امير مخول
اعلن حزب “تكفا حدشاه” (ألامل الجديد) فض الشراكة مع رئيس “المعسكر الدولاني” بيني غانتس، ومطالبة الكنيست بالاعتراف به كتلة مستقلة تحت مسمى “الامل الجديد – اليمين المسؤول”، وطالب نتنياهو بانضمام رئيس الحزب غدعون ساعر الى كابنيت الحرب كشرط للبقاء في الحكومة التي انضم اليها في اطار المعسكر الرسمي مع بداية الحرب.
قراءة:
يعرّف حزب “تكفا حدشاه” نفسه بأنه صاحب الرؤية القائمة على اليمين الايديولوجي الرسمي الدولاني والليبرالي. وقد جاء معظم قياداته من الليكود ومن الجناح العقائدي فيه وخاصة غدعون ساعر وزئيف إلكين، اللذان كانا مقربين لنتنياهو في حينه ونظراً لشعبية ساعر داخل الليكود، سعى نتنياهو الى استبعاده بعد ان رأى فيه تهديدا له، والى ان انفصل ساعر وأسس حزبه الحالي الذي تحالف مع حزب غانتس في انتخابات الكنيست الاخيرة (نوفمبر2022) وحصل ضمنه على اربعة مقاعد.
كما يعتبر حزب “تكفا حدشاه” نفسه بأنه الجناح اليميني العقائدي في المعسكر الرسمي والذي بسببه تشهد الاستطلاعات انزياحا من مؤيدي نتنياهو والليكود نحو المعسكر الرسمي الذي يشكل حزب الجنرالات، وفي ذات الوقت حزب اليمين العقائدي الليبرالي المناهض لنتنياهو.
منذ اقامة كابنيت الحرب، بدأت سلسلة من الحوارات بين نتنياهو وساعر، والتي نفياها أحيانا، لكن تم تأكيدها اعلاميا، كما وبدأ تباعد ملحوظ بين غانتس وايزنكوت من جهة وساعر من الجهة الاخرى وحصريا ان غانتس استبعد ساعر من كابنيت الحرب.
يلوّح حزب “تكفا حدشاه” بأنه لن ينضم الى الليكود والى ان مواقفه كما انفصاله عن غانتس ليست منسقة مع نتنياهو، بل يؤكد رؤساؤه بأنه اذا اراد نتنياهو ان يكونوا في الائتلاف الحاكم، فذلك بشرط “ومقابل ان نُسمع صوتنا في كابنيت الحرب”، ويسوّغ كل من ساعر وإلكين هذا المطلب بأن لهما اعتراضات على ادارة الحرب، وعلى انه ما كان ينبغي التلكّؤ في وسط غزة بل كان من المفترض ان يكون الجيش في هذه المرحلة قد انجز اجتياح رفح ومحور فيلادلفي قبل الدخول في شهر رمضان. وفي السياق ذاته يؤكدان على ضرورة استبدال نتنياهو والقيادة السياسية للدولة والى ضرورة وجود بديل سياسي يستند الى جمهور يميني واسع، لا يؤيد نتنياهو وان حزب “تكفا حدشاه” يناشدهم “يوجد لكم بيت” وهو هذا الحزب.
يدرك غدعون ساعر الذي يرى بنفسه منافسا مستقبلا على رئاسة الحكومة، بأن قوة حزبه محدودة حاليا، فيما خطوته بالانفصال عن المعسكر الرسمي واعلان نفسه قائدا للتيار اليميني العقائدي الليبرالي والمسؤول إنما يضاعف من أثر خطوته، وهو بذلك يقرأ الانزياح اليميني في المجتمع الاسرائيلي والرافض لاي حل سياسي مع الفلسطينيين، كما يدرك ان نتنياهو في نهاية طريقه وانه سيترك الليكود حزبا محطما الى حد كبير.
كما يأتي قراره في إطار خطوة استباقية لحسم الامور لدى العديد من الشخصيات المؤثرة بدخول المعترك السياسي او العودة له، ومنهم يوسي كوهين رئيس الموساد السابق، ونفتالي بنيت رئيس الوزراء السابق المعني بالعودة للحلبة السياسية وكذلك اييلت شاكيد وزيرة القضاء السابقة، كما يراهن على استقالة عدد من قادة الليكود ووزرائه والانضمام الى تكتل جديد يسعى لتشكيله. وللتنويه فإن ساعر في مواقفه السياسية قريب ايضا من رئيس حزب يسرائيل بيتينو ليبرمان والذي بدوره بدأ حياته السياسية في الليكود، ويعترض على نتنياهو. في المقابل هناك مساع لإقامة حزب صهيوني ديني وسطي يشكل بديلا لسموتريتش ونهجه، في حين ينحو ساعر نحو التدين والتقرب من الصهيونية الدينية الدولانية وليس من سموتريتش الذي تشير الاستطلاعات الى تراجع شعبيته بشكل كبير.
على المدى القريب تشكل خطوة ساعر إضعافا لاحتمالات غانتس ليكون بديلا لنتياهو في رئاسة الحكومة، وتضع حدا لتحول جمهور يميني نحو غانتس خاصة وأن 22% من مؤيدي الليكود يعتبرون وفقا للاستطلاعات بأن غانتس اكثر ملاءمة لرئاسة الحكومة من نتنياهو الذي دعموه في الانتخابات الاخيرة. وعليه يرى نتنياهو والكثير من المحللين بأن خطوة ساعر سوف تمنح نتنياهو مساحة واسعة للمناورة على الاقل للمدى القريب سواء مقابل الضغوطات من قبل ادارة بايدن و”الحرب” المفتوحة ولمحاولات انزاله عن الحلبة.
الا ان ما يبدو فرصة لنتنياهو امام تفكيك المعسكر الرسمي صاحب النفوذ الكبير في كابنيت الحرب، قد يقود الى ضعضعة الائتلاف الحاكم وتصاعد التوترات الداخلية فيه، فبعد أزمة فرض قانون التجنيد الالزامي لليهود المتدينين التوراتيين (الحرديم) والتي لا زالت تتفاقم، فإن وزير الامن القومي يطالب نتنياهو في حال ضم ساعر الى كابنيت الحرب بأن يضمه ايضا، مع التنويه بأن أحد دوافع اقامة كابنيت الحرب كان استبعاد كل من بن غفير وسموتريتش عن ادارة الحرب، مما قد يعمق الازمة بين نتنياهو وبايدن. ومما قد يدفع ايضا غانتس وايزنكوت الى الاستقالة من كابنيت الحرب رغم نفي غانتس لاحتمالية ذلك، وعندها قد يُلغَى دور هذا الكابنيت وتحال الامور الى الحكومة الموسعة، مما سيؤثر سلبا على شعبية غانتس في الاستطلاعات الذي يكون قد فقد الاثر على مسار الحرب وصدقيته التي يجاهر بها امام المجتمع الاسرائيلي، بينما يراهن غانتس بأن حزبه سوف يكون أقوى بعد انسحاب حزب ساعر.
للخلاصة:
– يبدو ان خطوة ساعر ليست نهاية المطاف، بل هي “خربطة الاوراق” نحو وضع الاسس لاصطفاف جديد في الساحة السياسية والسعي الى اقامة تكتل يميني عقائدي ليبرالي جديد يصبو لتبوّء رئاسة الحكومة من خارج الليكود واوسع منه ومن دون نتنياهو، وهذا مقبول على الاحزاب الدينية الحريدية.
– من المتوقع ان يحصل تراجع في التأييد الشعبي لحزب المعسكر الرسمي برئاسة غانتس. وان تتصاعد الصراعات داخل المعارضة.
– تؤكد خطوة ساعر المنحى اليميني المتسارع في المجتمع الاسرائيلي، مما يشير الى ان احتمالات مخارج سياسية وأفق سياسي شبه منعدمة اسرائيليا.
– قد تدفع خطوة ساعر اطراف في المعارضة الى تسريع الجهود لإقامة تكتل في مركزه حزبي ميرتس والعمل نحو بلورة بديل سياسي وفقا لتصريحات صاحب الفكرة نائب رئيس الاركان السابق يئير غولان.
– تشير هذه التطورات الى ان الخارطة السياسية الاسرائيلية غير مستقرة، وكل الاحتمالات مفتوحة ولا يمكن الرهان على الاستطلاعات، ولا افق لتغيير جوهري.
(باحث في مركز تقدم للسياسات)