة فيه على قواعد اللعبة وضبطها.
• في الصراع الإيراني الإسرائيلي فإن اللاعب الرئيسي مقابل ايران هو الولايات المتحدة، وهي عنوان المحادثات والتفاهمات. كما ان الردع الإسرائيلي في حالة من التآكل المتسارع على مستوى المنطقة ويعزو العديد من شخصيات عسكرية أمنية وسياسية ذلك الى تردي اللحمة الداخلية والمناعة القومية والى أضعاف المنظومات خلال الصراع الذي ولّده “الانقلاب القضائي” بما فيه هجوم السابع من أكتوبر.
• محادثة بايدن نتنياهو خلال انطلاق المسيّرات والصواريخ واعتراضها اكدت ان الولايات المتحدة ودول أوروبا الكبرى ثابتة في دعمها لاسرائيل، مقابل القلق العميق من سياسة حومة نتنياهو ومساعي رئيسها الى توريط الولايات المتحدة في حرب إقليمية ذات اسقاطات عالمية. فعليا شكلت دعوة بايدن لعدم الرد الإسرائيلي قبولا بطبيعة الرد الإيراني المتناسب مع استهداف سيادتها من خلال قنصليتها.
• أظهرت محادثة بايدن وتأكيده على معارضة رد اسرائيلي أن العناق الامريكي الكبير والغطاء الحربي لاسرائيل وكثافة التنسيق العسكري انما تهدف ايضا الى كبح نوايا حكومة نتنياهو التي لا يثقون بها.
• الموقف الامريكي هو نتاج الاولويات والمصالح الامريكية واسقاطات حرب اقليمية قد تكون اسقاطاتها وخيمة على الاقتصاد العالمي والوطني في كل دولة بما فيها الولايات المتحدة، وعلى التجارة والممرات المائية والتنافس على الاسواق والنفوذ، وعلى مجمل النظام العالمي الذي ينتقل بتسارع من نظام القطب الواحد الى متعدد الاقطاب. كما تدرك ادارة بايدن ان الدول العربية وحصريا الخليجية معنية بالتهدئة وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع ايران وليست معنية بأن تكون اولى البلدان المتضررة بشكل مباشر في حال اندفاع الامور نحو الحرب.
• شارك في عملية التصدي الحربي للمسيّرات والصواريخ ما لا يقل سبع دول بقيادة المنطقة الوسطى للقوات الامريكية (سنتكوم)، واذ اعلن الناطق العسكري بأن الدفاعات الجوية الاسرائيلية كانت ناجعة للغاية، فإن مثل هذا الهجوم المكشوف تماما لا يقاس بمدى اسقاط المسيرات فحسب بل ايضا بمدى القدرة على اطلاقها، مما يخلق حالة ردع قائمة على توازن الرعب.
• خسرت اسرائيل استراتيجيا في استهداف القنصلية غير الاستراتيجي بحد ذاته، وفعليا باتت حرية عملها في المنطقة محاصرة اكثر. تراجع غير مسبوق في دور اسرائيل المستهدفة بالهجوم ردا على استهدافها للقنصلية الايرانية في حلب.
• كما كشفت حالة الهلع والقلق الشعبي الاسرائيلي عن عمق أزمة الثقة بحكومة نتنياهو وبالطبقة الحاكمة، وعن التراجع في المناعة القومية واللحمة الداخلية.
• كسب نتنياهو وائتلافه الحاكم سياسيا فيما يسمى “الساحة الخلفية” للسياسة الاسرائيلية الداخلية، فقد تحرر ولو مؤقتا من الضغوطات الخانقة على حكومته داخليا وخارجيا وضمن استمرارية ائتلافه حاليا، وتم تهميش الحرب على غزة والكارثة الانسانية الوجودية، ومحادثات الصفقة والهدنة، وتم صرف الانظار عن جرائم الاحتلال في الضفة الغربية، كما وحوّل الانظار الى الموضوع الايراني. وقد انعكس ذلك في تراجع ملموس في حجم المظاهرات المناهضة لحكومته والداعية لانتخابات عاجلة.
• للتأكيد تبقى قضية فلسطين والحرب على غزة والتصعيد المروّع للعدوان الاحتلالي على الضفة الغربية هي المسألة التي لا يمكن تجاوزها دون حلها سياسيا. اية حرب اقليمية لن تكون لصالح شعب فلسطين ولا شعوب المنطقة، بل سترى بها حكومة اسرائيل فرصة للسعي لتنفيذ مآربها نحو التهجير ومخططات الحسم.