صدرت رواية الفتيات والفتيان “جبينة والشّاطر حسن” لجميل السّلحوت مؤخّرا عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية التي صمّمها وأخرجها شربل الياس في 110 صفحات من الحجم المتوسط.
قبل أن نتحدث عن رواية جبيبنه، يجب أن نتحدث قليلا عن كاتبها الأديب جميل السلحوت، الإنسان الوفي لوطنه فلسطين، ولمدينته القدس ومكان سكنه جبل المكبر، وهذه الأماكن محور رواياته وقصصه ومؤلفاته الكثيرة، فكتب عن كل ما اختزنته ذاكرته منذ طفولته حتى هذه اللحظة من حياته، وكل ما مرّ على فلسطين من أحداث جسام، وعن معاناته هو شخصيا منذ حرب حزيران 1967، والاحتلال الغاشم، وعن القدس قلب فلسطين، عن أماكنها ومقدساتها ومجتمعها وناسها وكل شيء فيها، كتب عن جبل المكبر والبراري حوله محور حياته منذ الطفولة، وذكرياته التي لم ينسها، فكتب عن نفسه وعن طفولته وعائلته وأولاده وأحفاده وجميع أفراد عائلته قصصا وروايات قيمة، لما فيها من معلومات هامة، تاريخية واجتماعية وتربوية وجغرافية وإنسانية وثقافية وسياسة، حيث كان على علاقة مباشرة مع الناس كونه شيخهم ومستشارهم في المشاكل التي تعترض طريقهم.
وروايته هذه رواية جبينة والشاطر حسن للفتيات والفتيان، تحكي قصة جبينة بنت كنعان وأسرتها التي تسكن في باب حطة قريبا من برج اللقلق، وهي طفلة وحيدة لوالديها، محبة للمغامرة، جميلة وذكية ومدللة وطلباتها مطاعة. تشاهد المسجد الأقصى وكنيسة القيامة من نوافذ بيتها وهي في غاية السرور، تحب الطبيعة والبرية واللعب مع أقرانها، وتتمنى أن يكون لها أخوة؛ لتلعب معهم.
اخذها والدها ووالدتها في رحلة من مكان سكنهم مرورا بجبل الزيتون جنوبا الى أبو ديس إلى براري السواحرة، مروا بمضارب بدو في منطقة الضحضاح، ثم إلى منطقة الدمنة، ونصبوا لهم خيمة بجانب متنزهين آخرين، لعبت جبينة مع الأطفال وأكلوا من الأعشاب التي تؤكل نيئة، مثل الحميض والذبيح والمرو. وهناك تعرفت على صديقتها البدوية وضحا التي تعيش في بيت شَعَر بالقرب من خيمتهم، وأحبتها كثيرا.
ثم عادوا الى برج اللقلق .وحدث أن أتت امراة فقيرة تطلب من أبو جبينة أن يشغل عنده ابنتها زينب لحاجتهم الماسة الى النقود فقبل. وأحبتها جبينة كثيرا وطلبت منها ان تكون اختا لها مع مساعدة أمّها في أعمال البيت.
وعندما التقت جبينة بأطفال الحارة في برج اللقلق حدثتهم عن البرية وجبل المنطار الذي يرون منه القدس وبيت لحم والبحر الميت، فأرادوا أن يذهبوا برحلة إلى تلك المناطق، فرتب لهم ولأمّهاتهم الشاطر حسن ابن بندر التجار رحلة جماعية تعهد بتكاليفها.
انطلقت الرحلة من باب الساهرة إلى مقام الني موسى، توقفوا في منطقة الطّبِق، وجلست الأمهات يبقلن الخبيزة والحويرنة والبابونج، ثم مروا بمضارب رعاة المواشي، فقدموا لهم اللبن الرائب واقراص الجبن وخبز الشراك دون مقابل. وأكلوا من الأعشاب التي تؤكل نيىة التي عرفهم عليها رعاة المواشي وبعضهم ركب حمير مربّي المواشي.
وفي طريق العودة رأوا قطيعا من الغزلان، وعادوا وهم يغنون للشاطر حسن. وأمّا جبينة وأهلها فقد عادوا في رحلة ثانية الى منطقة الضحضاح ومعهم زينب، وعندما وصلوا منطقة الدّمنة التي زاروها سابقا حطوا رحالهم. ركضت وضحا صديقة جبينة لتتفرج على السيارة، وتلتقي بصديقتها جبينة، فقدمت لها جبينة هدية علبة حلقوم وقالب حلاوة. وقدمت لهم وضحا لبنا وجبنا وسمنة بلدية.
لكنّ زينب بجرأة امتطت الفرس دون سرج ولا لجام، وانطلقت بها حتى الضحضاح وعادت بها إلى الخيمة. ونظرت هي وجبينة الى الوادي الذي يسير بمحاذاة الخيمة ويلتقي بوادي الدكاكين المليء بالكهوف القديمة.
ومن على قمّة جبل المنطار ومن نافذة السيارة رأى أبو جبينة دير مار سابا، الذي يقع في برية العبيدية شرق بيت لحم. ولوعورة الطريق وصعوبة الوصول إليه اقترح أبو جبينة أن يزوروه مستقبلا بالسيارة من بيت لحم.
وعادوا جميعهم الى خيمتهم في السيارة. وبعد الغذاء أخذ أبو جبينة قيلولته المعتادة، وذهبت جبينة وزينب وأمّ جبينة التي اضطرت للذهاب معهما إلى الكهف، بسبب إصرار جبينة على الذهاب الى الكهف بعد أن من وضحا أن مدخله قريب من الخيمة.
وقفت أمّ جبينة عند مدخل الوادي تنظر الى المنطقة، وإذا بجبينة تركض وتتبعها زينب والأمّ تلحق بهما. وعندما وجدت جبينة كهفا واسع الباب على يمينها، ويبعد حوالي 70 مترا عن مجرى السيل، صعدت إليه مسرعة وكأنها في سباق مع زينب، ووقفت أمامه، بينما جلست الأمّ على حجر بجانب باب الكهف ساندة ظهرها على جداره، بينما دخلت جبينة الكهف ضاحكة في محاوله منها للاختباء من والدتها. وجلست في زاوية الكهف اليمنى الأمامية تمدّ رجليها وتسند ظهرها إلى الحائط، نظرت عن يمينها ورأت رقعة ناشزة في الحائط ترتفع عن الأرض تغطيها طحالب، دخلت زينب وضربت الرقعة بقدمها بقوة فانهارت الرقعة، ووجدوا خلفها جرتين نحاسيتين واحدة مملوءة بليرات ذهبية والأخرى مملوءة بتماثيل ذهبية. وأخبروا والد جبينة فحضر ومعه حرامين؛ ليحملوا فيهما الجرتين لئلا يراهما أحد، وعادوا الى برج اللقلق تاركين خيمتهم وسط تساؤل وضحا وأهلها عن سبب ذلك.
باعوا قسم منها بصعوبة خارج البلاد، واقتسموا ذلك مع زينب وأمّها وعاشوا في نعيم. حملت أمّ جبينة بولد أسموه “سعيد”، وتوفيت أمّ جبينة بعد ذلك، ثم تزوج ابو جبينة من خيزرانة أمّ زينب التي اعتنت بسعيد وجبينة بالإضافة لابنتها زينب.
وعاشوا في نعيم في بيت جديد، وجبينه وزينب ترتادان الأسواق وهما تتزينان بالذهب، مما أثار طمع اللصوص فاختطفوهما . وانطلق الجميع يحثون عنهما وعلى رأسهم الشاطر حسن وأخوه حسين، ونجحوا في تحريرهم وهرب اللصوص. وقدم والد جبينة جبينه عروسا للشاطر حسن وزينب عروسا لحسين وتكفل بالتكاليف وأجلوا حفل الزفاف حتى استعادة المسروقات ومعاقبة اللصوص.
الرواية جميلة لغتها سردية سهلة محببة للفتيات والفتيان والكبار لا يملها القارئ رغم الشرح المطول والوصف الدقيق المفصل عن الطرق والمسافات والأماكن وامتدادها وطريقة الوصول اليها.
المغزى الأساسي للرواية هو سرقة الوطن ويجب عدم الاكتفاء بجزء من الحل بل إعادة الكل المسروق، وذكر تاريخ 7 يوليو حزيران لم يأت بالصدفة فهو تاريخ أكبر سرقة بالتاريخ. ولن نحتفل حتى تعود.
وفي هذه الرواية ايضا دروس وعبر. منها،
ارتباط أهل القدس بالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة والاهتمام بهما، وكذلك جميع المدن.
نظام الحياة في القدس قديما حيث كان الناس يخيطون ملابسهم عند الخياطين، ويصنعون الأحذية عند صانعي الأحذية.
التربية الراقية في تعامل جبينة المدللة وأهلها الأغنياء مع زينب التي اضطرها اليتم والفقر للعمل وهي في عمر الزهور.
التشجيع على التنزه في مدننا وبراريها والتعرف على التراث والأماكن السياحية لمعرفة الفرق بين حياة المدن والريف والبراري وتأقلم السكان.
ذكر بعض الأماكن والأديرة التاريخية للتشجيع على زيارتها لأهميتها التاريخية.
عدم دخول الأطفال للكهوف والمغر لوحدهم.
تطوّع أهل الخير لتحقيق رغبة الأطفال الفقراء للتمتع بالطبيعة كغيرهم.
نلاحظ أن زمان هذه الرواية قديم من قيمة العملة ونظام العيش.
وهنا يجدر التّذكير بأنّ ” جبينه والشّاطر حسن” حكايتان شعبيّتان عربيّتان معروفتان، وقد استغلّهما السّلحوت بطريقة ذكيّة، خلط فيها القديم بالجديد؛ ليقدّم لنا رواية غير مسبوقة بشكلها وبمضمونها.