بمناسبة الثامن من اذار عيد المرأة العالمي، يتقدم موقع الوديان لجميع النساء، من شابات وكبار وعلى مختلف مللهم ومواقعهم الحياتية باحر التهاني، راجين لهن حياة رغيدة واعواما مديدة وحقوق ومساوة بين الرجل والمرأة. وبهذه المناسبة الجميلة والسعيدة، يطيب لموقع الوديان نشر مقالة سابقة، للشاعرة والباحثة حنين الصايغ، مقتبسة عن موقع ارفع صوتك، حول أوضاع المرأة الدرزية دينيا واجتماعيا.
الدِّين نصفُ المرأة والمجتمع خذلها. قد تنطبق هذهِ العبارة على العديدِ مِن المذاهبِ والدّيانات، ولكنني أتحدّثُ هُنا تحديدًا عن نساءِ المجتمع الدّرزيّ.
تطرّق أنبياءَ ورجالَ دين دروز مشهورونَ إلى مكانةِ المرأة في المجتمعِ الدرزيِّ، ومنهم “حمزة بن علي” وهو أحد ناشري الديّانة الدّرزيّة، حيثُ قال: “على الدّرزيّ أن يساوي زوجته بنفسهِ في كلِّ ما يملك”. كما أن الأمير السيد (وهو أحد شارحي النّصوصِ الدّينيّة لطائفةِ الموحّدين ويُعتبر زعيماً روحياً هاماً 1479-1419 حدّد بين أمورٍ أخرى ترتيبات تتعلّق بقضايا الأحوال الشخصية كالزواج، الطلاق، الإرث والوصاية، ورسّخها كأحكامٍ دينيّةٍ لا تزالُ ساريةَ المفعول حتّى يومنا هذا. وقد أكّد السيّد على الالتزامِ المتبادلِ في العَلاقات بين المرأةِ والرجل.
يوصي الدّين الدّرزيِّ الرَّجل أن يساوي زوجته بنفسهِ وأن يُعامَلَ الإناث والذّكور بالتساوي. كما أن تعدّد الزّوجات غير واردٍ عند الموحّدين الدّروز وللمرأةِ حقّ الطّلاق ما إذا كان زواجها فيهِ جور أو ظُلم أو انتهاك لحقّها. ولكن هل هذا ما يحدث حقّاً على أرضِ الواقع؟ هل يُعامل النساءُ والرجالُ بالتّساوي كما أوصى الدّين؟
كحالِ معظم النساء في المجتمعات الأبوية تُعاني نساءُ الدّروز مِن التّعصب والهيمنةِ الذّكورية. فمعظم النساء الدرزيات لا زلن يمارسنَ أدواراً تقليديةً على الرغمَ من حصولهنَّ -في العديد من الأحيان- على شهاداتٍ جامعيّة. قديماً عندما كان دور المرأة يقتصر على إدارة المنزل ورعاية الآخرين لم تكنِ المساواةُ موضوعَ خلافٍ بحيثُ تساوى الرجل والمرأة بقيامِ كل منهم بواجباته. أما اليوم ومع تطوّر دور المرأة في المجتمع ظهرت نقاط الاختلاف واضحة، مع العلم أنه وبحسب علماء الدّروز، النصوصُ الدينيّة لا تنطبقُ على زمانٍ دون آخر، فلماذا توقّف الرجال عن مساواة نسائهم وبناتهم بأنفسهم؟
فقد نجد الأهل يستثمرون في الشّابِ ويدفعونَ الأموال على تعليمهِ، بينما تُجبَر الفتاةُ على ملازمةِ المنزلِ حين تنتهي من مرحلة التعليم الأساسيّ أو حتّى الثانوي. والفتيات الصالحات في المجتمعاتِ الدرزية لا يزاولن المهن، بل يزاولن الانتظار. فتنتظر المرأة الزوجَ الّذي ستنذر حياتها له ولتربية أطفاله واضعةً كلَّ ما بها من طاقاتٍ وقدراتٍ عقليّة في طيّ الكتمان.
بحكمِ الطّبيعة المنغلقة للدين الدّرزيِّ والرّفض القاطع للزواج المختلط، فإن معظم الزيجات تتمُّ على شكل زيجاتٍ تقليديّة مدبّرة بحيث لا يتسنّى للفتاةِ التعرّف على زوجها معرفةً كافية، وينتج عن الأمر أحياناً النزاعات الزوجيّة التي قد تصل إلى الطلاق.
يمارس المجتمع الدّرزيّ تعنيفاً نفسيّاً مستتراً على النساءِ المطلّقات. فنهاية الزواج تكادُ أن تساوي نهاية الحياة. حياة المرأة فقط طبعاً! وهي في الواقعِ نهاية مرحلة ليس إلا، والتي إذا ما تمَّ التعامل معها بالشّكل الصحيح قد تساهمُ في تطوير المرأة وتحقيق استقلاليتها. يجب الإشارة إلى أنَّ النّساء المطلّقات عليهنَّ أن يعُدْنَ إلى منزلِ الأبوين بغضِّ النّظر عن سنِّ المرأة أو تحصيلها العلمي أو قدرتها التّامة على إعالة نفسها. سلطةُ الأب -إن وُجِد- أو الاخ تأتي بعد سلطةِ الزوج. نعم الدِّين يعطي المرأة حقَّ الطّلاق والمجتمع يسلبُها إياه، ولكن هل يسهُل تخليص معاملات الطلاق في المحاكم المذهبيّة الدرزية؟
تشكو الكثير من النساء من محاولة مشايخ المحكمة المذهبيّة عرقلة أمورِ الطّلاق على أمل أن تغيّر المرأة رأيها و تتراجع عن طلب الانفصال. ويقومُ الأهل والأقارب بتقديم المواعظ مشددين على ضرورة مزاولة دورها كمربية لأولادها مهما لحق بها من جور في المنزل الزوجي. وقد تنجح محاولاتهم في معظم الأحيان فما الفرق بين تحمّل الجور في المنزل الزوجي أو في منزل الوالدين؟ السماء تبارك جور الذكور أينما وجِدْ.
وقد نجد الاختلاف في معاملة الرّجال والنّساء بشكلٍ جليٍّ عندما يقرّرُ أحّد الدّروز أن يتَّخذ لنفسهِ شريكاً غيرَ درزيّ. فالرجال قد يُعاقَبون بسخط المجتمع وفي بعض الأحيان بنبذِ عائلاتهم لهم، بيدَ أنّي لم أسمع يوماً برجلٍ أُزهِقت روحه لأنّه قرر اختيارَ شريكةٍ غير درزيّة! ولكننا طبعاً سَمعنا عن الكثيرِ من جرائمِ الشّرف الّتي تذهبُ ضحيتها إناث كانَ جرمهمُ الوحيد اختيار شريكٍ غيرَ درزيّ لبناءِ حياةٍ زوجيّةٍ سليمةٍ مبنية على الاختيار. مع العلم أنَّ الدّينَ الدّرزيَّ قد حرَّم القتلَ بمختلفِ أشكاله و أسبابه.
قد يعارض كثيرون هذا الكلام زاعمين أنَّ الزَّمن قد تغيّر وأنَّ هذا ليس حال الدُّروز في يومنا هذا. طبعاً، هذا ليس حال كلّ الدّروز وبالأخصّ الدّروز الّذينَ يقطنونَ في المدنِ وفي بلاد الاغتراب. ولكنَّه حال معظم الدّروز في القُرى الجّبليّة التي تحوي العدد الأكبر مِن الدّروز، سواء كان ذلك في لبنان أو حتّى في سوريا. إنه من غيرِ المقصودِ في هذا المقال الزعم بأنَّ الدّينَ أنصفَ المرأةَ إنصافاً تامّاً، ولكن الهدفَ كان تسليطَ الضَّوءِ على التطبيقِ الخاطئ للتعاليم الدينيّة التي -ككافةِ الأمورِ الخاطئةِ في مجتمعاتنا- لا بُدَّ أن تصب في تقرير مصير النساء.
* حنين الصايغ