عن دار الأزبكية للنّشر والتّوزيع في رام الله للطباعة والنشر (مطبعة أبو خليل)، 2024، صدر كتاب شقيقي داود-سيرة غيريّة” للكاتب جميل السلحوت، يقع الكتاب في 200 صفحة من الحجم المتوسّط.
تُعرّف السيرة الغيريّة بأنها إحدى أنواع التعبير الأدبي الكتابي، والتي تختص بالحياة الشخصيّة لشخصٍ ما، حيث يقوم المؤلّف بإعادة بناء حياة الشخص الذي يكتب عنه بتفاصيلها بناءً على وجهة نظره الشخصيّة، بالطبع بالاعتماد على الدلائل الموجودة سواء أكانت مُصوّرة، محكيّة أو مكتوبة. غالباً يتم النظر للسير الغيريّة بأنها إحدى أنواع التاريخ، خصوصاً تلك التي تتحدّث عن الحياة الشخصيّة لأحد الشخصيات البارزة، ولا يخلو الأمر من بعض العوائق أثناء كتابة السير الغيرية، إذ أنّ التحدي الأكبر خلال كتابة السير الغيريّة هو الحصول على المعلومات بشتى الأساليب والطرق والتأكّد تماماً من صحّتها.(ويكبيديا).
عناصر السيرة الغيريّة الناجحة
تشتمل السيرة الغيريّة الناجحة على عدّة عناصر يتمّ كتابتها بشكل متسلسل وبأسلوب ممتع هي: تاريخ ولادة الشخص ومكانها، بالإضافة لتاريخ الوفاة في حالة الكتابة عن شخص قد فارق الحياة.
– معلومات عن عائلة الشخص المكتوب عنه.
– الإنجازات والأحداث الهامّة في تاريخ حياة الشخص.
تأثيرات الشخص التي قدّمها للمجتمع.
للحصول على سيرة غيريّة ناجحة لابد من الاستناد في كتابة المعلومات للأدلّة والحقائق، بالإضافة لكتابتها بشكل مثير للاهتمام، خصوصا في الجملة الأولى للسيرة، إذ يجب كتابتها بطريقة تحفيزيّة جذّابة ومثيرة للاهتمام.(ويكبيديا).
هذه السيرة الغيريّة للكاتب السلحوت هي السيرة الغيريّة الثانية بعد كتابته للسيرة الغيريّة( ابن العم أبو شكاف) ، إصدار الرعاة للدراسات والنشر، وجسور للنشر والتوزيع، عمّان، 2023 وأبو شكاف هو ابن عمّ الكاتب الذي عاش في بلاد العم سام ونجح نجاحا باهرا، وكانت له الكثير من الأعمال الخيريّة.
في كتابه هذا عن أخيه داود، تطرّق الكاتب إلى عدّة مواضيع، فقد تحدّث عن البيئة التي نشأ فيها داود في جبل المكبّر في القدس، الوضع الاقتصادي العام في البلاد ووضع العائلة بشكل خاص، الوضع السياسيّ، الانتداب البريطانيّ في فلسطين وفرضه ضرائب باهظة لتشريد شعبها، قيام الانجليز بتسهيل الهجرات اليهوديّة الى فلسطين، وتنفيذ وعد بلفور بإقامة دولة لليهود في فلسطين.
تطرّق السلحوت أيضا إلى الوضع الاجتماعيّ والعلاقات الأسريّة وزواج البدل وزواج الأقارب، ووضع المرأة المتدنّي، حيث لم يكن للمرأة أيّ قيمةـ بل إن وجودها مرفوض وسعيد من يخلّف الذكور ولا يخلّف البنات. وقد استعان بالأمثلة الشعبية التي تثبت ذلك:” الأولاد أوتاد”. ص 24. :” اللي بتموت وليته من حسن نيته”. ” البنات مثل خبيزة المزابل”.” دلّل ابنك بغنيك ودلّل بنتك بتخزيك”ص .24
رغم ذلك فالمرأة تقوم بكل أعباء المنزل إضافة إلى الزراعة وحلب المواشي، وتحضير الجبن واللبنة ونسج النّول والحمل والولادة، وعليها طاعة زوجها وتمنع من إبداء رأيها، ولا حتى في موضوع زواجها.
كما تطرّق الكاتب إلى موضوع الطبّ الشعبيّ، فمن علاج الأطفال عندما يصابون بالحصبة أو السعال الديكي أنهم كانوا يسقونهم ملعقة من حليب أتان “حمارة ” ص 34. ومن عاداتهم أنهم كانوا يكوون الطفل بمسلّة حديدية تحت لسانه، ويعتقدون أن من لا يكوى سيكبر أخرسا، كما اعتادوا تبخير الأطفال الذكور لحمايتهم من العين الحاسدة، أمّا البنات فإنّهنّ لا يتعرضن للحسد. ومن التعاويذ الشائعة:” حوطتك بالله من عين خلق الله، من عين أمك وعين أبوك، ومن عين عمتك ومن عين أختك ومن عين الجيران ومن عين اللي حسدوك. عين الصّبي فيها نبي، عين الذكر فيها حجر، عين الحسود فيها عود، عين الجار مقلوعة بنار”.ص 35-36.
أمّا سيرة داود فيمكن ايجازها بما يلي:
ولد داود عام 1963 في عرب السواحرة في القدس، وهي عشائر بدوية كانت تسكن البراري طلبا للعشب والماء. كان طفلا مميّزا ذكيّا ومحبوبا، لكنه لم يحبّ المدرسة، بدأ العمل منذ طفولته، ثم ترك المدرسة بعد إنهائه الصف الأول الثانوي، انتقل للعمل في الدّهان، ثمّ تعلّم دورة في معهد فندقيّ، فعمل نادلا في أحد الفنادق وأصبح مسؤولا عن غرفة الطعام، ثم عمل في أحد الفنادق في أمّ الرشراش “ايلات” واستلم مسؤولية غرفة الطعام وصار مسؤولا عن النُدُل. ص 57.
عام 1988 سافر إلى أمريكا بدعوة أخويه جمال وأبي كمال، اللذين كانا يعملان في أمريكا في مدينة شيكاغو، فعمل معهما في المحل التجاري الذي امتلكاه. بعد ثلاثة أشهر من عمل داود تضاعفت مبيعات المتجر بنسبة 225%. بعد ذلك سافر داود الى كنتاكي، حيث عمل في تصدير السيارات المستعملة الى الأردنّ عبر ميناء العقبة. ثم بدأ يشتري العقارات والأراضي وكوّن ثروة كبيرة، فقام ببناء صالات فاخرة للأفراح في العيزرية- القدس.
عرف داود بحبه لأهله وبرّه بوالديه، وكان أخا داعما لأخوته يرسل لهم الأموال ويجزل في العطاء.
عام 2021 قرّر داود العودة الى البلاد، لكنّ الدولة جرّدته من حقّه بالإقامة في مسقط رأسه في جبل المكبّر في القدس، فأوكل محاميا بتجديد الإقامة له لمدة ثلاثة أشهر بشكل متعاقب، لكنه لم يسترجع هويته حتى اليوم.
خلال وجود داود في أمريكا قام الكاتب بزيارته عدّة مرات، فكتب عن أمريكا، عن مواسم الصيد وخروجه للصيد مع أخيه، كما ذكر عدّة عادات شائعة في أمريكا، منها زراعة بعض الأشجار لإطعام الطيور، كما كتب عن مجموعة دينيّة بروتستانتيّة تدعى “أميش”، تبعد عن شيكاغو ثلاثمائة كيلومتر، هذه المجموعة لا تستعمل الهاتف النقّال الّا للعمل فقط، كما أنّها لا تستعمل الكهرباء ولا التلفاز ولا المذياع ولا يقرأون الصحف، فهم معزولون كليا عن العالم. يعلّمون أولادهم للصف الثامن فقط،
أعجب الكاتب بصفات أخيه، واجتهاده، وكرمه، وحبّه لعائلته وانتمائه لوطنه، فقرّر كتابة هذه السيرة الغيريّة التي تثبت أن من جدّ وجد ومن زرع حصد، وأن النجاح لا يأتي للإنسان على طبق من ذهب، وإنما بالكدّ والنشاط والكفاح، فأمريكا بلاد الفرص ومن يجتهد ويكّد، ينجح، ولعلّ هذه السيرة تمثّل دروسا في الكفاح والنشاط لجيل الشباب الذين يبحثون عن الثراء وتحقيق الأحلام.
أمّا لغة الكاتب فاتّصفت بالسلاسة واستخدام الكاتب للتناصّ، حيث نجده يقتبس العديد من الأمثال والحكم الشعبيّة والأغاني التراثيّة كما نجد في المثال التالي:
“دبكة ما بعرف دبكة
هيلي ما علّموني
ألله يجازي أولاد العم
ع الغربة ودّوني”. ص 26.
ومن الأشعار التي اقتبسها ما يلي:
أخاك أخاك فإن من لا أخا له كساع الى الحرب بغير سلاح” ص 154.”
” أعشق عمري لأني إذا متُّ أخجل من دمع أمي”.
ومن الأمثال الشعبيّة:” أوّل الثمار بطوّل الأعمار”. ص 48.
يمكن القول إذن إن هذه السيرة الغيريّة، غنيّة بالمعلومات التاريخيّة، الاجتماعيّة، التراثيّة، السياسيّة، والسياحيّة، فالكاتب أثرى القارئ بمعلومات عن عدّة مدن في امريكا، وخصائص سكانها وعاداتهم وخاصة العادات الغريبة بالنسبة لنا. لذا يمكن القول إنه مرجع لمن يريد أن يجرّب حظّه في بلاد العمّ سام.
مبارك للكاتب جميل السلحوت هذه السيرة الغيريّة وأطيب الأمنيات بدوام الإبداع والعطاء.