راجي الحمد بعد أن كبر وصار ما صار عليه “شاف حاله وفكّر إنّه خلقان في ديرة عميان”. غير أنّ العارفين بالأمور يعرفون أنّ الأمر نتاج طفولة عانت التنمّر، فحمى حاله ردّة فعل صغيرًا بسلاح الكذب والتذلّل اللذين لازماه حين صار زلمة “مِلوْ هْدُومُه” حسبما اعتقد.
كلّ ذلك كان قبل العصا.
ما كان وقف الأمر عند هذا الحدّ من سلاح الحماية، فتذلّل راجي لفارس الفارس، كبير المتنّمرين، تذلّل التابع “الملكيّ أكثر من الملك”، لا همّ له إلّا مرضاته والتي بلغت حدّ الإقعاء لتنظيف وتلميع أحذيته إن رأى ما يشوب الحذاء من قاذورات طرق البلد الترابيّة الوحليّة شتاء، لدرجة أن ضاق فارس منه ذرعًا وإن راق له هذا التذلّل، فليس كلّ من حمل اسم فارس فارسًا.
كان فارس رأى أنّ راجي الحمد من أكثر الملائمين من أمّعاته، هكذا رآهما في قرارة نفسه، ليكون كبير الأمّعات وعينًا عليهم، وهكذا صار، فصال وجال راجي بين الأمّعات. وصال وجال فارس بين الخصوم الأعداء، ولم تكن صولاته سهلة لا في صغره ولا بعد أن صار كبير جماعة بعد أن ضرب في الصميم جماعة الأعداء في ساعة حظّ أو قُل ساعة ضعف وسوء تدبير عندهم، مستوليًا على كلّ ما تحتهم وما فوقهم، فصار لفارس حياض وعَلم يرفعه في صولاته وجولاته وانتصاراته التي توالت.
لم يكن العلم لا عند فارس ولا عند أمثاله مجرّد خرقة قماش، فللأعلام تاريخ عريق بين الناس وحَملتُه عادة من الأشدّاء في الصولات والجولات، وبقاؤه مرتفعًا ليس فقط رفعًا للمعنويّات وإنّما علامة بأس ونصر محتّم.
فارس الفارس جعل شعار علمه كفّه المقبوضة، نعم كفّه هو، والتي دأب أن يقوم على رسمها أمهر الرسّامين دون أن تشوبها شائبة، وكاد هذا الماهر أن ينال جزاء سنّمار لولا أنّ الله لطف!
كان فارس يقوم بجولة تفقدّية اطمئنانًا على الرعيّة والأصح اطمئنانًا على نفسه من رعيّته، وإذ به يرى على أحد البيوت العلم وتحت رسم قبضته مكتوب شيء ما، فغلت الدماء في عروقه. أمر بإنزال العلم وقرأ: “هذه القبضة رمز نصرنا المؤبّد”، وحين سأل عن صاحب الدار قيل له إنّه راجي الحمد. لم ينبس ببنت شفة، وأمر بإخراج العصا ولفّ العلم وناوله والعصا لأحد مستشاريه وشوهد وهو يهمس له.
ويُحكى أنّ في الغداة شوهد راجي وفي استه عصًا مشدودة ببقايا رسن دابّة عتيق، وقيل أنّه مُنع من إخراجها ولمدّة أسبوع إلّا ساعة قضاء حاجته!
7 شباط 2024